تربية الماعز... نشاط أسري تدعمه الحكومة في الجزائر

20 مارس 2021
يجد هذا النشاط البيئة المناسبة له في المنطقة الغابية (العربي الجديد)
+ الخط -

 

يعرف نشاط تربية الماعز في الجزائر انتعاشاً كبيراً في السنوات الأخيرة، بسبب الفوائد الكبيرة للحم الماعز وحليبه، الذي أصبح يطلبه الجزائريون بكثرة. عائلات جزائرية عديدة، تعيش في المناطق الجبلية، عادت إلى ممارسة هذا النشاط، خاصة في ظلّ دعم وتشجيع حكومي كبير. 

بعد استقرار الأوضاع الأمنية في الجبال الجزائرية، عادت العائلات إلى ممارسة الأنشطة المختلفة في أراضيها المنتشرة في جبال منطقة جبابرة، التابعة لمحافظة عين الدفلى وفي الحدود مع محافظة تيبازة. فقام الأخوة فتاتة، بتشييد اصطبلات خاصة لتربية الماعز بكل أنواعه، الحلوب منه وذلك الموجّه لتجارة اللحوم. يقول ابراهيم، وهو الأخ الأكبر في العائلة، إنّ الفكرة بدأت قبل ثلاث سنوات، "كنّا ننشط في تربية الأغنام والأبقار بالقرب من بلدة بومدفع، التابعة لمحافظة عين الدفلى غربي الجزائر، ومع عودة الأمن قرّرنا العودة إلى أرض الأجداد التي بقيت بورا لسنوات بعد أن هجرناها في العشرية السوداء، وفكّرنا في تربية قطعان من الماعز، بسبب الطلب المتزايد على لحمه في السنوات الأخيرة، ليس فقط في عيد الأضحى، إنما نظراً للفوائد الصحية الكبيرة التي يتميّز بها لحم الماعز، خاصة وأنّ قطعان الماشية ترعى وسط الغابات المجاورة، وتتغذّى على الأعشاب البرية". 

ماعز الجزائر- العربي الجديد

غير بعيد عن الإخوة فتاتة، قام، ميلود بن شريف، وهو في الستينيات من العمر بإنشاء مزرعة صغيرة لتربية الماعز. تعلّقه بالأرض، منعه من ترك المنطقة وخدمتها حتى في أحلك الظروف الأمنية التي مرّت بها البلاد. يقول ميلود إنه بدأ في مشروعه بعشرة رؤوس ماعز فقط، وبعد مرور 5 سنوات، يتكوّن قطيعه اليوم من أكثر من 40 رأساً، بعضها يُحضّر للبيع في عيد الأضحى كأضاح، وبعض الماعز هو لإنتاج الحليب الذي ازداد الطلب عليه في السنوات الأخيرة، نظراً للفوائد الصحية الكبيرة التي يتميّز بها، إذ تستعمله العائلات والنساء المربيات للأطفال كحليب مدعم وبديل لحليب الأم. 

ويعتبر مراد لحول، وهو عسكري سابق في الجيش الجزائري، باشر مع شقيقه عبد القادر، مشروعاً لتربية الماعز، أنّ هذا النشاط يجد البيئة المناسبة له في المنطقة الغابية المحيطة به. وقال: "نصحني المختصّون بنوع الماعز الإسباني الذي يتميز بالإنتاج الغزير لكنني تفاجأت في البداية بغلاء أسعارها، حيث يتراوح سعر رأس الماعز الواحدة بين 100 و150 دولاراً، الأمر الذي جعلني أشتري رأسين فقط، ودعمت المزرعة بعدد من رؤوس الماعز الجزائري المتوسط الإنتاج مقارنة مع الماعز الإسباني". وأضاف: "تمكّنت من النجاح في هذا النشاط وتوفير عمل لشقيقي الذي كان عاطلاً عن العمل لسنوات، وهو يسهر على عملية الرعي والحراسة والنظافة، وتقديم الكميات الضرورية من العلف والماء". 

ماعز الجزائر- العربي الجديد

يسوّق هؤلاء الشباب من مربّي الماعز لمنتجاتهم من الحليب الذي ينتجونه يومياً، في المحلات الخاصة ببيع الحليب ومشتقاته. ويهتم بعض الزبائن والعديد من العائلات بهذا النوع من الحليب، فبعض الأمهات يستخدمنه لتحسين التغذية للأطفال والأشخاص المصابين بفقر الدم على وجه الخصوص.  ويعتبر هؤلاء الشباب، أنّ الدولة تأخرّت كثيراً في دعم مثل هذه الأنشطة الجبلية، التي من شأنها تشجيع الجزائريين على العودة إلى خدمة أراضيهم في الريف، وحلّ بعض المشاكل مثل انعدام الكهرباء الريفية، وتسهيل الحصول على القروض التي يمكن استغلالها لإنجاز الإصطبلات وشراء المعدات المتطورة لتربية الماعز الحلوب والعلف وخزانات المياه والمساعدة على حفر الآبار. 

ماعز الجزائر- العربي الجديد

وتنبّهت السلطات إلى هذا الموضوع في الفترة الأخيرة، وسهّلت حصول سكّان الجبال على دعم مباشر من وكالات حكومية خاصة لدعم المشاريع الصغيرة. إذ نجحت، فضيلة ابركان، وهي شابة في الثلاثينيات من العمر، تقطن في أعالي منطقة الناظور، المحاذية لجبال شنوة، بولاية تيبازة، غربي العاصمة الجزائرية، في الحصول على قرض من جهاز الدعم الذي أنشأته الحكومة الجزائرية لدعم مشاريع الشباب، ما سهّل عليها الحصول على عدد من رؤوس الماعز من النوع الإسباني والسويسري المتميّزة بإنتاج غزير للحليب. 

وتقوم الخلية الولائية لتربية المرأة الريفية بمراقبتها بشكل مستمر، الأمر الذي أدّى إلى نجاح مشروعها. وتقول فضيلة لـ"العربي الجديد": "لاحظت تزايداً على طلب حليب الماعز على مستوى المحلات الخاصة ببيع الحليب، وكوني أقطن في منطقة يعتمد أهلها على النشاط الفلاحي بدرجة كبيرة، خاصة تربية المواشي، فكّرت في مشروع من هذا النوع لكنني كنت عاجزة عن تمويله. حصلت على تكوين خاص في تربية الماعز الحلوب وعلى عشرة رؤوس ماعز وبعض العتاد اللازم، وانطلقت في مشروعي منذ سنوات، وتمكّنت من مساعدة عائلتي مادياً وتوفير ثلاثة مناصب عمل لنسوة من جاراتي يقمن بمساعدتي في تربية الماعز". 

وبعد نجاح هذه التجارب، تتعهد السلطات الجزائرية بتوفير المزيد من الدعم للعائلات والشباب الراغبين في تربية الماعز. في السياق، تقول دريب حياة، وهي رئيسة مصلحة تنمية المناطق الجبلية والثروة الغابية لمحافظة الغابات بولاية تيبازة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نشاط تربية الماعز على وجه الخصوص عرف انتعاشاً كبيراً، بعد توجّه الكثير من الشباب الريفي لمثل هذه المشاريع، ولهذا فمصالحها تحضّر لبرنامج خاص يتعلق بدراسة الآلات الكفيلة بمرافقة ودعم الناشطين في تربية الماعز وإزالة العراقيل التي تقف أمامهم مستقبلاً".