ينشغل الخمسيني الفلسطيني سعيد اسليم بخياطة قميص على ماكينة الخياطة الخاصة به لكن بطريقة مُبتكرة، يعتمد فيها على دراجة ابنه محمد الهوائية، من خلال تبديل الدواسات الخاصة بها يدوياً بهدف توليد الطاقة. ويلجأ الخياط اسليم، ومعه عدد من الخياطين الفلسطينيين إلى هذه الطريقة، لتجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي الخانقة، والتي تسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي مُنذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث قطع خطوط التيار الكهربائي، وأغلق المعابر، ومنع دخول مُشتقات البترول اللازمة لتشغيل محطة توليد الكهرباء، والطاقة البديلة، إلى جانب منع دخول المياه، والمواد الغذائية والتموينية، والمُساعدات الإنسانية كافة.
وتُخيم أزمة الكهرباء والطاقة البديلة على مُختلف النواحي المعيشية، إلى جانب المُعوقات التي باتت تخلقها في مختلف القطاعات الاقتصادية، والتي إن سلمت من القصف الإسرائيلي المباشر الذي طاول البيوت والمباني والمُنشآت المدنية والاقتصادية، فإنها لم تسلم من تبعات العدوان المتواصل للشهر الخامس على التوالي.
ومع دخول العدوان الإسرائيلي يومه الـ 134 على قطاع غزة المُحاصر مُنذ سبعة عشر عاماً، فقد اضطر عدد من الخياطين الفلسطينيين إلى مواءمة عملهم، من خلال خلق البدائل التي يُمكنهم من خلالها مواصلة تشغيل عجلة الرزق، بهدف توفير قوت يوم أطفالهم، في ظل الغلاء الشديد التي وصلت إلى مُختلف المواد الغذائية والمُتطلبات واللوازم الضرورية.
ويقول اسليم لـ "العربي الجديد" إنه توقف عن العمل لمُدة تزيد عن الشهر مُنذ بداية العدوان، بسبب الانقطاع الكامل للكهرباء، إلى جانب عدم قدرته على تشغيل المولد الكهربائي الخاص بمشغله الصغير، والذي كان يعتمد عليه في توفير الطاقة البديلة لحظة انقطاع الكهرباء، إذ كانت تصل في أفضل الأحوال إلى 8 ساعات وصل في مُقابل 8 ساعات قطع.
ويلفت اسليم الذي يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، إلى أن الحرب التي فُرضت على قطاع غزة تُعتبر من أقسى وأصعب التحديات التي تواجه الفلسطينيين، الذين يُعانون أساساً من ويلات التداعيات الاقتصادية المتدهورة بفعل سياسات الاحتلال حيال القطاع وسكانه في ظل سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي طاولت أصحاب المِهن الصغيرة وعُمال المياومة، سواء من خلال تدمير محالهم أو مصالحهم التجارية، أو أثرت عليهم ما اضطرهم للتوقف عن العمل الذي يُمكنهم من توفير متطلبات أُسرهم.
يُتابع: "في بداية العدوان، بدأت صرف بعض المُدخرات التي كُنت أوفرها لشراء ماكينة جديدة بهدف تطوير العمل. وبعد نفاد النقود، اضطررت إلى مُعاودة العمل بطريقة جديدة، اعتمدت فيها على دراجة ابني الصغير، واستبدلت جنزير البدالات بقِشاط جلدي يربط بين الدراجة والماكينة".
وعن عمل الماكينة يدوياً، يوضح اسليم أن تحريك البدالات يدوياً ينتج منه تحريك التروس الخاصة بحركة الدراجة، وبالتالي دوران القشاط الجلدي، الذي يُدار عادة بالكهرباء، الأمر الذي يُساعد الماكينة على العمل والخياطة لكن بشكل أبطأ، إذ يتم وقف دوران القشاط كُلما أراد لملمة أطراف القِطعة المُراد حياكتها.
ويُبين اسليم، الذي لم يتوقف عن إصدار الإشارات لنجله الذي يُدير بدالات الدراجة للتوقف أو الاستمرار، أن هذه الطريقة اليدوية في العمل تحتاج إلى شخصين، واحد يقوم بالخياطة، والآخر يقوم بتحريك التروس. ويقول: "هناك أنواع من الماكينات التي لا يُمكن تحويلها للعمل يدوياً، إذ لا تعمل سوى بالكهرباء".
أما الخياط الفلسطيني شريف أبو غالي، فيوضح لـ "العربي الجديد" أنه حول دراجة ابنه لتشغيل ماكينة خياطة كانت تعمل بالكهرباء، بعدما وعده بإعادة إصلاحها فور انتهاء الحرب، وعودة التيار الكهربائي، الذي يعتمد عليه بشكل أساسي في عمله.
ويلفت أبو غالي، الذي بدت على وجهه علامات الرضى، رغم الإرهاق الشديد الذي أصابه نتيجة عمله اليدوي هو الذي اعتاد تشغيلها بالكهرباء، إلا أن عمله يُساعده على توفير مُتطلبات عائلته، ويُبقيه على تواصل مع زبائنه، خصوصاً في ظل مُعاناتهم الشديدة جراء القصف الإسرائيلي الذي دمّر نسبة كبيرة من مصانع الخياطة، أو إغلاق أبوابها بسبب نفاد المواد اللازمة للعمل.
ورغم غلاء بعض الخيوط التي يستخدمها أبو غالي في عمله، وانقطاع العديد من المُستلزمات الضرورية بفعل الاغلاق الإسرائيلي للمعابر، والإرهاق الشديد بعدما بات العمل يستغرق وقتاً أطول، إلا أنه لم يرفع سعر كلفة الخياطة تماشياً مع الظروف العامة التي يمُر فيها أبناء قطاع غزة بفعل العدوان الإسرائيلي، وتأثيره المُباشر على مُختلف نواحي الحياة.
ولا يتمكن أبو غالي وغيره من الخياطين من تشغيل كافة أنواع الماكينات يدوياً، مثل ماكينة الحبكة، أو مكواة الملابس، والتي تحتاج إلى طاقة قوية على حد قوله. لكنه يوضح في الوقت نفسه أن هذه الطريقة خففت من وطأة الأزمة التي تواجه أبناء القطاع، خصوصاً في ظل اضطرارهم إلى خياطة وإصلاح ملابسهم بسبب الشُح الكبير في الملابس الجاهزة نتيجة الإغلاق المتواصل للمعابر.
وبدأت فكرة تشغيل بعض ماكينات الخياطة يدوياً بالانتشار مُنذ الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي، فيما تشترط هذه الطريقة وجود شخصين لإتمام العملية، التي يقوم فيها الأول وهو الخياط بالإشارة للثاني وهو مُساعِده لتحريك بدالات الدراجة للبدء بخياطة أصناف الملابس كافة.