عاش النازحون في المخيّمات القريبة من بلدة بابسقا في ريف إدلب، شمال غربي سورية، تجربة مأساوية من جرّاء الانفجار الذي وقع في مستودع للذخائر يعود لفصيل "فيلق الشام".
وكان ليل الأربعاء ثقيلاً بكلّ المقاييس على آلاف النازحين في المنطقة، إذ إنّ خيامهم احترقت، وكذلك مقتنياتهم التي في داخلها، وبات قسم منهم في العراء.
مريم الرحمون من بين هؤلاء النازحين السوريين، وقد عجزت عن إخفاء دموعها وهي تتحدّث لـ"العربي الجديد". النازحة التي غادرت بلدة جرجناز، في ناحية معرّة النعمان، خوفاً من بطش النظام السوري، مضحّية بكلّ شيء تركته خلفها، عانت بحقّ. فكرسيها المتحرّك لم يعنها في الهرب من النيران التي طوّقت المكان.
وتخبر مريم: "لم نسمع سوى أصوات رصاص، وبدأ الأطفال بالركض. حملني بعض الشبّان واصطحبوني في سيارة، وقد جرحت قدمَيّ بالحجارة. أخذوني بعيداً، وأنا حالياً هنا ولا يمكننا القيام بأيّ شيء". تضيف: "لم أنم طوال الليل"، مشيرة إلى أنّ "لدى ابني ثمانية أطفال، بالكاد نجا بهم... كانت ليلة صعبة جداً".
وتتابع: "عظامي تكسّرت وقدماي جُرحتا. أنا حزينة على ما حدث لنا. تركنا كلّ شيء خلفنا وغادرنا البارحة، فيما كانت النار تعمّ المكان والنساء يبكينَ والأطفال يبكون".
محمد الرحمون هو زوج مريم وقد خبر المعاناة نفسها، ليل أمس الأربعاء. كان عائداً من صلاة العشاء بحسب ما يخبر "العربي الجديد"، وتفاجأ بالانفجار، فطلب منه ابنه مغادرة الخيمة، لكنّه بالكاد كان يقوى على المشي.
ويضيف: "لم نعد نرى السماء ولا الأرض من جرّاء النار، وقد نقلني الدفاع المدني في السيارة، فيما كنت أريد أن أعرف ما الذي حلّ بأهلي وأولادي. وقضينا ليلتنا في مدينة الدانا"، مشيراً إلى أنّ "النار اشتعلت في كلّ مكان وخفنا أن تهبط الخيمة على رؤوسنا".
من جهته، فقد حسن الحمد أحد أفراد عائلته، وهي طفلة في الثانية عشرة من عمرها. ظنّ الحمد أنّ الانفجار ناجم عن صاروخ أو قذيفة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنّا نجلس في الداخل، ولم نشعر إلا بسقوط صاروخ أو قذيفة على الخيمة. هربنا فأضعنا بعضنا. ابنة لنا احترقت وتوفيت في داخل الخيمة، فيما بقينا ثلاث ساعات ونحن نحاول إطفاء النار. ثمّ بدأنا بالبحث عن الأطفال الباقين، ولم نجدهم إلا عند الساعة السادسة صباحاً. بعدها دفنّا الطفلة، ولم يبقَ لدينا أيّ شيء نهائياً من محتويات مسكننا".
أمّا نبيل غازي الحويجة، فيروي لـ"العربي الجديد" أنّه استيقظ ليلة الأربعاء على صوت الانفجار، "فيما كانت النيران تشتعل في المكان". يضيف أنّ "شعور الخوف لا يوصف، إذ بدأت الشظايا تقع علينا. ونجونا بقدرة الله"، لافتاً إلى أنّ "مقوّمات الحياة فُقدت لدينا. ليس لديّ عمل، فأنا نازح ولا أستطيع أن أعمل". ويطالب المنظمات بـ"تقديم بدائل لما احترق".
وفي الإطار نفسه، يقول مدير مخيم البر في بلدة بابسقا عبد الرحمن ياسين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المنظر كان مخيفاً جداً. الليل تحوّل إلى نهار نظراً إلى قوة النيران وشدّة الانفجار. وقد احترقت 12 خيمة بشكل كامل إلى جانب أضرار جزئية في نحو 120 خيمة".
ويضيف أنّ "الناس هربوا فيما الدفاع المدني تدخّل"، مشيراً إلى أنّ "عدد سكان مخيّمات المنطقة يُقدَّر بأربعة آلاف، وثمّة من أضاع أطفاله".
ويتابع ياسين أنّ "مخيّمات الدانا تضرّرت كذلك، نشاركهم (سكانها) الوجع ذاته.. فالأضرار هي نفسها في مخيّمات المنارة وصلاح الدين وبسقلا وعباد الرحمن".
عائشة محمد من المقيمين في مخيم البر، تحكي لـ"العربي الجديد": "كنّا نشرب الشاي في السهرة، لم نشعر إلا أنّ النار اشتعلت. ظننا أنّ ثمّة طائرة في السماء، وبعدها بدأ الناس يركضون. بقينا في كراج قريب لنحو ثلاث ساعات، وبعدها نقلونا بعيداً وبتنا ليلتنا في كفرلوسين". تضيف أنّ "الجدران تضرّرت وسُرقت الأغراض"، لافتاً إلى أنّ "ابني مريض، وهو يعاني كذلك ممّا حصل".
