استمع إلى الملخص
- **قصص مأساوية للمرضى**: وفاة الطفل عائد مصلح بعد صمود شهر، وفقدان خمسة أطفال آخرين خلال ثلاثة أيام، ومعاناة شادي ياسين لعلاج والدته المصابة بكسر في الحوض.
- **تحديات القطاع الطبي**: نقص حاد في الإمكانيات، سبع غرف عمليات فقط للطوارئ، صعوبة نقل المرضى بسبب نقص سيارات الإسعاف والخوف من القصف، وتزايد الوفيات بين المنتظرين للعلاج في الخارج.
بدأ تسجيل الكثير من الوفيات بين الجرحى والمرضى بقطاع غزة في أعقاب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح البري، ثم خروج المعبر عن الخدمة، ومنع الآلاف من السفر للعلاج في الخارج.
استشهد أكثر من ألف جريح ومريض، من بينهم أكثر من 400 طفل، خلال المائة يوم الأخيرة بسبب منع قوات الاحتلال الإسرائيلي سفرهم للعلاج في الخارج، ضمن 25 ألف مريض وجريح ينتظرون قراراً سياسياً بإعادة فتح معبر رفح البري. من بين الشهداء جرحى كانت إصاباتهم خطيرة، وآخرون من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين لم تحتمل أجسادهم الانتظار في ظل محدودية العلاج وقطاع طبي منهار تماماً في غزة. وجرت محاولات حثيثة من منظمات طبية دولية لإخراج بعض الجرحى والمرضى للعلاج، لكن الاحتلال لم يسمح سوى بخروج بضعة عشرات من الأطفال، خصوصاً المصابين بالسرطان والفشل الكلوي، وجرى ذلك من خلال معبر كرم أبو سالم، وبالتنسيق مع الصليب الأحمر.
من بين 25 ألفاً من المرضى والجرحى يوجد سبعة آلاف في حالة خطيرة، وهم بحاجة إلى عمليات جراحية معقدة، أو بحاجة إلى ساعات متواصلة من الرعاية الحثيثة، وهو ما لا يمكن تنفيذه داخل قطاع غزة، فالغالبية العظمى من المستشفيات خرجت عن الخدمة، ولا يمكن توفير متابعة علاجية مكثفة، ولا علاج طبيعي، كما لا يتوقع أن يكون ذلك ممكناً لأشهر عدة بعد انتهاء العدوان.
استشهد الطفل عائد مصلح (9 سنوات) في العاشر من أغسطس/آب الماضي، بعد أن صمد أكثر من شهر، حاولت خلاله الطواقم الطبية استخدام كل المقومات المتاحة لرعايته بعد إجرائه عمليتين جراحيتين في البطن، كانت إحداهما معقدة، قبل أن يقرر الأطباء حاجته إلى عملية جراحية ثالثة في الأعصاب، وضرورة تحويله إلى الخارج لأنها عملية كبيرة، وتحتاج إلى متابعة طبية لاحقة، وقطاع غزة لن يكون مناسباً للحفاظ على حياته.
أصيب الطفل عائد في قصف على مخيم النصيرات في 20 يونيو/حزيران الماضي، وكان والده حمزة مصلح (40 سنة) مضطراً للبحث عن الأدوية في صيدليات خارجية حال توفرت، بينما كان ابنه غائباً عن الوعي لأكثر من شهر.
الغالبية العظمى من مستشفيات قطاع غزة خرجت عن الخدمة
يقول حمزة لـ"العربي الجديد": "كنت أتتبع أخبار الهدنة، وأتمسك بأي أمل حتى لو كان بعيداً، وقد عجز الأطباء عن تأمين عدد كبير من الأدوية، والعديد منها كانت مخصصة لحالات الطوارئ وغرف العمليات، ثم عجزت الطواقم الطبية عن تقديم المزيد له، وأخبروني أنه بانتظار معجزة. فارقَ عائد الحياة وهو في حضني، وبكيت عليه بحرقة".
يضيف: "استشهد خمسة أطفال بنفس الطريقة خلال ثلاثة أيام في المستشفى، وجميعهم كانوا بحاجة للعلاج في الخارج. ابني صارع طويلاً من أجل الحياة. كان يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم، حتى لو كان هذا صعباً في قطاع غزة، لكنه كان يحلم، وقد ماتت أحلامه معه لعدم إمكانية توفير أبسط حق من حقوق الإنسانية، وهو العلاج. لماذا لا تنزل الطائرات التي تلقي المساعدات من السماء إلى الأرض وتأخذ الأطفال الجرحى لعلاجهم في الخارج؟ لماذا نتعرض لحرب إبادة جماعية والعالم كله صامت؟ من بعد وفاة طفلي لن أصدق أحداً ممن يتحدثون عن حقوق الإنسان، فهي كذبة كبيرة".
