في بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تلقّى الطبيب الفلسطيني ماهر الأشقر (45 عاماً) الذي يعمل في مستشفى داخل مدينة لايبزغ الألمانية، طرداً يحتوي على زيت زيتون، وكيلوغرام من الزعتر المطحون، والدقة الغزاوية (خليط من القمح والكزبرة والكمون والسماق والفلفل الأحمر والسمسم)، والفلفل الأحمر المطحون. وكان قد أحضر له صديقه الذي زار عائلته في قطاع غزة هذه الأغراض.
وكثيراً ما يطلب المغتربون الفلسطينيون بعض المأكولات والعطريات المرتبطة برائحة البلاد، وخصوصاً زيت الزيتون المنتج عبر معاصر تقليدية. ويحرص كثيرون على تناول القليل منه خلال الفطور أو الغداء، وخصوصاً أيام الإجازات.
واعتاد الأشقر على هذه المأكولات البسيطة التي تعد جزءاً من عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني ويساهم بعضها في التخفيف من آلام البطن. ويعرف الفلسطينيون عشبة الميرمية التي تعد جيدة لآلام البطن والمعدة، بالإضافة إلى الزعتر. ويقول الأشقر لـ "العربي الجديد": "الزيتون والزعتر والزيت والميرمية من الأمور الأساسية والمتوارثة في ما بيننا. ويمكن أن تعرف من خلالها أن أصحاب المنزل فلسطينيين في أي مكان في العالم. وكثيراً ما أدعو جاري لتناول الفول على الطريقة الفلسطينية مع الزيت الفلسطيني، ويجده مميزاً. هذه التفاصيل تجعلنا موجودين في أي مكان وزمان".
ويحرص الفلسطينيون الذين يسافرون إلى الخارج للعمل أو الهجرة على جلب الميرمية والزعتر والزيتون، الأمر الذي شجع شبانا فلسطينيين على التجارة فيها، عدا عن التوابل الفلسطينية التي تنتجها شركات فلسطينية خصوصاً في قطاع غزة، وتوزع على بلدان المهجر وتحديداً الدول الأوروبية حيث يتواجد الفلسطينيون.
حتى إنّ بعض الشركات المحلية التي تنتج زيت الزيتون والزعتر والتوابل والبهارات والميرمية والقهوة على الطريقة الفلسطينية استطاعت توزيع منتجاتها في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأمر الذي سهل على الفلسطينيين اقتناءها.
واستطاع أحمد النحال زيارة قطاع غزة صيف العام الجاري للمرة الأولى بعد 7 سنوات قضاها في بلجيكا، مصطحباً معه كمية كبيرة من الزعتر والزيتون المكبوس والدقة الغزاوية والميرمية والفلفل الأحمر المطحون. ويذكر أنه خلال التفتيش في معبر رفح عند الجانب المصري، سأله الجيش المصري عن هذه الكميات الكبيرة ظناً أنه يريد التجارة فيها. ويقول لـ"العربي الجديد": "قضيت عاماً ونصف العام وأنا أنتظر الحصول على إقامة دائمة في بلجيكا من دون أن يكون في حوزتي زيت زيتون فلسطيني". يضيف: "وعدت جيراني البلجيكيين بإحضار زيت زيتون وزعتر من خيرات بلادنا كهدايا بعد عودتي إلى البلاد"، لافتاً إلى أنّ بعضهم أصبح يلفظ الاسم العربي للزعتر والزيت، كما بات آخرون يسألون المتاجر إن كانت تبيع زيت الزيتو
الفلسطيني.
من جهتها، ملأت سميحة قاسم (38 عاماً)، قبل عودتها إلى العاصمة الكندية أوتاوا، حقائبها بالميرمية والزعتر وزيت الزيتون والدقة والبهارات والتوابل وحلويات أصابع زينب، وجلبت بعضاً منها لجيرانها الفلسطينيين الآخرين، كونها غير متوفرة في كندا على عكس بعض المدن الأوروبية التي عاشت فيها سابقاً.
تعمل قاسم صيدلانية في أحد مستشفيات أوتاوا. وتقول لـ "العربي الجديد": "تكون لحظات عظيمة عندما يحضر لي أحد من غزة زيت زيتون أو حتى زجاجة زيتون مكبوس من والدتي التي تتقن العمل في موسم الزيتون في بلدة بيت حانون (شمال شرقي قطاع غزة) مسقط رأسي، وجود هذه التفاصيل تبقينا في الوطن لتصبرنا على أوجاعنا في الغربة".
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تُعنى بالمغتربين والجاليات العربية في تأمين طلبات المغتربين الفلسطينيين من هذه الحاجيات من بلادهم. ويعرب كثيرون عن استعدادهم لجلب ما تيسّر من قطاع غزة أو الضفة الغربية في مقابل مادي. ويعمل أحمد حمادة (34 عاماً) على توصيل طلبات للفلسطينيين المغتربين، وخصوصاً الزيت والمأكولات مثل الزعتر والدقة. ويتلقى الطلبات على حسابه ويعمل على إيصالها عبر المسافرين إلى دول المغتربين عبر معبر رفح، بالإضافة إلى طلبات أخرى كالأوراق الرسمية وغيرها.
حمادة كان يعمل سائقاً عمومياً قبل أن يصبح عاطلاً عن العمل لفترة بسبب تردي الوضع الاقتصادي في البلاد. نجح في توصيل طلب إلى تركيا خلال عمله في النقل عند معبر رفح جنوب قطاع غزة كعامل مياوم. ومع الوقت، أصبح هذا العمل مصدر رزقه وبات يعمل على إيصال طلبات أسبوعية بالاتفاق مع المسافرين الذين يستعدون في مقابل الحصول على مبلغ مالي، للمساعدة في إيصال الأغراض. ويشير إلى أنّه يتولى تغليف كلّ الهدايا للحرص على وصولها سالمة.