يجد باكير القدور الراحة والطمأنينة عندما يسمع أصوات الطيور التي يربيها، وخصوصاً عند مغيب الشمس عندما تخفت الأصوات ويكون لصوتها سحر خاص، أو عند شروق الشمس، هو الذي اعتاد شرب الشاي على مقربة منها. يقول القدور الذي يتحدر من قرية المسطومة في محافظة إدلب شمال غربي سورية، إن هواية تربية العصافير تحولت إلى شغف مع مرور الوقت، وتحديداً طيور الزينة. ويشير إلى أن الطيور بالنسبة إليه "هواية وشكل جميل وصوت عذب وراحة للنفس وإحساس بالاستقرار. أشعر بالفرح عندما يفرخ الطير".
ويتابع القدور أن تربية الطيور هي متنفسه في البيت. إلا أن الصعوبات كثيرة، خصوصاً في فترات النزوح والقصف، لما لصوته من تأثير عليها. ويضيف أنه "خلال النزوح، يصعب إيجاد بيت أو خيمة وتأمين مكان للطيور، وجو مناسب وطعام وشراب لها. فخلال موجة النزوح الأخيرة، خسرت الكثير من الأنواع علماً أنه كان لدي أكثر من 20 نوعاً، لعدم قدرتي على تأمين مأوى لها. أهديت بعضاً منها لأصدقائي، وفرت أخرى أو توفيت بسبب البرد وغياب المأوى".
كما يجد القدور صعوبة في توفير الأدوية لطيوره المريضة، ما يدفعه للبحث عن بدائل كالزنجبيل وبعض أنواع البذور. وفي حال توفر الدواء، يخزنه لأن تأمينه صعب عند الحاجة. ويختم القدور حديثه قائلاً إن "الطيور جزء من حياتي. كما أن الوضع الحالي يجعلني في حاجة لما ينسيني أجواء الحرب. فعندما أجلس معها، أعيش في عالم بعيد عن الحرب والقصف وطائرات الاستطلاع. بالإضافة إلى تربية الطيور، أحب زراعة الزهور كالقرنفل وغيره، والجلوس في مكان جميل بشكل عام فيه نباتات وطيور".
أما عامر أبو حمزة، وهو مهجر من ريف حمص الشمالي، فيقيم مع أطفاله الثلاثة وزوجته في ريف شرق مدينة بنش في محافظة إدلب. منذ سنوات، يربي طيور الزينة، وكان يملك أنواعاً كثيرة منها قبل أن يهجر من منطقته عام 2018. في الوقت الحالي، لديه مجموعة من طيور الحسون والكناري، وحمام الزينة. ويقول لـ "العربي الجديد": "مذ كنت صغيراً، كان أقاربي يملكون طيور الزينة. وأذكر أن شقيقي الأكبر اقتنى طائري كناري، وقد اعتدت على وجودهما في المنزل والاعتناء بهما مع مرور الوقت، حتى أصبح الأمر يستهويني. لاحقاً، امتلكت طيوراً خاصة بي كنت أضعها في غرفتي، وأحاول إبقاءها دافئة في الشتاء وأحرص على تأمين طعامها".
إلا أن التهجير أجبر أبو حمزة على التخلي عن طيوره. لكن مع عودة الاستقرار في ريف إدلب، جلب مجموعة من طيور الزينة الخاصة به، موضحاً أنه لا يحب الاستغناء عنها، إذ يستمتع بالجلوس أمام الطيور في الصباح، هو الذي يضعها في أقفاص صغيرة في المنزل. والفترة الأجمل بالنسبة إليه هي خلال فصل الخريف، فيتناول مشروباً ساخناً بالقرب منها قبل الذهاب إلى عمله، ويحضر لها المياه والطعام. ثم يعود لتفقدها مساء. ولا ينسى تحضير الطعام والمياه قبل مغادرة المنزل.
يتابع أبو حمزة "أشعر بالانزعاج عندما يمرض أحد الطيور، وفي الغالب يكون المرض مميتاً. ومع الوقت، نشأت صداقة بيني وبين الطيور. في البداية، واجهت بعض المشاكل بسبب قلة خبرتي بالعناية بها ومعرفة أمراضها. لكن بعد أكثر من 15 عاماً من تربية طيور الزينة، أصبحت أدرك تماماً نوعية الأمراض والأدوية المطلوبة لعلاجها. أحب امتلاك أنواع جديدة غير طيور الكناري، لكن الظروف لا تسمح لي بذلك حالياً".
من جهته، يقول أيمن عبد الكريم (35 عاماً) لـ "العربي الجديد": "تخليت عن تربية الطيور مع مغادرتي مدينة تدمر (محافظة حمص)، عقب دخول تنظيم داعش المدينة. كنت أهتم بتربية طيور الروز. بداية، كان لدي زوج واحد من الطيور، وأبديت اهتماماً كبيراً بها حتى بدأت بالتكاثر. ومع بدء الثورة لم يتوقف اهتمامي بالطيور على الرغم من الظروف التي مررنا بها. لكن مع دخول تنظيم داعش مدينة تدمر وعدم إمكانية الاهتمام بالطيور، تركتها لشقيقي الذي غادر البيت من بعدي وأخرجها من الأقفاص لتطير بعيداً، إذ لا يوجد من يهتم بها ويقدم لها الطعام والشراب".
يتابع عبد الكريم أن تربية الطيور كانت مجرد هواية. لكن مع الوقت، تأخذ المربي بعيداً عن الواقع الذي يعيشه من قصف وحرب، وتشعره بالسكينة. ويضيف أنه سيعود إلى تربية الطيور حين تستقر الأوضاع.
وفي المنطقة المحررة من ريف إدلب، تتوفر أنواع عديدة من طيور الزينة، منها الكناري والحسون والكروان والفيشر والروز والزيبر. ويقتني الهواة في المنطقة طيوراً صغيرة الحجم تسهل العناية بها، والتي يمكنها التأقلم مع الطقس في المنطقة.