حملات في المغرب لإنقاذ مشردين من الموت برداً

06 يناير 2023
مؤسسات الإيواء غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة لمشردي الشوارع (ماريا باغولا/ Getty)
+ الخط -

"أشعر بدفء وأمان هنا بعيداً عن الشارع وعذاباته اليومية. قدمت منظمات إنسانية يد العون وعلاجات لنا، والأهم بالنسبة لي أنني ما زلت على قيد الحياة". بهذه الكلمات تحدث الرجل الستيني أحمد عن تجربته في مركز الاستقبال والتوجيه للأشخاص الذين هم بلا مأوى في مدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، بعدما وجد فيه طوق نجاة من خطر الموت برداً في الشارع.
يقول لـ"العربي الجديد": "حالفني الحظ بوصول القائمين على هذا المركز إليّ، ومساهمتهم في جعلي في منأى عن محن المكوث في العراء ملتحفاً بأغطية بالية، ومواجهة ظروف مناخية قاسية تهدد حياتي، ومحيط غير آمن، وحتى العيش بلا غذاء".

وعلى امتداد الأسابيع الماضية، أطلقت منظمات مدنية ومؤسسات حكومية حملات في المغرب لحماية الأشخاص المشردين وإيوائهم وإنقاذهم من مخاطر الموت، لا سيما في ظل موجات البرد القارس خلال الشتاء، وقدمت لهؤلاء الأشخاص المأوى والدفء والملابس والطعام، وبينها مركز الاستقبال والتوجيه للأشخاص بلا مأوى بمدينة سلا، الذي تشرف عليه جمعية "فدرالية وكالة التنمية الدولية" بالتعاون مع قسم العمل الاجتماعي بعمالة محافظة سلا، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت أخيراً حملة لدعم المشردين.
يقول ممثل وكالة التنمية الدولية في المغرب، عبد الباسط القصباوي، لـ"العربي الجديد": "المركز نقطة ضوء بالنسبة إلى أطفال وشبان ونساء ورجال يعيشون وسط ظروف قاسية وحياة التشرد. وهو يسعى إلى حفظ كرامتهم، وتقديم دعم وعلاجات وأدوية لهم، إلى جانب توفير مأكل ومأوى يقيهم من موجات البرد القارس. ولا تقتصر خدمات المركز على المواطنين المغاربة الذين يواجهون أوضاع التشرد، إذ يستفيد منها أجانب أيضا، بينهم مهاجرون من دول جنوب الصحراء".
يضيف: "نخدم عشرات الأشخاص بفضل الدعم الذي نتلقاه من شركائنا في القسم الاجتماعي بعمالة سلا ومؤسسة التعاون الوطني. واستطعنا رفع عددهم من 28 إلى 56، لكن هذه الأرقام لا تعادل حجم الطلبات التي لا نستطيع الاستجابة لها، علماً أن المركز يواجه تحديات لوجستية تقلص قدرته على الاستجابة لكل الطلبات، وبينها ضرورة زيادة طاقمه التربوي الذي يضم 11 شخصا فقط، وتوفير متخصصين نفسيين ومساعدين اجتماعيين. ومن أجل مواجهة هذه التحديات، يجب البحث عن ممولين وخلق مشاريع تجارية توفر إمكانات مادية تسمح بالاستجابة لكل الطلبات وتجويد الخدمات المقدمة، كي لا نبقى رهن دعم الدولة الذي يجب أن يستمر في كل الأحوال".

تقع مآسٍ كثيرة في مناطق جبلية نائية لا يلتفت أحد إليها (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تقع مآسٍ كثيرة في مناطق جبلية نائية لا يلتفت أحد إليها (فاضل سنّا/ فرانس برس)

وعموماً، تتكفل جمعيات بتقديم الطعام والملابس وتوفير الدفء لمن دفعتهم ظروفهم إلى العيش في الشارع، في إطار تعزيز قيم التضامن بين مختلف فئات المجتمع المغربي، وتشجيع العمل التطوعي في صفوف الشبان، كما تتعاون السلطات المحلية في عدد من المدن، مع مصالح خاصة ومنظمات المجتمع المدني، في تنفيذ مهمات جمع المشردين الذين يتخذون من الشارع مأوى لهم، وتتولى نقلهم إلى أماكن خاصة لحمايتهم من موجات البرد القارس التي يشهدها فصل الشتاء.
وفي السياق، أطلقت السلطات المحلية في مدينة القنيطرة (غرب) مبادرة إنسانية لإيواء مشردين وأشخاص بلا مأوى وحمايتهم من موجة البرد القارس. ولاقى شريط فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا إيجابيا كبيرة مع هذه المبادرة النوعية.
وفي مدينة بني ملال (وسط)، نفذت السلطات المحلية حملة موسعة لجمع وإيواء الأشخاص الذين يعيشون في الشوارع والأزقة، ونقلتهم إلى مراكز آمنة لتجنيبهم البرد القارس وانخفاض درجات الحرارة في المنطقة.
من جهته، يوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان (غير حكومي) عبدالإله الخضري، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "رغم التدابير التي اتخذتها مؤسسات العمل الإنساني لإيواء المشردين، لكنها غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من مشردي الشوارع، علماً أن مدناً تخلو من مراكز إيواء".
يضيف: "لعبت جمعيات خيرية عدة في مدن كثيرة أدوارا مهمة في توفير الطعام والملابس، وحتى إيواء بعض المشردين، وهذه مبادرات إنسانية لافتة، تعكس مدى تلاحم المغاربة بين بعضهم بعضا، لكن من المهم التذكير بأن مآسي كثيرة تقع في مناطق جبلية نائية، من دون أن يلتفت أحد إليها، وما يجب فعله هو تحسين أداء المرافق الاجتماعية الخاصة برعاية المشردين، خاصة المسنين، ودعم أداء ومبادرات المجتمع المدني، مع تكثيف دوريات المراقبة ورصد الحالات المنعزلة لبعض المشردين المرضى عقلياً".

وتكشف إحصاءات تعود إلى عام 2018 وجود أكثر من 4 آلاف مشرد في المغرب، بينهم 250 طفلاً يتواجدون في الشوارع، في حين تقدر جمعيات مدنية عدد أطفال الشوارع بين 30 و50 ألفا تختلف ظروفهم بحسب مدة مكوثهم.
وبين مشاكل التشرد، ارتكاب قصّر جرائم، في ظاهرة باتت حقيقة مؤلمة، علماً أن الفئة العمرية الأقل من 18 سنة (الأحداث والقاصرون) تمثل واحدا في المائة من مجموع السجناء في المغرب، وفق تقرير أصدره المرصد المغربي للسجون في 4 أغسطس/آب الماضي.
ويشدد مراقبون على أن "جنوح الأحداث، مسألة معقدة تقتضي القيام بمجموعة دراسات للوقوف على الحيثيات وظروف الجرائم، والتدقيق في العوامل التي ترتبط بها".

المساهمون