"نعم خائفون وأيدينا على قلوبنا لما ستؤول إليه نتائج الانتخابات". تبدو هذه العبارة القاسم شبه المشترك بين معظم اللاجئين السوريين في تركيا. هؤلاء يترقبون نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها تركيا يوم الأحد، وخصوصاً أن مصيرهم يرتبط بنتائجها بعد توافق جميع الأحزاب أي السلطة والمعارضة على عودة اللاجئين إلى بلادهم، ليبقى الاختلاف حول طريقة العودة ومدتها أو الحقوق الواجب إعطاؤها للسوريين بعدما اندمج كثيرون منهم في المجتمع التركي. وينسحب الخوف على الحاصلين منهم على الجنسية التركية ويقدر عددهم بنحو 200 ألف بحسب مصادر رسمية.
مخاوف الترحيل
من غازي عنتاب جنوب تركيا، يعرب عمر عرابي (27 سنة) الذي يعمل في معمل صابون عن خوفه الشديد من طرده من العمل في حال فوز المعارضة، لأن الأخيرة ستلاحق العمالة السورية وخصوصاً غير المسجلة منها، ما يعني قطع رزقه وزيادة التضييق عليه ليعود مكرهاً إلى سورية.
عرابي الذي أمضى ست سنوات في عمله ووصل أجره إلى الحد الأدنى للأجور وهو 8500 ليرة (حوالي 435 دولارا أميركيا)، يرى أن تركيا هي الحل لمستقبله، بعدما أجاد اللغة وكوّن علاقات اجتماعية وتقبّله محيطه بسبب تفانيه بالعمل والتزامه بالعادات والتقاليد كما يقول لـ "العربي الجديد". ويأمل ألا يكون وسواه من اللاجئين ورقة لإرضاء العنصريين الأتراك أو المطالبين بطرد السوريين، مشيراً إلى أن منطقته نيزب بولاية غازي عنتاب قلّما عانت من العنصرية التي سمع عنها في إسطنبول أو أنقرة.
وغير بعيد عن الحدود التركية مع سورية، حيث يعيش نحو 1،7 مليون لاجئ سوري في عشرة ولايات جنوبية، يقول براء محمود (24 عاماً) المتحدّر من محافظة إدلب، إنّ "جميع المؤشرات تدلّ على أن هناك خطرا حقيقيا محدقا بالسوريين. فالمزاج التركي العام لم يعد يتقبل السوريين بعد 11 عاماً من اللجوء، وتعامل أهل الريحانية بولاية أنطاكيا تبدّل كثيراً معنا. في الماضي كنا مهاجرين وكانوا أنصاراً بكل معنى الكلمة. البيوت كانت متاحة للإيجار وبأسعار رمزية وكنا نرى المحبة والمساعدة في عيون الجميع. لكنّ الوضع تبدّل تباعاً بعد جرائم قتل عدة وكثرة أعداد اللاجئين وبعدما لمسوا جدية ومهارة السوري، وبات البعض ينسب إلينا سبب البطالة، ويتهمنا آخرون بنفاد السلع وغلاء الأسعار". يضيف: "صرنا ذريعة لكل ما حلّ بهم على صعيد الوضع المعيشي".
محمود الذي يدرس بكلية الاقتصاد ولا يلتزم كلياً "لأعيل نفسي وأؤمن متطلبات الدراسة"، ينقل لـ "العربي الجديد" الحساسية من الطلاب السوريين حتى داخل الجامعة، وكثرة الإشاعات على الرغم من أن السوريين يدفعون الأقساط كأي وافد إلى تركيا، "لكننا نتهم بأننا ندرس مجاناً ونلتحق بالجامعة بمساعدة الحكومة لا بكفاءاتنا".
وعن مخاوفه من نتائج الانتخابات، يقول إن مستقبل السوريين في تركيا "بات سيئاً بعيداً عن نتائج الانتخابات" لأنه لا يمكن للقرارات الحكومية أن تملي على الشارع التركي كيفية تعامله مع السوريين. "للأسف كرِهَنا معظم الأتراك من جراء التحريض الذي قادته أحزاب وشخصيات معارضة على مدى سنتين".
وتزيد المخاوف لدى سوريي إسطنبول الذين يقدر عددهم بحوالي 542 ألفاً. وتقول غصون إبراهيم (32 عاماً) إن حملات الملاحقة والامتناع عن تأجير منازل للسوريين على أشدها، مضيفة أن بدل إيجار منزلي بمنطقة بغجولار ارتفع من ألفين (نحو مائة دولار) إلى 4500 ليرة (نحو 230 دولارا)".
غصون التي تعمل في ورشة خياطة وتتقاضى الحد الأدنى تقول إن راتبها بالكاد يكفيها هي وأسرتها. زوجها الذي يعمل في مصنع والحاصل على إجازة عمل، يضطر إلى إرسال مساعدات شهرية لأهله بريف حلب. مع ذلك، تقول إن العيش في تركيا أفضل ألف مرة من العيش في المناطق المحررة، إذ قد "أُمنع من العمل كما أننا لا نملك منزلاً أو أراضي زراعية". وتطالب بالبقاء في تركيا وعدم الترحيل قسرياً بذريعة أو أخرى. تضيف: "نعمل أكثر من الأتراك وبأجر أقل. لذلك، يتمسك بنا أرباب العمل".
