لم تعد الأسلحة الشخصيّة الخفيفة عنصراً أساسياً في الحرب التي يشهدها اليمن مع اعتماد الأطراف المتحاربة على أسلحة نوعيّة متطورة، إلا أن بنادق الكلاشنكوف ما زالت سبباً رئيسياً في تفشي الجريمة المنظمة، والتي تزايدت بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية.
ومنذ ما قبل النزاع الذي اندلع عام 2015، كان اليمن بؤرة رئيسية للأسلحة النارية بعد تقارير عن وجود 60 مليون قطعة سلاح. إلّا أنّ الرقم ازداد بشكل كبير خلال سنوات الحرب التي شرعنت للجميع حمل السلاح من دون ضوابط. ونادراً ما يمر يوم في مختلف المدن اليمنية من دون سماع إطلاق للرصاص الحي. وساهم السلاح المتفلّت في تفشّي جرائم السرقة والقتل، وسط عجز السلطات عن احتواء الظاهرة.
وحاولت السلطات اليمنيّة، وخصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، تنفيذ حملات لمنع التجول بالسلاح داخل المدن، لكنها أخفقت. وفي مناسبات عدّة، كانت الأجهزة الأمنيّة المكلّفة بالنزول إلى الشوارع لتفتيش الأسلحة غير المرخصة، تتعرض لاعتداءات من قبل مسلحين خارجين على القانون.
ويؤكّد مراقبون أنّه سيكون من الصعب على السلطات الحدّ من ظاهرة حمل السلاح في ظلّ استمرار الحرب، وخصوصاً أنها ليست وليدة اللحظة، بل تعد امتداداً لتراث اجتماعي. إذ اعتاد اليمنيون حمل الأسلحة على الأكتاف في مختلف المناسبات الاجتماعية للتفاخر.
تسليح عشوائي
وخلافاً للكميات الضخمة من الأسلحة التي كانت في حوزة اليمنيّين قبل الحرب، لجأت أطراف النزاع إلى تسليح المجتمعات والقبائل الموالية لها بشكل عشوائي من أجل الدفاع عن مناطقها من أي هجوم محتمل. وانخرط آلاف الشباب في إطار فصائل مسلحة أطلق عليها "المقاومة الشعبية" في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً و"اللجان الشعبية" في مناطق جماعة أنصار الله (الحوثيين). وعلى الرغم من عدم امتلاك الغالبية العظمى أي خبرة للتعامل مع الأسلحة النارية أو حروب العصابات التي اندلعت في أوساط المدن، إلا أنّ أطراف النزاع فتحت أمامهم أبواب مخازن السلاح من دون أي ضوابط.
وبحسب مصادر عسكرية في مدينة تعز اليمنية، فإن غالبية السلاح الذي سلّم للمقاتلين المتطوعين مطلع الحرب، لم يعرف طريقه إلى جبهات القتال بل إلى السوق السوداء. ويقول محمد الذبحاني، وهو جندي في القوات الحكومية، إن التسليح العشوائي من قبل الأطراف المتحاربة، يقف وراء الانفلات الأمني المتنامي داخل تعز وغيرها من المدن اليمنية حتى الآن.
ويذكر الذبحاني لـ "العربي الجديد" أنّ هناك جنودا مهنيّين لم يفرطوا بشرف الجندية. في المقابل، شوّهت عناصر المؤسسة العسكرية أو المقاومة، واستغل البعض الأسلحة الحكومية لابتزاز الناس والاعتداء على ممتلكاتهم، أو التحول إلى قتلة مأجورين لدى أطراف خفية تعمل على خلق الاضطرابات والفوضى في مناطق خاضعة لنفوذ خصومها الرئيسيين.
وعلى الرغم من وجود أسواق لبيع السلاح في اليمن منذ ما قبل الحرب، وخصوصاً في محافظات الشمال، إلا أنه كان من النادر مشاهدة مثل هذا النوع من المستودعات داخل محافظات معروفة بتمدّنها مثل تعز وعدن.
ويبرز سوق الجمهورية الشعبي في مدينة تعز والهاشمي في عدن، كمثال للتشوهات التي خلقتها الحرب اليمنية، وكيف أن تجارة السلاح لم تعد تقتصر على الكلاشنكوف أو المسدسات، بل توزع قاذفات "آر بي جي" وصواريخ وبنادق القناصة الحديثة وصولاً إلى قذائف المدفعية والدبابة. ويقول أحد المتعاملين في تجارة الأسلحة لـ "العربي الجديد"، إن جميع مستودعات السلاح التي ظهرت إلى الواجهة بعد سنوات الحرب تأتي إمداداتها من مخازن الدولة. ويقوم المجندون المتطوعون، وحتى الجنود الرسميون ببيعها في السوق السوداء، ويستغل البعض أموال تلك الأسلحة أو الذخائر في بدء حياة جديدة عبر مشروع خاص.
ويذكر المصدر أن غالبية المقاتلين باعوا بنادقهم من أجل شراء دراجات نارية للعمل عليها وضمان مصدر دخل يومي، في وقت يبيع المنخرطون في السلك العسكري حتى الآن ذخائرهم الحية بشكل متواصل، بعد إيهام وحداتهم العسكرية باستخدامها في خطوط القتال.
دفاع عن النفس
ونظراً إلى تراجع دور مؤسسات الدولة، وخصوصاً الأجهزة الأمنية في ضبط الجريمة وحفظ الأمن من العصابات المتفلتة، لجأ غالبية الناس، وتحديداً التجار وأصحاب المستودعات التجارية، إلى تسليح أنفسهم بشكل لافت، خشية أعمال سلب ونهب تتنامي بفعل السلاح السائب. وكانت الأسلحة الشخصية تبرز بشكل واضح في محال الصرافة التي يتخوف مالكوها من أعمال نهب أموالهم، لكن الأمر امتدّ مؤخراً إلى غالبية المستودعات وحتى التي تبيع المواد الغذائية، من جراء تفشي الجريمة.
ويقول تجار في تعز لـ "العربي الجديد" إن إبراز البندقية في مكان ما يساهم في ردع بعض اللصوص، ولكن ليس إذا ما حصلت مداهمة من عصابة قوامها أشخاص عدة. ويعمد غالبية التجار إلى تثبيت كاميرا مراقبة في مستودعاتهم. وخلال العام الجاري، وثقت عدسات الكاميرات عشرات جرائم السطو في مختلف المدن اليمنية، يقف وراءها مسلحون خارجون على القانون.
ويقول فواز العريقي، وهو تاجر مواد غذائية في تعز، إنّ الكاميرات لن تحمي الضحايا من العصابات بشكل دائم، لكنها في حال وقوع اشتباك، تثبت أن ما حدث كان دفاعاً عن النفس.
ودائماً ما تكون دوافع الجرائم السرقة. وفي النصف الثاني من الشهر الجاري، وثقت كاميرا مراقبة جريمة قتل مروّعة، ارتكبها أحد المسلحين أمام متجر في مدينة إب، فأطلق الرصاص نحو رأس التاجر بشكل مباشر من بندقية كلاشنكوف بعدما رفض منحه مبلغ 100 ألف ريال يمني (نحو 180 دولارا)، وفقاً لمصادر محلية.
ويجيز القانون اليمني حيازة الأسلحة النارية والاتجار بها، وتنص المادة 9 من قانون تنظيم حمل الأسلحة، على أنه يحق لمواطني الجمهورية اليمنية حيازة البنادق والبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي.