خلال العام الماضي، واجهت العائلات التونسية ارتفاعاً كبيراً في أسعار غالبية المستلزمات الدراسية، تتراوح ما بين 3 و14 في المائة، بحسب المعهد الوطني للاستهلاك، نتيجة فقدان العديد من المستلزمات المدرسية من الأسواق التونسية من جراء تفشي جائحة كورونا على الحركة التجارية بين الدول، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة إنتاج العديد منها. المشكلة نفسها تتكرّر هذا العام خلال استعداد الأهالي للعام الدراسي الجديد، وشراء اللوازم المدرسية، وسط تذمر كبير من ارتفاع أسعار العديد منها ونقص بعضها من الأسواق.
وأعلن المركز الوطني البيداغوجي، الذي يتولى نشر وتوزيع الكتب المدرسية، نشر الوثائق البيداغوجية التربوية والمحتويات التربوية الرقمية، واستيراد المواد والتجهيزات العلمية لفائدة مؤسسات التربية والتعليم والبحث العلمي، الشهر الماضي، "ترفيع أسعار بيع الكتب المدرسية هذه السنة بنسبة 8.34 في المائة"، مشيراً إلى أنّ "توزيع الكتب المدرسية يتم طبقاً للأسعار الجديدة المعدلة، وقد نشر 217 عنواناً من الكتب المدرسية الموجهة للتلاميذ". أضاف أنّ "الزيادة تمت بموجب ضرورة تعديل الأسعار التي لم يتم الترفيع فيها منذ سنة 2008، ولتغطية تكاليف الإنتاج والتوزيع"، مؤكداً أنّه "تقرر الترفيع بين 100 و500 مليم لكل عنوان مدرسي، ليرتفع أدنى سعر كتاب بعد التعديل إلى نصف دولار وأعلى سعر إلى 1.5 دولار".
في المقابل، دعت الغرفة النقابية الوطنية للكتبيين التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إلى منح تخفيضات اختيارية على أسعار الأدوات المدرسية بنسبة 5 في المائة، خلال الفترة الممتدة من 25 أغسطس/ آب وحتى 25 سبتمبر/ أيلول 2021، مشيرة إلى أنّ قرار التخفيض الاختياري للأسعار، الذي يستمر لمدّة شهر، يستثني الدفتر (الكرّاس) المدعّم الذي تقوم الدولة بدعمه والكتاب المدرسي. كذلك دعت الغرفة النقابية الوطنية لصانعي الدفتر المدرسي إلى تخفيض أسعار الدفتر غير المدعم إلى نهاية سبتمبر/ أيلول 2021. إلّا أنّها تبقى تخفيضات اختيارية لتجار المواد المدرسية وغير إلزامية.
وتشكو العائلات التونسية استمرار ارتفاع أسعار غالبية اللوازم المدرسية، خصوصاً الدفتر الرفيع الذي يفوق سعر الواحد منه 5 دولارات. وتقول فاطمة عبد الملك إنه سنوياً يتوجب عليها شراء مستلزمات لثلاثة أبناء، وكلّ واحد منهم يحتاج إلى أكثر من عشرة دفاتر رفيعة وغير مدعمة، وتصل كلفتها جميعاً أحياناً إلى 100 دولار، وهو سعر مرتفع لا تستطيع غالبية العائلات توفيره لشراء الدفتر فقط، على حد قولها، فضلاً عن الكتب التي تشهد بدورها ارتفاعاً كبيرا كلّ عام بالإضافة إلى بقية اللوازم. تضيف أنّ "التلميذ الواحد يحتاج إلى نحو 150 دولاراً لاقتناء المستلزمات الدراسية، عدا عن مصاريف التسجيل وغيرها، وهي كلفة ترتفع سنوياً أكثر من اللازم".
بدوره، يشير خير الدين إلى أنّ راتبه لا يتجاوز 450 دولاراً شهرياً، لكنّه مطالب بتوفير أدوات مدرسية لأبنائه الأربعة بكلفة تصل إلى 800 دولار، ما يدفعه إلى الاقتراض مع بداية كلّ موسم دراسي، لا سيما أنّ غالبية الكتب تشهد ارتفاعاً في الأسعار بالمقارنة مع السنة الماضية. ويلفت إلى أنّ "معظم المواد تستورد من الخارج، ما يفسر استمرار ارتفاعها نتيجة تراجع سعر صرف الدينار التونسي".
كما يشكو تونسيون فقدان العديد من اللوازم، لا سيما الدفتر المدعّم في مكتبات عدة. وكثيراً ما أكدت الغرفة الوطنية لأصحاب المكتبات أنّ العديد من المكتبات تشهد سنوياً نقصاً كبيراً في الدفتر المدعّم خلال بداية كل موسم دراسي، على الرغم من تحديد الكمية التي يجب توفيرها في السوق. وترى الغرفة أنّ "فقدان الدفتر المدعّم في السوق سببه لهفة كل من التجار وأولياء الأمور لشراء كميات تتجاوز حاجات أبنائهم، مخافة أن تُفقد في السوق في وقت لاحق".
إلى ذلك، يقول أحد أصحاب المكتبات خليل السايحي، لـ"العربي الجديد"، إنّ أغلب المواد المدرسية تشهد ارتفاعاً كبيراً، لا سيما خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب فقدان الأوراق من جهة، وتأثير جائحة كورونا على الحركة التجارية وعدم توفر العديد من البضائع في السوق الداخلية من جهة أخرى. على الرغم من ذلك، فإنّ جميع المستلزمات المدرسية متوفرة وبالكميات الكافية كالمعتاد. يضيف أنّ "غالبية التجار يعانون بسبب نقص الدفتر المدعّم الذي يُطلب بشكل كبير من قبل العائلات نظراً لانخفاض سعره مقارنة بالدفتر الرفيع. لكنّ غالبيتهم لا يقتنعون بأننا نعاني الأمر نفسه، ولا نحصل على الدفتر المدعّم بسهولة بسبب بيعه في السوق السوداء من قبل المحتكرين".
من جهته، يؤكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العديد من المواد المدرسية شهدت بالفعل ارتفاعاً بالمقارنة بالعام الدراسي الماضي. وبلغت نسبة ارتفاع بعض المواد 5 في المائة. لكنّ العديد من العائلات، خصوصاً محدودة الدخل، غير قادرة على مجابهة ارتفاع مصاريف الأدوات المدرسية، لا سيما العائلات التي تُدرّس أكثر من طفل".
يشار إلى أنّ ارتفاع أسعار المواد المدرسية يدفع العديد من العائلات للتوجه إلى السوق الموازية التي تتوفر فيها بضائع مهربة أو غير مطابقة للمواصفات، لكنّها منخفضة السعر بالمقارنة مع تلك التي تباع في المكتبات ومحال بيع الكتب والمستلزمات المدرسية. ويدفع ارتفاع الطلب على الدفتر المدعّم المحتكرين إلى اقتناء كميات كبيرة منها وتوزيعها في الأسواق الموازية بأسعار تفوق أحياناً تلك التي تحدّدها الدولة، لكنّها تبقى أقل سعراً من سعر الدفتر الرفيع الذي لا تقدر غالبية العائلات على توفيره لأبنائها.