يحل اليوم العالمي للمرأة في وقت تواجه فيه النساء الفلسطينيات في قطاع غزة عدواناً إسرائيلياً يستهدفهن بشكل كبير، إذ إن غالبية الشهداء هم من النساء والأطفال. مع ذلك، فإن المرأة الغزية تقاوم وتصمد.
يُواجه أهالي قطاع غزة، وخصوصاً النساء، عدواناً إسرائيلياً هو الأقسى بالمقارنة مع الاعتداءات الأخرى التي شهدها القطاع خلال سنوات الحصار الإسرائيلي على مدى 17 عاماً. عدوان جرّدهن من حقوقهن وقتلهن ولاحقهن في كل مكان، وكأنهن هدف رئيسي للاحتلال الذي لم يتردد في اعتقال بعضهن وتعذيبهن. ورغم المأساة التي يعشنها منذ بدء العدوان، فإنهن مطالبات بالصمود والبقاء والعمل من أجل عائلاتهن ومجتمعهن قبل كل شيء.
في فبراير/ شباط الماضي، انتشرت مقاطع فيديو تظهر الطبيبة المتخصصة بأمراض النساء والتوليد أميرة محمود العسولي وهي تُسعف أحد المصابين من أمام بوابة مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس. كان المصاب موجوداً داخل كشك مقابل بوابة قسم الطوارئ، ويصرخ من الألم، فقررت الدخول لإنقاذه رغم انتشار القناصة الإسرائيليين في كل مكان، قبل إفراغ المجمع الطبي واقتحامه منتصف الشهر الماضي.
ما تم تداوله كان جزءاً من القصة. فقبل إنقاذ المصاب، ساعدت العسولي في نقل شهيد كان موجوداً على مقربة من المباني الخلفية للمجمع الطبي. سمعت أحدهم يصرخ، فتوجهت إليه برفقة الطبيب محمد أبو لحية. تمكنا من سحبه واستطاعا نقله إلى مبنى الياسين في المجمع، لكنه استشهد بعد ذلك.
بعد استشهاد المصاب الأول، قررت العسولي مع زميلها محاولة إغاثة المصاب إبراهيم سلامة الذي قضى وقتاً داخل الكشك من دون أن يكون أحد قادراً على إنقاذه. دخلت الكشك بسرعة خشية قنصها. كان إبراهيم يعتقد أن قدمه ستبتر لكنها طمأنته. العسولي كانت ضمن فريق متطوعين من نساء متخصصات، بالإضافة إلى رجال موجودين في مستشفيات قطاع غزة. هؤلاء كانوا يحاولون تأدية واجبهم الإنساني في ظل حاجة المستشفيات إلى طواقم طبية. وتشير إلى أنها جزء من تاريخ نضال المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للحق الفلسطيني منذ الانتفاضة الاولى عام 1987 وحتى اللحظة.
تقول العسولي لـ "العربي الجديد": "الاحتلال كان يستهدف الجميع أثناء وجودي في مجمع ناصر الطبي. كما استهدف بشكل مباشر مبنى الولادة الذي كنت فيه. ما فعلته يعبّر عن موقف المرأة الفلسطينية".
على مدى 45 يوماً، انتظرت العسولي دخول قطاع غزة. كانت تقيم في مصر، إذ إنّ أبناءها يدرسون في جامعاتها. كما أنها كانت تشارك في مؤتمرات طبية، إلا أنها أرادت العودة والتطوع ومساعدة أهالي غزة. وتحقق لها ذلك خلال الهدنة، وبقيت هناك وحوصرت في بيتها وتعرض منزل أهلها للقصف. تقول: "يصعب على أي إنسان تحمل مشاهدة العائلات في غزة المحرومة من أدنى المقومات العلاجية. حصلت على تقاعد مبكر وأردت التفرغ للاهتمام بأولادي. لكنني أردت العودة كمتطوعة وتأدية واجبي الإنساني". تضيف: "أنا امرأة فلسطينية قوية، لكنني لست الوحيدة في قطاع غزة. عرّضت نساء كثيرات في القطاع أنفسهن للموت بهدف حماية أبنائهن ومساعدة المصابين".
على الحدود المصرية الفلسطينية، تناضل الفلسطينيات يومياً لتأمين احتياجات أطفالهن. ولا ينحصر الأمر بالغذاء. اعتادت نساء القطاع على التفاصيل اليومية القاسية، كأن يخرجن من المنزل من دون حذاء ويحملن أبناءهن أو الملابس وغيرها. هنّ مطالبات بتحمل كل الظروف الصعبة من دون أن يتمتعن بأدنى احتياجاتهن الأساسية.
حتى الجدات يناضلن للصمود في ظل الظروف الصعبة. ترعى الستينية كاميليا أبو شرير حفيدين بعد استشهاد نجلها محمد في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هو الذي كان يحاول الخروج من حي الشجاعية والوصول إلى الشارع العام. كما استشهدت والدتهما سمية أبو شرير بسبب إصابتها بسكتة قلبية بعد استشهاد زوجها بخمسة أيام. والحفيدان هما إبراهيم (14 عاماً) وزينب (10 أعوام). تحرص على تأمين الطعام لهما يومياً، وتضطر إلى الاقتطاع من حصتها من المساعدات الغذائية.