وفي منطقة ألتين داغ بالعاصمة أنقرة، تقول عائشة الجاسم (48 عاماً): "نحن الأتعس بين السوريين بتركيا. هنا ثقلنا وبتنا تحت الضوء في ظل المشاكل وجرائم القتل. ربما نكون على رأس قائمة الترحيل إلى الشمال السوري بعد الانتخابات بغض النظر عن نتائجها". وتعتمد الأسرة على ولديها للعيش، مشيرة إلى أن "زوجي بات عاجزاً بعد إصابته بمعارك الثورة ونتلقى مساعدات لا تذكر بسبب إعاقة زوجي". وتتحدث عن ارتفاع نسبة الكراهية وزيادة بدلات الإيجار وعدم تقبّل المجتمع التركي للسوريين.
حملة الجنسية
حصول بعض السوريين على الجنسية التركية لم يحصنهم من التنمر والكراهية. ويقول تاجر العقارات في منطقة أسينيوت حسن محمد (52 عاماً) "إننا تحت الضوء أكثر من اللاجئين، وخصوصاً بعد قول المعارضة إننا حصلنا على الجنسية من جراء شراء العقارات، ووعودها بتعليق هذا الاستثناء الذي أصدرته حكومة الحزب الحاكم العدالة والتنمية". ويلفت في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن السوريين من الفقراء أو الطبقة الوسطى الذين حصلوا على الجنسية "خسروا ولم يكسبوا. صحيح أنهم محصنون من الترحيل، لكنهم فقدوا جميع مساعدات اللاجئين والعلاج المجاني في المستشفيات الحكومية. ولا يحصلون على العلاج إلا بعد دفع بدل التأمين الصحي".
يتابع أنّ السوريين الميسورين يفرضون وجودهم بقوة الجنسية والمال، ولا شك أنه سيكون لهم قواعدهم وربما مستقبل سياسي واقتصادي. ويرى أن إتقان اللغة وحسن العلاقات شرطان أساسيان للطامحين السوريين، وقد نرى مرشحين من أصول سورية في الانتخابات المقبلة.
في المقابل، يقول السوري عدنان فاضل (53 عاماً) إن الجنسية التركية أتاحت له العمل في دائرة تركية رسمية وفتحت المجال أمام أبنائه للدراسة في المدارس والجامعات على غرار الأتراك. إلا أن حالته المادية متواضعة حاله حال الأتراك الذين تأذوا من جراء التضخم. ويشير إلى أن استقرار تركيا هو مطلبه الأساس، متمنياً أن تمر الانتخابات بسلاسة لأن الانتخابات المقبلة برأيه هي الأصعب والأخطر على البلاد، في ظل الانحياز الأوروبي للمعارضة والتوترات التي بدأت تتصاعد في الشارع. "أملنا الأول والأخير بقاء تركيا مستقرة ومستمرة بالنمو والقوة".
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي ناصر آيدن إن الحصول على الجنسية أضره، إذ تم إنهاء عقده التدريسي كأجنبي بعد حصوله عليها. في المقابل، حصل على جواز سفر يخوله التنقل حول أكثر من 90 دولة من دون تأشيرة. ويتمنى ألا تؤثر نتائج الانتخابات على أوضاع اللاجئين السوريين واستقرارهم، مشيراً إلى أن جميع الأحزاب التركية استخدمتهم كورقة انتخابية مع اختلاف حول مدة وطريقة الترحيل. ويرى أن تركيا لن تكون وطناً دائماً لجميع السوريين، لكن يجب أن تكون العودة مربوطة بالاستقرار وزوال خطر الاعتقال والقتل. ويتحدث لـ "العربي الجديد" عن الكثير من التجاوزات التي ارتكبها موظفون بحق اللاجئين خلال الفترة الماضية. كما ارتفع خطاب الكراهية والعنصرية بحق "أهلنا المظلومين البسطاء"، متمنياً أن تختفي تلك المظاهر والسلوكيات بعد الانتخابات، ويعامل السوريون كلاجئين يتمتعون بحقوق وعليها واجبات.
ورقة انتخابية
يقول الباحث التركي مسلم أويصال إن بعض الأحزاب والشخصيات التركية "استخدمت السوريين كورقة خلال الانتخابات للأسف"، وحملوهم مسؤولية التضخم والبطالة وغلاء الأسعار، من دون أن يشير هؤلاء إلى الوضع المأساوي للسوريين أو ما يقدمونه للاقتصاد، آملاً أن تختفي تلك المظاهر التي أججت الكراهية والعنصرية بعد الانتخابات. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "يرجح أن نشهد نهجاً آخر بعد الانتخابات، وقد لا يتطابق مع الوعود الانتخابية التي ركزت على ترحيل السوريين. لكن أياً كانت النتائج، لا بد من حل قضية اللاجئين السوريين في تركيا".