عندما وقع الانفجار، ظنّت آيات العلي أنّ ذلك حدث عند الجيران. وتقول لـ"العربي الجديد": "حملنا الأطفال لكنّنا لم نستطع الخروج بسبب النيران. فلازمنا مكاننا في ظلّ جدار، وبقينا على هذه الحال حتى الساعة الثانية من بعد منتصف الليل". تضيف: "كانت ليلة صعبة جداً، لا نرجوها لمخلوق. الأطفال الصغار كانوا يصرخون، ولم تغمض لهم عين". وتتابع قائلة إنّ "شيئاً لم يبقَ من الخيمة.. حتى الغسالة والمخدات والفرش. كلّ شيء احترق بالكامل".
بدوره، يشكو بلال شبيب، المقيم في مخيم البر لـ"العربي الجديد" من أنّ "كل شيء احترق، والآن نحن تحت الشوادر"، مشيراً إلى أنّ الناس الذين هربوا إمّا هربوا من الانفجار وإمّا تضرّرت مساكنهم. يضيف أنّ "ثمّة من يقيم في الجوامع، علماً أنّ الدفاع المدني ساعد في إجلاء الناس".
وفي سياق متصل، يحكي نائب مدير الدفاع المدني السوري منير المصطفى لـ"العربي الجديد" عمّا حدث. ويفصّل أنّه "بتمام الساعة العاشرة و50 دقيقة من ليل أمس الأربعاء الأوّل من يونيو/ حزيران، سُمعت أصوات انفجارات متتالية في محيط بلدة بابسقا، ولاحظت فرق الدفاع المدني السوري اشتعال النار في المكان، فتوجّهت فوراً إلى المكان، ليتبيّن أنّ الانفجارات في مستودع للذخائر نشبت فيه النار، فبدأت تتفاعل الذخائر وتنفجر، مخلّفةً شظايا تتطاير في المحيط وتسقط في المخيمات القريبة".
يضيف المصطفى أنّ "فرق الدفاع المدني أخلت على الفور 12 مخيماً في المحيط، ونقلت قاطنيها إلى أماكن أكثر أماناً، في مساجد ومنازل بلدة بابسقا وقرية الكفير، حفاظاً على سلامتهم. ونُفّذت عمليات إطفاء لإخماد الحرائق في ثلاثة مخيّمات مجاورة".
ويتابع المصطفى أنّ "فرقنا انتشلت جثّتَين من المكان (تعودان إلى طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة ورجل توفيا على الفور)، ونقلت مصابَين (رجل وامرأة) إلى مستشفى قريب. وقد واصلت كذلك عمليات الإطفاء وتبريد الحرائق لخمس ساعات، وهي ما زالت تعمل حتى الساعة لتبريد أماكن الحرائق لمنع اشتعالها من جديد وتأمين المكان لحماية المدنيين".
ويلفت المصطفى إلى أنّ "عشرات العائلات التي خرجت من المخيّمات بسبب الانفجار لم تعد، لأنّها فقدت ملاذها الأخير. أمّا عائلات أخرى، فلم تخرج لعدم توافر مكان تلجأ إليه، لكنّها فقدت كذلك ملجأها الوحيد. وهكذا هي حال النازحين في شمال غرب سورية الذين تزداد معاناتهم مع كل كارثة جديدة تعصف بهم".
ويكمل أنّ فرقاً متخصصة بالذخائر غير المنفجرة توجّهت إلى منطقة المخيّمات لتأمينها بشكل كامل، وأطلقت تحذيرات للمدنيين.
وقد أصدر فريق "منسقو استجابة سورية" بياناً، اليوم الخميس، كشف فيه تضرّر أكثر من 17 مخيماً، نتيجة الشظايا التي سقطت على الخيام، فيما احترقت أكثر من 19 خيمة ومسكناً مؤقّتاً.
وأضاف الفريق في بيانه أنّ أكثر من 3500 مدني تهجّروا من المكان، معظمهم من النساء والأطفال، وتوزّعوا على الطرقات خوفاً من تساقط الشظايا عليهم، فيما أُخليت مخيّمات عدّة لقربها من موقع الانفجار.
وذكر الفريق أنّ 21 مخيماً تأثّرت في محيط موقع الانفجار ضمن قطاع بابسقا، بالإضافة إلى سبعة مخيّمات في المناطق المجاورة. وبينما تركّزت الأضرار في بلدة بابسقا، سُجل بعضها في سرمدا وكفردريان ومشهد روحين.
وأشار الفريق إلى أنّ المنطقة التي تعرّضت للانفجار تحتاج إلى أشهر عدّة لإزالة المخلفات الحربية التي تحوّلت قنابل موقوتة في المنطقة، وبالتالي ثمّة حاجة اليوم إلى مسح شامل لإزالة الذخائر غير المنفجرة ونقل العائلات من تلك المناطق إلى أخرى آمنة نسبياً خوفاً من سقوط ضحايا وإصابات. ويقدّر الفريق عدد العائلات التي تحتاج إلى نقل حالياً بثلاثة آلاف.
وشدّد الفريق في بيانه على "ضرورة إبعاد المواقع العسكرية عن المناطق المأهولة والتجمّعات السكنية، وخصوصاً أنّ وجود هذه الأسلحة والمتفجرات بالقرب من التجمعات السكنية يمثّل مصدر خطر كبير على سلامة الأهالي، وينذر بوقوع كوارث أمنية وإنسانية لا تحمد عقباها".