القمبري والشقاشق... متحف لتخليد الآلات الموسيقية في تونس

14 نوفمبر 2024
تتميّز تونس بعدّة أنماط موسيقية (العربي الجديد)
+ الخط -

يحضن المعرض القار للآلات الموسيقية في مركز الموسيقى العربية والمتوسطية بقصر النجمة الزهراء في تونس الكثير من الآلات الموسيقية القديمة المصنوعة يدوياً، ويسعى إلى إبرازها والحفاظ عليها

القمبري أو القنيبري أو الفكرون، والشقاشق التي تسمى أيضاً القرقبو واللوتر والشنة والدرابك والدف والطبل والحلوفة وغيرها، هي آلات ارتبطت بأنماط موسيقية تونسية عدة. لا يمكن أن تُقام حفلات السطمبالي من دون الشقاشق والدف والقمبري، ولا حفلات لعبيد غبنتن في الجنوب التونسي من دون الطبل والنقر على النغرات، ولا حفلات صوفية من دون البندير. وتتميّز تونس بعدّة أنماط موسيقية تُستعمل فيها أنواع مختلفة من الآلات الموسيقية الخاصة، والتي تختلف عن العديد من الآلات الموسيقية العربية الأخرى لناحية الشكل وطريقة الصنع والاستعمال.
وجمعت غالبية أنواع الآلات الموسيقية التونسية في أشهر معرض في البلاد منذ عام 1991، وهو المعرض القار للآلات الموسيقية في مركز الموسيقى العربية والمتوسطية بقصر النجمة الزهراء في سيدي بو سعيد بالعاصمة. ويجمع القصر بين أنشطة مختلفة، منها تنظيم الحفلات والندوات العلمية، والاهتمام بالتقاليد الموسيقية في تونس والوطن العربي. وبُني هذا القصر على يد بريطاني يسمى البارون ديرلانجي بين عامي 1912 و1922 في منطقة جبلية مرتفعة بسيدي بو سعيد. 

واستلهم البارون ديرلانجي المثال الهندسي للقصر من التراث المعماري التقليدي التونسي ما جعله لا يختلف عن بقية القصور القديمة في تونس خصوصاً قصور البايات، لناحية طريقة البناء والزخرفة والنقش على الجدران والأعمدة. وتمّ ترميم القصر من قبل الدولة التونسية عام 1989. كما يتمّ ترميمه باستمرار ليبقى من بين أشهر القصور في تونس.
وبعدما بات القصر متحفاً للزوار والسياح، خُصص في الجزء العلوي منه معرضٌ لتخليد أشهر وأقدم الآلات الموسيقية التونسية والعربية والأفريقية وحتى الأجنبية. وأعلن مركز الموسيقى العربية والمتوسطية بالقصر حصوله على منحة دولية قدرها 285 ألف دولار أميركي لغرض إعادة تأهيل مخازن متحف الآلات الموسيقية.

رُتبت الآلات بحسب أنواعها (العربي الجديد)
رُتبت الآلات بحسب أنواعها (العربي الجديد)

ويضمّ المعرض أكثر من خمسين آلة موسيقية، غالبيتها متداولة في تونس باختلاف أنماطها الموسيقية والجهات المتأتية منها، إلى جانب العديد من الآلات الموسيقية العربية والأفريقية والأجنبية. وتتوزّع الآلات الموسيقية بقصر النجمة الزهراء بحسب التقسيم الكلاسيكي لعائلات الآلات الموسيقية، أي وترية وآلات هوائيّة أو نفخيّة، وآلات إيقاعيّة أو نقريات.
وتُعدّ هذه الآلات الموسيقية حصيلة عمل قام به مركز الموسيقى العربية والمتوسّطية منذ عام 1991. وجمعت غالبية تلك الآلات من جميع أنحاء البلاد. وتم التركيز على بعض الآلات الموسيقية التي تعود إلى أشهر الملحنين والعازفين التونسيين. كما ضمّ معرض العود الذي يعود إلى المغنية حبيبة مسيكة، والذي يفوق عمره المائة عام.