ويلفت أويصال إلى ضرورة احترام قواعد الانتخابات وعادات الأتراك، وخصوصاً أن نحو 200 ألف منهم يحق لهم الانتخاب، "وهذه المسألة تحديداً تثير القلق في تركيا".
من جهته، يقول الباحث السوري الحاصل على الجنسية التركية سمير عبد الله: "من سخط القدر أن مصير السوريين مرتبط بنتائج الانتخابات في بلد آخر. ولا يتعلق الأمر بالمقيمين منهم في تركيا، بل يتصل حتى بالمقيمين في الشمال السوري. فالرئيس التركي الجديد هو من سيحدد مصير القوات التركية في تلك المناطق، وبالتالي مصير السوريين المعارضين المقيمين هناك، ومستقبل الدعم التركي للمعارضة السورية، ومصير مؤسسات المعارضة المتواجدة فيها، الأمر الذي سيؤثر على مستقبل الحل في سورية عموماً".
ورداً على سؤال حول ماذا ينتظر السوريون من الرئيس المقبل، يوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، يجب إعادة النظر بقانون الحماية المؤقتة الذي لم تعد تنطبق عليه كلمة مؤقت بعد مرور قرابة 10 سنوات على تطبيقه، مع كل ما يرتبط به من قضايا أصبحت تشكل هاجساً لدى السوريين مثل إذن السفر، والأحياء المغلقة، والعمالة، وغيرها. بالإضافة إلى ما سبق، يجب رسم استراتيجية واضحة ومعلنة لإدارة ملف السوريين ومستقبلهم في تركيا، مع تطبيق القوانين الدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها تركيا والمتعلقة بمنع الإعادة القسرية والترحيل".
والأهم برأي عبد الله، وضع حد لخطاب الكراهية والعنصرية الموجهة ضد اللاجئين السوريين من قبل بعض الأطراف للحصول على مكاسب انتخابية. فبمجرد انتهاء الانتخابات، قد تسكت بعض الأصوات المحرضة، لكنها لن تختفي. لذلك، يجب سن قوانين تكافح العنصرية وخطاب الكراهية. ربما الآمال كبيرة من الرئيس المقبل. لكن من خلال مراجعة وعود المرشحين والبرامج الانتخابية للأحزاب، يبدو أن الأمور لن تكون كما يأمل الكثير من السوريين".
إبعاد السوريين عن الخلافات
تقول المعلمة السورية منال عبود إن الخلافات بين السلطة والأحزاب التركية "دفع السوريون ثمنها"، آملة التعامل مع السوريين بإنسانية. "ويكفينا ما حصل من فصل نحو 11 ألف معلم سوري من العمل". تضيف أن السوريين يأملون بقاء تركيا قوية ومستقرة، وخصوصاً أنها دعمت السوريين منذ بداية ثورتهم، ولا يمكن لأحد إنكار الأمر. لكن للأسف، تبدل الوضع خلال السنوات الأخيرة وبات السوريون يتعرضون لمضايقات ليعودوا إلى مناطقهم غير الآمنة.
من جهته، يرى الحقوقي والباحث في حقوق الإنسان طه الغازي، أن المطلب العام والثابت هو إبعاد واقع السوريين عن ميدان السياسة وعدم استخدامهم ورقة سياسية داخلية أو خارجية. للأسف، شاهدنا خلال الأعوام السابقة استخدام ورقة اللاجئين من الأحزاب المعارضة للضغط على الحكومة. وفي الوقت نفسه، لم تقصّر الحكومة في استخدام السوريين كورقة للضغط على الاتحاد الأوروبي. لذلك، يجب إبعاد ملف اللاجئين عن السجالات والمناكفات".
يتابع الغازي أن مخاوف اللاجئين مشروعة وتنتج من الوعود التي أطلقها بعض زعماء تلك الأحزاب المعارضة خلال فترة الانتخابات أو ما سبقها، وتتعلق بعودة اللاجئين السورين إلى بلدهم، عدا عن العنصرية وخطاب الكراهية من قبل شخصيات معارضة، إذ إن بعض التحالفات المعارضة داعمة لقضايا السوريين، مشيراً إلى أن خطاب الكراهية لا يرتبط بأحزاب المعارضة وحدها، بل أيضاً بالحزب الحاكم وتغير رؤيته لملف اللاجئين.
ويختم الغازي حديثه قائلاً إن "أحد أبرز مخاوف السوريين أيضاً هو التطبيع مع نظام بشار الأسد. في الماضي كان هذا المطلب من المعارضة، لكنه انتقل إلى الحزب الحاكم بعد الاجتماعات مع وفود النظام بروسيا، ما يعد كارثة بالنسبة للسوريين"، متوقعاً تفعيل معبر كسب السوري مستقبلاً وإقامة مراكز مشتركة بين نظام الأسد وتركيا لعودة السوريين إلى مناطق النظام.