يضج "سوق واقف" التراثي في وسط الدوحة، هذه الأيام بأعداد غفيرة من الجماهير الكروية التي توافدت إلى قطر من أرجاء الكرة الأرضية يدفعهم شغفهم بالساحرة المستديرة لمتابعة مونديال كأس العالم لكرة القدم، الذي انطلق في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ويتواصل لمدة 29 يوما.
يزيد الطقس الخريفي البديع من حماس الجماهير التي تحتفل بالعرس الكروي، وكل منهم يحتفل على طريقته، ويعبر عن بهجته بأسلوبه، فتختلط الأهازيج المتنوعة اللهجات واللغات، وترافقها طبول ومزامير، وتتباين الأعلام التي يلتحف بها البعض، لتشير إلى هوية المحتفلين، إلى جانب الأزياء التقليدية، وقمصان الفرق الرياضية.
المطاعم والمقاهي التي تنتشر على جانبي الشارع الرئيس للسوق وفي أزقته المتعرجة كاملة العدد، تغص بالناس من مختلف الأجناس، خاصة في المساء، ويختلف "سوق واقف" عن بقية الأماكن السياحية التي تشهد إقبالاً كبيرا باحتضانه لعدد كبير من المطاعم والمقاهي التي تقدم إلى جانب الطعام القطري، مأكولات من المطابخ السورية واللبنانية والمصرية والمغربية واليمنية والعراقية والتركية والهندية والإيرانية والإيطالية والأسيوية وغيرها، فضلا عن القهوة والعصائر والشيشة.
تزينت ممرات السوق ومبانيه بأعلام الدول المشاركة في البطولة، إلى جانب مجسمات فنية تعكس رُوح المونديال، وتشهد "الخيمة العربية" التي أقيمت في حديقة السوق الشمالية، فعاليات تراثية محلية وعربية، لتعريف المُشجعين بالعادات والتقاليد القطرية، وخاصة بيت الشَّعر، والقهوة القطرية، والمهن التراثية التي شكّلت جزءا من الثقافة الخليجية.
يتوشح الإماراتي صالح الشحي، علمي الإمارات والسعودية، ويصف "سوق واقف" بأنه "المكان الأجمل، وقطر جمعت التاريخ بأهم بطولة في العالم"، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه قدم إلى قطر براً عن طريق منفذ أبو سمرة الحدودي مع السعودية، وأنه شاهد خلال الطريق كل المحطات المضيئة في الدولة الخليجية. "شاهدت بعيني كل الإنجازات. قطر وفرت وسائل مواصلات، واتصالات، والإنترنت المجاني متوفر في الأسواق التجارية ومحطات القطارات والحدائق وسوق واقف، أما الاستادات فهي تحفة معمارية، وثمة مجهود قطري كبير يُذكر فيُشكر، ولا بد أن نعبّر عن الإعجاب الشديد بالتنظيم. كأس العالم في قطر هو كأس العرب".
ويقول السعودي عماد بخش، لـ"العربي الجديد"، إن "أجواء المونديال خيالية، والتنظيم على أعلى مستوى، ويبهر جميع الناس، وفوز المنتخب السعودي على الأرجنتين في أولى مبارياته، أعطى دافعاً للمنتخبات العربية لتقدم أقصى ما عندها، وتحقق الفوز".
وعبرت التونسية صفاء، عن إعجابها بحماس الجماهير التي تحتشد في "سوق واقف" لتشجيع منتخبات بلادها المشاركة في المونديال، واصفة الأجواء بأنها ساحرة.
ووصف البرازيلي رافائيل، أجواء المونديال في الدوحة عموماً بأنها جميلة، وقال لـ"العربي الجديد": "يمكننا رؤية الكثير من الناس من دول مختلفة يهتفون ويؤدون أغاني تقليدية، وخصوصاً من الدول الأفريقية، وهؤلاء يقدمون رقصات وموسيقى جميلة، جدا، لذلك أنا معجب بالبطولة، وأتمنى الفوز للفريق البرازيلي، فهو فريق قوي".
ويُعتبر "سوق واقف" أحد أبرز المعالم التراثية والسياحية في قطر، ويعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من 100 عام، وتم بناؤه على الطراز التقليدي من الحجارة والطين والأخشاب، ما يعكس نمط الحياة القطرية قديماً، وحسب المعلومات التاريخية المتوفرة، ترجع تسميته إلى كون مدينة الدوحة كانت مقسمة إلى قسمين بسبب اختراق وادي مشيرب لها في القدم حين كانت المدينة عرضة للسيول التي تجري باتجاه البحر لتغرق منطقة السوق، مما يضطر الباعة الذين يتجمعون على طرفي الوادي، إلى عرض البضائع وقوفا نظراً لكثرة الماء الذي يمنعهم من الجلوس.
وكان السوق قديماً يشتهر ببيع الأعشاب واللحوم والأسماك والتمور والسكر والملح والبهارات، ويجري البيع فيه من بعد صلاة الفجر إلى ما بعد العصر، وكان البدو يقيمون في المكان كل يوم خميس، سوقاً خاصاً بهم يبيعون فيه الأخشاب والفحم والدهن ومنتجات الحليب.
وفي فترة لاحقة، أصبح السوق مستقراً، وكان يضم ثلاثة أنواع من المحال، الأول هو "العماير" التي تشبه المخازن الكبرى التي تتعاطى الأعمال التجارية بالجملة، وتخزن مواد البناء والأغذية كالتمور والأرز، والثاني هو محال المشغولات اليدوية كالخياطة والنجارة، وإلى جانبهما ما يعرف بـ"البسطات" التي ينصبها الباعة الصغار.
وفي عام 2004، اعتمدت الحكومة القطرية خطة لإعادة إحياء "سوق واقف" بهدف استعادة أجوائه القديمة، واعتمدت التقنية المتطورة لإنارة الممرات، وتزايدت شيئا فشيئا مساحة السوق، وأعداد المحال والمطاعم والمقاهي فيه.
وتنتشر بين جنبات السوق حالياً تسعة فنادق تتصف بالفخامة مع الحفاظ على الطراز المعماري القطري، وهي في الأصل بيوت قديمة جرى تطويرها وتحديثها لتصنف من الفنادق فئة الخمسة نجوم، واستوحت أسماءها من الأحياء السكنية المحيطة بالسوق للمحافظة على التقاليد الأصيلة لمدينة الدوحة، والفنادق هي"مشيرب"، و"الجسرة"، و"الرميلة"، و"المرقاب"، و"النجادة"، و"الجمرك"، و"البدع"، و"بسم الله" و"نجد".