يهدف المعرض إلى حماية الآلات الموسيقية القديمة (العربي الجديد)
يهدف المعرض إلى حماية الآلات الموسيقية القديمة (العربي الجديد)

خلال التجول في أروقة المعرض، تلحظ تلك الآلات وقد رتبت بحسب أنواعها، بين الآلات النقرية كما تُمسى وبين الإيقاعية والنفخية. وبعضها غريب الشكل، صنع من الخشب والجلد يدوياً، ويفوق عمر أغلبها المائة عام. وبحسب المشرف على المعرض، فإنّ غالبية الآلات الموسيقية هي آلات تونسية استخدمت سابقاً في الحفلات الشعبية، وقد اندثر بعضها في حين لا يزال بعضها يستخدم في الحفلات التونسية. وجمع أقدمها في هذا المعرض من جهات تونسية عدة، ولا سيما أنّ كلّ جهة في تونس تتميز بأنواع مختلفة من الآلات الشعبية التقليدية على غرار المزود والطبلة والدربوكة والشقاشق والقمري. كما أنّها تختلف بين جهة وأخرى في طريقة صنعها وتزويقها، ما جعلها قطعاً فريدة تستقطب الزوار من مختلف الجهات والبلدان الأجنبية، ولا سيما المهتمين بالموسيقى. 
وأُشير إلى كلّ آلة بالتسمية التونسية التي تشتهر بها على غرار الشقاشق وتسمى القرقبو واللوتر والشنة والدرابك والدف والطبل، إضافة إلى القمبري أو القنيبري أو القوقاي الفكرون، وكلها تسميات لتلك الآلة الموسيقية التونسية. ويشير الباحث في الآلات الأفريقية زهير قوجة، إلى أنّها تعود إلى أصل تونسي أمازيغي. ويؤكد "غياب الجانب التوثيقي والأرشيفي في تونس، ليغيب الاختصاص ويغيب معه التنقيب والتحري عن أصل الأشياء حتى نصل إلى تقصي أسباب عدم رواجها في المشهد الفني الموسيقي اليوم". ما سبق جعل غالبية تلك الآلات المعروضة من دون هوية، أي من دون الإشارة إلى تاريخ ظهورها وأصلها وطريقة صنعها وغيرها من التفاصيل. 

ويهدف هذا المعرض إلى حماية الآلات الموسيقية القديمة والحفاظ عليها، وصيانة وإعادة تأهيل الآلات القديمة المتضررة على غرار القمري المصنوع من قوقعة السلحفاة. وهي آلة إيقاعية كانت تصنع من الخشب أو من قوقعة السلحفاة المتوسطة الحجم. 
ورغم وجود عدّة حرفيين اليوم يتولون صناعة بعض الآلات الموسيقية على غرار العود والبنادر والطبل، لكنها لا تصنع بالطريقة التقليدية التي صنعت بها تلك الآلات الموسيقية القديمة. ويذكر الباحث في الموسيقى فتحي زغندة أنّ "الموسيقى التقليدية التونسية لا تزال تبحث عن حلول لإشكاليات تتعلّق بنقلها من جيل إلى جيل وبطرق عرضها، بما يساعد على ضمان استمرار تداولها ويجعلها أكثر وصولاً إلى قلوب الناس ووجدانهم باعتبارها تحمل إرثاً عريقاً ومنطلقاً لنهضتهم. وتتعرّض هذه الموسيقى كسائر الموسيقى المتداولة في الأقطار العربية الإسلامية، من مشارف بلاد الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً مروراً ببعض مناطق آسيا الوسطى، لصعوبة تدوينها؛ فهي في حاجة إلى نظام محكم يضمن الحفاظ على خصوصياتها اللحنية والإيقاعية، وهو عمل لا يمكن أن يقوم به شخص وحده مهما أوتي من علم، بل يفضل أن تتولّاه لجنة من الخبراء العرب والمستشرقين ممّن اهتمّوا بهذا المجال".

صنعت يدوياً (العربي الجديد)
صنعت يدوياً (العربي الجديد)
المساهمون