استمع إلى الملخص
- نقص الكهرباء يعقد الوضع بحرمانهم من التهوية الكافية، مما يدفعهم لاستخدام وسائل بديلة للتبريد، وتبرز قصص مثل قصة الطفلة نور ووالدتها الصعوبات اليومية في ظل هذه الظروف.
- الوضع الصحي في غزة يتدهور بسبب الحرارة والظروف المعيشية، مع زيادة الأمراض وسوء التغذية، وتدمير البنية التحتية يجبر السكان على الانتظار في طوابير طويلة للحصول على المياه، ما يعكس حجم المعاناة الإنسانية.
درجات الحرارة في غزة تصل أحياناً إلى 38 درجة مئوية وسط المعاناة
يتزامن ارتفاع درجات الحرارة مع المجاعة في مناطق تجمعات المهجرين
رصدت أونروا وفاة 3 أطفال على الأقل بسبب الحر بين إبريل ويونيو
حلّ فصل الصيف وارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير، الأمر الذي يؤثر على مهجري الغزيين والمهجرين في خيام غالبيتها مهترئة، ويعاني الغزيون الأمرّين وخصوصاً الجرحى منهم، والأطفال وكبار السن.
في ظل ارتفاع درجات الحرارة في قطاع غزة، والتي تصل في بعض الأيام إلى 38 درجة مئوية، تزداد معاناة الغزيين في خيامهم المهترئة بأكثريتها. وفي كلتا الحالتين، فإنها لا تحميهم من الحرارة والرطوبة ليل نهار. ويتزامن ارتفاع درجات الحرارة مع المجاعة التي يعاني منها الغزيون في معظم مناطق تجمعات المهجرين في مختلف مناطق القطاع. وتفشل محاولاتهم في تأمين الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وخصوصاً لدى كبار السن والأطفال الذين تزداد حالاتهم الصحية سوءاً.
وتبدو المجاعة في المنطقة الجنوبية أخف قليلاً منها في المنطقة الشمالية، في ظل محدودية دخول شاحنات المساعدات منذ بداية الشهر الجاري، من جراء كميات الوقود القليلة التي في حوزة المنظمات الدولية، ما يمنعها من تشغيل الشاحنات. وفي النهاية، يواجه الجميع الجوع والحر في مختلف مناطق وجودهم وخيام لا ترحمهم من أشعة الشمس.
اعتاد الغزيون عدم توفر الكهرباء، لكنهم يحتاجونها لتشغيل وسائل التهوية. وفي الوقت الحالي، يبحث كثيرون عن قطع بلاستيكية أو خشبية لتهوية الأطفال والمسنين. حتى أن بعض الأطفال الرضع يبكون من شدة الحر، كحال الطفلة نور (7 أشهر) التي تناست والدتها شعورها بالحرارة الشديدة. وتسعى إلى التهوية لابنتها بواسطة صينية بلاستيكية حتى تنام.
وأطلقت سوزان عبد المالك (30 عاماً) على طفلتها البكر اسم نور، لأنها ولدت في ظلام دامس في مدينة غزة وسط انقطاع التيار الكهربائي، وعلى أصوات القصف. لكن طفلتها لم تر النور منذ ولادتها بالمطلق. تستيقظ على أصوات القصف وهي خائفة وتبكي، وتحاول والدتها بكل الوسائل توفير وسائل التهوية لها. تقول لـ "العربي الجديد": "لم أعد أشعر بشدة الحر. أصبّ كل تركيزي مع طفلتي ووالدتي التي تعاني من شدة الحر وتشعر بالاختناق. النساء هن الضحية الأكبر بسبب وجودهن في الخيام، ويجب عليهنّ تقديم الرعاية للأطفال في الخيام، في ظل محدودية الخروج، باستثناء شاطئ البحر، عدا عن محاولة تحمّل كل هذه المعاناة اليومية".
تضيف: "يخرج زوجي كل يوم للحصول على قنينة بلاستيكية. وأستخدمها للتغسيل لطفلتي بسبب عدم وجود حفاضات وغيرها من مقومات النظافة. أخاف عليها من العدوى علماً أنها أصيبت خلال الأشهر الماضية بأمراض الشتاء، حيث كنا نقيم في إحدى المدارس في مدينة رفح".
ويعمد عدد كبير من الرجال والأطفال للنوم خارج الخيام علّ النسمات تخفف عنهم قساوة الحر في الخيام المغلقة. ويحرص إلياس الفراني على النوم يومياً على مقربة من خيمته مع أطفاله، وقد خصص الرجال في المنطقة مساحة رملية يضعون فيها فراشهم ليناموا هرباً من حرارة الخيام، ويواجهون صعوبة في النوم في الخارج. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصبح الرجال ينامون خارج الخيام علّهم ينعمون بالهواء الطلق. لكننا نعاني بسبب البعوض، وخصوصاً أن أكوام النفايات قريبة منا. بذلك، أصبحنا بين نارين: نار النوم في الخارج والبعوض والروائح الكريهة، ونار الفرن داخل الخيمة. وما من مصادر تهوية لكننا نحتاج إلى النوم".
