يعتقد عدد كبير من الغزيين أن تعزيز فرصتهم في الحصول على عمل يحتم حصولهم على شهادات أعلى، ومزيد من خبرات الدورات والتدريبات. عام 2019، حصلت نسرين عمر (34 سنة) على درجة ماجستير في أساليب التدريس الحديثة بمادة الرياضيات، ونالت تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من اللجنة الداخلية والخارجية المكلفة تقييم البحث والرسالة في جامعة الأقصى بغزة، ثم اكتفت بالعمل عاماً واحداً فقط معلمةً بعقدٍ مؤقت، من هنا ترى أن درجة الماجستير لم تغيّر واقعها كما اعتقدت سابقاً.
تخرّجت نسرين قبل 10 أعوام في تخصص الرياضيات من كلية التربية في جامعة الأقصى، وتقدمت مرتين لامتحان وزارة التربية والتعليم للمعلمين. ونجحت في المرة الأولى لكنها لم تتأهل للمقابلة، وهو ما حصل في المرة الثانية من دون أن تحصل على إجابة وافية في التوظيف، فاعتقدت أن طريق تغيير واقعها يتمثل في نيل شهادة الماجستير للحصول على عمل يليق بها.
فعلياً، حصلت نسرين على درجة الماجستير، لكن التغييرات الكبيرة التي توقعتها لم تحصل باستثناء تحديثها بياناتها في مكتب التوظيف بوزارة العمل، باعتبارها باتت تحمل درجة الماجستير.
حالياً تلاحق نسرين إعلانات لطلب معلمين في دول الخليج التي استقطبت مدارسها معلمين فلسطينيين في الأعوام الأخيرة.
تقول لـ"العربي الجديد": "عملت ستة أشهر في مدرسة خاصة لكن براتب متدنٍ جداً، رغم أنني أحدثت تغييراً في بعض الفصول، ما زاد مستوى استيعاب التلاميذ لدروس المرحلة الإعدادية. أما إدارة المدرسة فبررت محدودية راتبي بارتفاع تكاليف التشغيل ووجود مصاريف أخرى، فشعرت بعدم تقدير، وأنا أطمح الآن لأن أحصل على وظيفة مدرسة فقط خارج غزة".
أعلنت سلسلة مخابز في غزة قبل عام حاجتها إلى عاملين، واستقبلت طلبات التوظيف إلكترونياً بهدف تحديد مواعيد المقابلات، لكن الأمر أثار ضجة بعد تقدم نحو ألف من خريجي الجامعات بطلبات للعمل، من بينهم ثلاثة يحملون درجة الماجستير.
من جهته، يشعر شاكر السماك (33 سنة) بندم كبير بعدما باع صيغة زوجته التي دعمت استكماله دراسته الجامعية للحصول على درجة ماجستير من الجامعة الإسلامية في تخصص الإدارة المصرفية. وتناولت رسالة تخرجه قبل عامين موضوع الإدارة المصرفية الفلسطينية والدولية والبنوك الإسلامية ومشاريع الريادة فيها.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الأفضل كان استخدام الأموال لفتح مشروع تجاري أو حتى شراء عربة لبيع المشروبات بدلاً من دراسة الماجستير، إذ قدمت بلا جدوى بعد ذلك طلبات عدة للحصول على وظيفة في بنك محلي، حيث بدا واضحاً تأثر القطاع المصرفي في غزة بالوساطات. وكنت قد انتظرت سنوات سابقاً من دون أن أحصل على فرصة عمل إلا محاسباً في مشروع مؤقت لمدة أقل من عام، وبراتب أقل مما يفرضه قانون العمل الفلسطيني".
يعمل السماك حالياً في قسم المخازن بمتجر كبير في خان يونس، وهو أب لطفلين يحاول جاهداً أن يؤمن احتياجات عائلته مع الاستمرار في البحث في نهاية كل أسبوع عن فرص عمل تناسب تخصصه على مواقع إلكترونية.
ويقول: "أصعب شعور يتملكني أنني اعتقدت أنني سأستطيع مكافأة زوجتي على صبرها معي، وحتى والدتي التي ساعدتني في الحصول على شهادة الماجستير. كانت الفرحة كبيرة حين نلت شهادة الماجستير، وأسعدتني الورود والتهاني التي تلقيتها، لكن عشت لحظات قاسية كثيرة لاحقاً، خصوصاً لدى تقديمي أوراق شهاداتي هنا وهناك من دون أن ينظر أحد إليها في ظل الاهتمام بالوساطات والتزكيات".
وتقدّر وزارة العمل في قطاع غزة أن كثيراً من حاملي شهادة الماجستير عاطلون، وتشير إلى أن 7 في المائة من الخريجين يحملون الماجستير، وأن غالبيتهم لا يحصلون على ترقيات في العمل بسبب الأزمات المالية التي تواجها الحكومة، وحال الانقسام في السلطات.
ويقول وكيل وزارة العمل في قطاع غزة إيهاب الغصين، لـ"العربي الجديد"، إن "75 في المائة من البطالة في قطاع غزة ترتبط بـ20 وظيفة، وتحاول وزارة العمل تنفيذ برامج لتحسين واقع التوظيف، وتبث نصائح للمقبلين على دراسة تخصصات جامعية، أو حيازة رسائل ماجستير ودكتوراه، تركز على احتياجات سوق العمل. نشرت الوزارة توجيهات حول تخصصات لا يوجد فيها عمل، وفي مقدمها مهن التعليم التي تضم نحو 40 في المائة من العاطلين، علماً أن تخصص التعليم الأساسي يشهد النسبة الأكبر من البطالة. وتتضمن سجلات الوزارة 300 ألف شخص مسجلين في نظام سوق العمل الفلسطينية، وهؤلاء يبحثون عن فرص عمل دائمة أو مؤقتة، وأكثر من نصفهم من خريجي الجامعات".