شدّد لاجئون وطالبو لجوء ينفّذون اعتصاماً مفتوحاً أمام مقرّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس العاصمة، اليوم الأربعاء، على أنّ الظروف الصحية الخاصة بكثيرين منهم تدهورت من جرّاء مبيتهم في العراء وغياب أبسط المرافق الأساسية. ويأتي اعتصام هؤلاء احتجاجاً على قصور الخدمات التي تقدّمها المفوضية في تونس وطرد مئات منهم من مراكز الإيواء وحرمانهم من المساعدات، في وقت تواجه فيه المفوضية الأممية مطالبهم بالصمت وسياسة غلق الأبواب.
ودفعت الظروف السيئة اللاجئين وطالبي اللجوء إلى إطلاق اعتصامهم مساء السبت الماضي أمام مقرّ المفوضية، علماً أنّ من ضمنهم نساء وأطفال (من هم دون 18 عاماً) لا يلقون أيّ نوع من المساعدة. وقال المتحدث الرسمي باسم هؤلاء عبد الرسول إبراهيمي، وهو من دارفور، في خلال مؤتمر صحافي عُقد اليوم، إنّ الاعتصام يضمّ 214 لاجئاً وطالب لجوء، من بينهم 19 امرأة و23 طفلاً، وهم جميعاً ينامون في البرد والعراء ومعرّضون للجوع والعطش. وأوضح إبراهيمي أنّ ظروفهم صعبة جداً وسيّئة وهم معرّضون للموت البطيء وأنّ ثمّة نساءً يحتجنَ إلى تدخّل صحي عاجل، لافتاً إلى أنّ نداءهم الموجّه اليوم إلى المفوضية يدعوها إلى الالتفات للمعتصمين المتضررين.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال إبراهيمي إنّ "معظم المعتصمين يعانون من مشكلات صحية، وقد زارهم أخيراً متخصصون في منظمة أطباء العالم وعاينوا ما يمرّون به مع وجوب العلاج"، مشيراً إلى أنّهم "يحذّرون من أيّ محاولة تستهدفهم كالاحتجاز، لأنّ هذا يُعَدّ اعتداءً وجريمة في حقّ اللاجئين وطالبي اللجوء".
من جهتها، قالت اللاجئة السودانية محاسن هارون لـ"العربي الجديد": "أنا أمّ لثلاثة أطفال، وهم جميعاً منقطعون عن الدراسة، ويشاركون معي في الاعتصام وينامون في الشارع"، أضافت: "كنت في جرجيس، جنوبي تونس، لكنّنا أُجبرنا على الخروج من مركز الإيواء، على الرغم من أنّ ثمّة أطفالاً معنا"، موضحة أنّ "ظروفنا قاسية والصغار يشكون من نزلات البرد وأمراض أخرى".
ولفتت هارون إلى أنّها غادرت السودان في عام 2003، "بعد حرب دارفور التي حرقت منطقتي، ففررت إلى تشاد وبقيت هناك سنوات عدّة في مخيّم. وبعد ذلك انتقلت إلى ليبيا، لكنّ الحرب الليبية أجبرتنا على الفرار من جديد، وهذه المرّة إلى تونس"، وتابعت أنّ "المفوضية تعقّد الإجراءات منذ ثلاث سنوات، فالمساعدات البسيطة التي كانت مخصّصة لنا في تراجع، وقد أُجبرنا على مغادرة المراكز التي نقطن بها، لذا قرّرنا الاعتصام أمام المكتب الرئيسي للمفوضية في العاصمة لإيصال صوتنا"، مشدّدة على أنّ "مطلبنا الأساسي هو الإجلاء الفوري، لأنّ لا مستقبل لنا في تونس، خصوصاً بعدما أُخرجنا من مراكز الإيواء عنوة".
أمّا اللاجئ السوداني صلاح الدين إبراهيم، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "اعتصامنا مفتوح. وعلى الرغم من بعض المبادرات للحوار بيننا وبين ممثلي المفوضية، يبدو أنّ لا جدية في التعامل مع ملفنا"، مؤكداً أنهم لن يقبلوا "أنصاف الحلول"، وأضاف: "نحن نطالب بالحماية كلاجئين، خصوصاً أنّنا واجهنا انتهاكات عديدة ثمّ اضطررنا إلى إخلاء مراكز الإيواء"، مشدداً على "ضرورة تدخّل الشركاء الأساسيين للمفوصية في هذا الملف الإنساني".
فتحية، لاجئة أخرى من إريتريا، تبلغ من العمر 18عاماً فحسب، أفادت بأنّه "مضى على وجودي في تونس تسعة أشهر"، علماً أنّها هربت من بلادها "قبل نحو أربع سنوات، لأنّ عائلتي أرادت تزويجي غصباً عنّي برجل يكبرني سنّاً"، وأخبرت: "توجّهت بداية إلى السودان ثمّ إلى ليبيا حيث سُجنت وتعرّضت لمشكلات وصعوبات عدّة من قبل شبكات الاتّجار بالبشر"، مضيفة "وأنا أعيش حالياً بمفردي ولا أعرف شيئاً عن عائلتي". وأكّدت فتحية أنّ "الظروف صعبة جداً وتزداد صعوبة، وتتعبني المعاملة السيّئة التي ألقاها بسبب لون بشرتي وديانتي المسيحية، إذ ثمّة من يرفض تشغيلي"، لافتة إلى أنّها تأمل بالعودة إلى بلدها.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي إنّه "يتوجّب على تونس توفير الحماية اللازمة للاجئين، خصوصاً أنّها وقّعت على اتفاقيات ذات صلة"، وشرحت لـ"العربي الجديد"، أنّ "تونس لم تعتمد قوانين داخلية تهمّ اللاجئين، فقد قُدّم مشروع قانون في عام 2017، لكنّه لم يُقرّ وتونس لم تحترم تعهداتها لحمايتهم". أضافت الرياحي أنّ "المفوضية تعلّل الأمر بمحدودية الميزانية المرصودة، لكنّه لا يجب البقاء مكتوفي الأيدي"، فطالما أنّ هؤلاء هم على التراب التونسي فهذا يعني أنّهم في حماية المفوضية، لافتة إلى أنّ "عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في ارتفاع، والفئات المهاجرة تغيّرت، وثمّة عدد كبير من الأطفال والنساء ويجب أخذ هذه المتغيّرات بعين الاعتبار".