اهتمت أبو شرير بـ 15 حفيداً، ولطالما أحبّت أن تكون علاقتها بهم مميزة. بعضهم كبر وتزوّج. وقبل الأحفاد، ربّت 9 أبناء. وفي الوقت الحالي، وهي مصابة بمرض القلب وانسداد في اثنين من الشرايين. رغم كل ذلك، تحرص على أن تكون أماً لحفيديها اللذين تيتّما. كما تحرص على مساندة بعض النساء في إعداد الخبز داخل الخيام. تقول لـ "العربي الجديد": "أنا واحدة من نساء قاومن الاحتلال من خلال رمي الحجارة في زمن الانتفاضة الأولى والثانية. نرفض سياسة الاحتلال والتفرقة بين أبناء شعبنا. أحد أبنائي أسير محرر، وقد سانَدتُ زوجته في تربية أولادهما. أصبحت أماً لشهيد تربّي حفيدين يتيمين. أرغب فقط في أن تنتهي هذه الحرب وأبقى على قيد الحياة من أجل رعاية حفيديّ".
تعيش الغزيات في المنطقة المحاصرة الشمالية ظروفاً أصعب، بعدما أصبحت الاحتياجات الأساسية مجرد أحلام لا تتحقق. يعانين جراء الجوع ونقص المياه. توجد عبير أبو زبدة (40 عاماً) بالقرب من مجمع الشفاء الطبي، وهي من بين مجموعة نساء مطالبات بتحمل الجوع والعطش اليومي من أجل أطفالهن، بالإضافة إلى الأوجاع الجسدية والإرهاق وغير ذلك. مع ذلك، ما زلن قادرات على التحمل.
أبو زبدة كانت قد أصيبت في الظهر ومنطقة الحوض جراء قصف إسرائيلي على مقربة من منزلها في حي الزيتون. وعلى الرغم من عدم تلقيها العلاج المناسب، تحاول يومياً تقديم الرعاية لأربعة أبناء من خلال المساعدات الشحيحة التي تصل إليهم رغم الألم. وتقول لـ "العربي الجديد": "غالبية النساء في المنطقة الشمالية يعشن تحت الحصار والموت. كل يوم تسقط شهيدة أو تصاب امرأة. لكننا مطالبات بأن نكون أمهات صابرات ندير شؤون العائلات ونؤمن الطعام حتى لو على دمنا. يومياً، أنظّف الخيمة ثم أسعى إلى تأمين الطعام لأبنائي، علماً أن المشي يؤلمني، لكن ما من بدائل".
الفئة الأضعف
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن النساء ما زلن يعانين من آثارها المدمرة. وفيما لا تستثني الحرب أحداً، تظهر بيانات الهيئة أن هذه الحرب تقتل وتصيب النساء بشكل غير مسبوق. وقُتلت نحو 9000 امرأة على يد القوات الإسرائيلية في غزة حتى الآن. ومن المتوقع أن يكون هذا الرقم أقل من الواقع، إذ تفيد التقارير بأن العديد من النساء لقين مصرعهن تحت الأنقاض.
كما أفادت الهيئة بأن حوالي 63 امرأة يُقتلن كل يوم في غزة، ومع ما يقرب من 37 أماً تُقتل يومياً "ما يترك أسرهن مدمرة ويتمتع أطفالهن بحماية متدنية". وتابعت: "أكثر من 4 من كل 5 نساء (84 في المائة) أسرهن تأكل نصف أو أقل من الطعام الذي اعتادت عليه قبل بدء الحرب، حيث تم تكليف الأمهات والنساء البالغات بمصادر الطعام، ولكنهن يأكلن أخيراً وبكميات أقل من أي شخص آخر".
وأشارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن ما يقرب من 9 من كل 10 نساء (87 في المائة) أفدن بأنهن يجدن صعوبة أكبر في الحصول على الغذاء مقارنة بالرجال. وتلجأ بعض النساء الآن إلى آليات تكيف متطرفة، مثل البحث عن الطعام تحت الأنقاض أو في صناديق القمامة.
كما أفادت 10 من أصل 12 منظمة نسائية شملها الاستطلاع في غزة بأنها تعمل جزئياً، وتوفر خدمات الاستجابة الطارئة الأساسية. وعلى الرغم من الجهود الاستثنائية التي بذلتها تلك المنظمات، كما قالت الهيئة، فقد خُصص أقل من 1 في المائة من التمويل الذي تم جمعه من خلال النداء العاجل لعام 2023 إلى منظمات حقوق المرأة الوطنية أو المحلية. وقالت الهيئة إن توجيه التمويل إلى هذه المنظمات أمر بالغ الأهمية لتلبية الاحتياجات الهائلة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن، ولضمان الاستماع إلى أصوات النساء في غزة.