سوق شعبي يقصده التجار والباعة والمتسوقون لما فيه من تنوع وأسعار تناسب فقير الحال والميسور على حدّ سواء... إنّه سوق الخان، الذي يقع في مدينة حاصبيا، جنوبي لبنان
على بعد كيلومترات قليلة من المثلث الحدودي للبنان مع فلسطين المحتلة وسورية، يقع سوق الخان، في مدينة حاصبيا، في القضاء الذي يحمل الاسم نفسه، في محافظة النبطية، جنوبي لبنان. هناك تتوزع المنتجات والبضائع المعروضة على جانبي الطريق الذي يربط بين قرى حاصبيا ومنطقة العرقوب وقضاء مرجعيون، وفي أكشاك ليست غير أعمدة تعلوها أسقف من القرميد جرى بناؤها عام 2002، بالإضافة الى ترميم وتأهيل قسم من الخان.
لكنّ "سوق الثلاثاء" كما اعتادوا تسميته، كونه يقام كلّ ثلاثاء من الأسبوع، يعرفه معظم الناس لكنّهم لا يعرفون الخان الأثري، الذي يقع خلف السوق المحاذي لمجرى نهر الحاصباني، ولا حكايته أو أطلاله التي ما زالت شاهدة على تاريخ موغل في القدم "في حين أعادت بلدية حاصبيا بعضاً من الحياة إليه بعدما إعتمدت باحة الخان مكاناً لإقامة مهرجانها السياحي السنوي" بحسب المجاز في علم التاريخ، والمهتم بالتاريخ الأثري لمنطقة حاصبيا، أمين سعد خير. يشرح الفرق بين "الخان" و "السوق"، فالخان كلمة غير عربية وتعني نزلاً أو فندقاً وكان فيه أماكن للنوم وإسطبلات وعلف للحيوانات يقدمها حكام المنطقة الشهابيون مجاناً، وذلك تشجيعاً لمرور القوافل والتجار عبر هذه المنطقة. يضيف: "أما السوق فقد بات ملاصقاً للخان، وكانوا يأتون إليه من سورية وفلسطين المحتلة، ولا سيما من صفد والجليل الأعلى وهضبة الجولان ووادي التيم والبقاع ومختلف المناطق اللبنانية، وكان الناس يعرضون منتجاتهم فتكون الأسعار أقل من أماكن أخرى. وكان الأمراء آنذاك يعفون التجار والباعة من الضرائب لتشجيع الحركة الاقتصادية والتجارية، لذلك سمي سوقاً شعبياً".
ويشير خير إلى أنّ "هذا الخان بناه الشهابيون أواسط القرن الرابع عشر الميلادي وذلك بعد سقوط منطقة حاصبيا بيدهم مع تغلبهم على الصليبيين في موقعة ظهر الأحمر، لكن هناك معلومات بحسب ما هو موجود في الخان حتى اليوم تدلّ على أنّ الخان قديم جدا، إذ إنّ الطريقة التي بني بها الخان رومانية وبيزنطية، وليست عربية أو إسلامية، والأرجح أنّ الشهابيين جددوا بناء هذا الخان كما هي الحال في السرايا الشهابية في قلب مدينة حاصبيا، فالقسم الأرضي من السرايا روماني، والقسم العلوي إسلامي لما فيه من قناطر". ويوضح خير أنّ "السوق كان يستمر لثلاثة أيام، لكن نتيجة اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل وما كانت تتعرض له هذه المنطقة من اعتداءات وقصف إسرائيلي منذ عام 1969، وقطع التواصل بين أهالي هذه البلدان، ضعف هذا السوق، الذي تشرف عليه بلدية حاصبيا، وتقلص عمله إلى يوم واحد هو الثلاثاء، وأضيف إليه مؤخراً يوم الأحد".
الباعة والمتسوقون في سوق الخان، بالرغم من جائحة كورونا وتدابيرها مصرّون على المجيء إليه، فمنهم من يعرض ما لديه من منتجات زراعية محلية أو ملابس جديدة أو مستعملة أو أنواع من المأكولات، ولا سيما الفلافل ومشاوي اللحوم التي تجذب رائحتها كثيرين، كذلك الأماكن الطبيعية المحيطة بالسوق توحي كما لو أنّهم في نزهة.
يقول هنري صادق، من زحلة في البقاع (شرق) الذي اعتاد المجيء إلى السوق منذ نشأته: "بحسب معرفتي، فإنّ سوق الخان هو منذ أيام الرومان، وكانت هناك منامة للخيل والتجار، وبات رمزاً يأتي إليه التجار والباعة والمتسوقون من كلّ المناطق اللبنانية" معتبراً أنّ "الاهتمام بالسوق هو من المواطنين فقط، فهو سوق الفقير، فيما لا دولة ترعاه وتدعمه".
كذلك، يقول تاجر الماشية عبد الكريم أيوب، من البقاع الغربي: "منذ طفولتنا ونحن نأتي إلى هذا السوق، فيبيع الناس ويشترون كلّ شيء من ماشية وخضروات وفواكه وغيره". أما الجزار، علي إبراهيم، من بلدة الهبارية في منطقة العرقوب القريبة، فيقول إنّه منذ خمسين عاماً لم يتخلف يوماً عن هذا السوق ليقدّم ذبائحه من الغنم البلدي للمتسوقين، معبّراً عن فخره بـ"لحمة سوق الخان، فهي لا تتغير، ويأتي الناس لتناول المشاوي من صيدا والنبطية وغيرهما".
ويقول بائع الملابس المستعملة، الشيخ غالب حسن شعلان، من حاصبيا: "سوق الخان نعرفه أباً عن جد. كان محطة رئيسية للناس يأتون إليه من سورية وفلسطين المحتلة وكلّ لبنان، وعمره مئات السنين ولا يوجد تفرقة فيه أو تمييز بين الوافدين إليه".
لسوق الخان حكايات وأقوال باتت مأثورة ومعروفة في المنطقة، منها أنّ هناك قرية اسمها أبو قمحة مطلة على السوق، وكيفما مشى المرء منها يصل إلى سوق الخان من دون حاجة إلى دليل، لذلك يقولون: "كلّ الطرق تؤدي الى سوق الخان".