ويشدد الفراني على أن عدداً كبيراً من الأسر لا يزال بحاجة إلى خيام في ظل النقص الحاد واضطرار بعض الناس إلى شرائها، ومنها أنواع ليست مهيأة لتحمل هذه الحرارة وفترة الإقامة الطويلة. يضيف: "بعض أنواع الخيام القماشية تحبس الحرارة، على غرار خيمتي. والجلدية أيضاً تحبس الحرارة. ونساؤنا موجودات داخل الخيمة ولا يستطعن الشعور بالحرية داخلها أو فتحها للتهوية لأن الخيام متلاصقة".
لكن معاناة المرضى والجرحى منهم أكثر صعوبة. داخل الخيام عدد من الجرحى الذين يحتاجون إلى تنظيف الجروح بشكل مستمر. إلا أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على جروحهم ليعانوا آلاماً مضاعفة. كما أن البعض يشكو قلة توفر اللواصق الطبية في العيادات الطبية للجرحى، وهو ما حصل مع المصاب محمد دياب. الأخير هو أحد الذين يتلقون العلاج في إحدى الخيام القريبة من نقطة طبية شمال منطقة المواصي كل يومين، بسبب جروحه الكبيرة. إلا أنه لا يحصل على علاج مناسب للحروق. ويتحدث عن صعوبة العيش في ظل الحرارة المرتفعة والتعرق وانعدام التهوية المناسبة لساقه. من جهة أخرى، فهو لا يستطيع النوم خارج الخيمة بسبب جروحه، بناء على نصيحة الطبيب. يقول لـ "العربي الجديد": "أعيش في فرن وليس خيمة. في بعض الأحيان، أعجز عن التنفس جيداً. يومياً، أذهب إلى شاطئ البحر. لكن الرطوبة مضرة أيضاً بالإضافة إلى الحرارة المرتفعة. وحين أعود إلى البيت، لا أجد مياهاً للاغتسال. بالكاد تتوفر زجاجة مياه صغيرة. أجد صعوبة بالغة خلال الاستحمام، إذ يجب ألا تصل المياه إلى جروح ساقي".
أمراض خطيرة
وبحسب بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطييني "أونروا"، استناداً إلى عيادتها والنقاط الطبية الموجودة بين مناطق تجمع النازحين، فقد رصدت وفاة ثلاثة أطفال على الأقل بسبب موجة الحر في قطاع غزة بين إبريل/ نيسان وحتى الشهر الجاري في مناطق مختلفة، مشيرة إلى أن الأرقام قد تكون أكثر. لكن يصعب في بعض المناطق الوصول إلى النقاط الطبية.
ويشدد عدد من الأطباء في قطاع غزة على أن الأمراض تهدد الغزيين بسبب ارتفاع درجات الحرارة والعيش في الخيام، وخصوصاً الحمّى التي تجد من الحرارة الشديدة بيئة ملائمة للعدوى. يضاف إلى ما سبق ضعف جهاز المناعة لدى الكثير من الغزيين بسبب سوء التغذية وقلة النظافة. ويلفت الطبيب المتخصص في أمراض المعدة مجدي حسونة، إلى أن الإصابة بهذه الأمراض تزيد من نسبة الوفيات بين الأطفال.
ورصد عدد كبير من أمراض الصيف الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، لكنها ليست خطيرة في الوقت الحالي، ومنها ضربة الشمس والإجهاد الحراري والإنهاك الحراري والتشنج الحراري (نومة الحمى). وتنتشر الحمى بين الأطفال بالإضافة إلى مرض الكوليرا الذي بدأ ينتشر أخيراً بصورة كبيرة.
ويقول حسونة لـ "العربي الجديد": "أصبح الغزيون الذين يعيشون وسط الحرب منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذين يعانون من سوء التغذية، أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة نتيجة الاكتظاظ والحرارة. فبعد الخلاص من أمراض الشتاء وأبرزها الإنفلونزا، أصبحوا على موعد مع أمراض الصيف التي تنتقل في بعض الأحيان بصورة أسرع من أمراض الشتاء. وتتضاعف معاناتهم من جراء سوء التغذية وضعف المناعة لدى الأطفال، وخصوصاً الأطفال حديثي الولادة الذين لم يتجاوزوا العام الواحد"، ويتوقع "ارتفاع أعداد الوفيات بسبب الحرارة الشديدة".
نقص المياه
يحاول الغزيون مواجهة الحر من خلال مواصلة البحث عن المياه في ظل النقص الكبير بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية والآبار، ما يساهم في تفاقم البؤس. دمر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 150 بئراً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، كانت آخرها آبارٌ عديدة في مدينة رفح، وخانيونس التي دمرت منها أثناء العملية العسكرية الواسعة على المدينة بين يناير/ كانون الثاني وحتى بداية إبريل/ نيسان.
ويوجد المهجرون في أكبر نقطة تجمع وهي منطقة المواصي. وأدخل الاحتلال الإسرائيلي وقوداً لمصلحة المنظمات الدولية في المنطقة، والتي أدت إلى تشغيل آبار محدودة لتوصيل المياه للغزيين. لكنها لم تؤد إلى تحسين الواقع بالمطلق كون المياه تصل إلى مناطقهم مرة في الأسبوع. ويجد الناس صعوبة في رفعها داخل الخزانات بسبب عدم توفر كهرباء، فيقفون في طوابير طويلة لتعبئة المياه.