يتذكر مصلح معاناة عدد من أفراد عائلته في فترة الحصار على قطاع غزة، حين توفيت عمته التي كانت تنتظر فتح معبر رفح في عام 2015، كي تسافر للعلاج بمصر، في وقت كان فيه المعبر لا يفتح إلا أياماً محدودة في العام، وكان عدد آخر من جيرانه وأفراد عائلته قد تلقوا رفضاً للعلاج في الخارج من الجانب الإسرائيلي، بعد أن تقدموا بطلب للمغادرة عبر معبر إيرز شمالي القطاع للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية.
بدوره، يترقب شادي ياسين (30 سنة) الاتفاق على هدنة إنسانية قريباً حتى يسافر جرحى العدوان للعلاج، ومن بينهم والدته المصابة بكسر في الحوض، وهي بحاجة إلى زراعة حوض، وعمليات جراحية في البطن بعد أن خسرت أكثر من 20 كيلوغراماً من وزنها، وتتلقى الأم (58 سنة) العلاج في مستشفى شهداء الأقصى، لكن الإمكانيات محدودة للغاية، ما يزيد قلق العائلة.
يقول ياسين لـ"العربي الجديد": "نحن من سكان المناطق الشرقية لمدينة غزة، تعرضت والدتي لإصابة خطيرة، في البداية اعتقدنا أنها استشهدت، لكنني شعرت بنبضات قلبها، فصرخت قائلاً إنها لا تزال على قيد الحياة. أجريت لها عمليات جراحية عديدة، وهي لا تزال قوية، فهي أم أيتام، وحتى اللحظة أتمسك بالأمل في أن تتوقف الحرب، وأتمكن من علاج والدتي".
يضم قطاع غزة حالياً 7 غرف عمليات وجميعها مخصصة للطوارئ
ويعيش سكان شمالي القطاع، وخصوصاً المرضى والجرحى منهم، معاناة كبيرة مستمرة نتيجة الحصار المشدد، وفي حال تفاقم الإصابة أو المرض لا تملك الطواقم الطبية القدرة على نقلهم إلى المنطقة الجنوبية، فهم يحتاجون إلى سيارات إسعاف غير متوفرة، كما يحتاجون إلى طريق آمن، بينما لا يمكن ضمان عدم تعرضهم للقصف الإسرائيلي، وعليه تنتظر الجهات الطبية في المنطقة الشمالية التنسيق مع جهات طبية دولية، وتلك تنتظر رداً من الصليب الأحمر الذي ينسق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي لنقل المرضى والجرحى.
لكن حتى بعد التمكن من الحصول على موافقات لنقلهم، يتم إيقاف الجرحى والمرضى لساعات على حاجز نتساريم، ويجري التدقيق في هوياتهم، قبل السماح لهم بدخول المنطقة الجنوبية، بعدها تبدأ مرحلة صعبة أخرى، فأعداد الطواقم الطبية محدودة، رغم أنهم أكثر عدداً من الموجودين في المنطقة الشمالية، لكنهم منشغلون بسبب الاكتظاظ الكبير الحاصل في المنطقة، ويستقبل المستشفى أو المركز الطبي أو حتى المستشفى الميداني المئات يومياً.
يتلقى محمود الخواجة العلاج في مستشفى ميداني بمنطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، منذ نقله نتيجة إصابة خطيرة تعرض لها في المنطقة الشمالية خلال شهر يوليو/تموز الماضي، وأقر الطاقم الطبي أنه بحاجة إلى العلاج في الخارج، ولإجراء عملية جراحية في الظهر.
يقول الخواجة لـ"العربي الجديد": "مع ارتفاع درجات الحرارة، أشعر بآلام كبيرة، وإصابتي تستلزم عدة عمليات جراحية، أعجز أحياناً عن الكلام، وأنتظر فتح المعبر أو الموت، أيهما أقرب، فنحن أحياء ميتون".
ويقول طبيب الأعصاب محمد الشيخ لـ"العربي الجديد"، إن "أعداد الوفيات بين المنتظرين للعلاج في الخارج تتزايد، وقسم منهم جرحى بحاجة لتدخلات طبية كبيرة، بينما الإمكانيات محدودة في قطاع غزة، وعدد كبير من المنتظرين لا يمكنهم الصمود سوى يوم أو يومين على الأكثر، ومعظمهم يدخل مرحلة عمليات الطوارئ، وبحاجة إلى نقل وحدات دم، أو أجهزة تنفس اصطناعي، والكثير من الإصابات خطرة بسبب أنواع الأسلحة الفتاكة المستخدمة ضد المدنيين".
ويوضح الشيخ أن "العديد من الشهداء كانوا بحاجة لعمليات معقدة في الجهاز الهضمي وفي الأوردة وفي الرأس، وهي عمليات بحاجة إلى ساعات متصلة، ومن المستحيل إجراؤها في المستشفيات الميدانية، لأنها بحاجة إلى مستشفيات حقيقية حتى لا يكون المريض عرضة للبكتيريا والحرارة، بينما لم يعد متاحاً سوى مستشفى شهداء الأقصى. في قطاع غزة حاليا سبع غرف عمليات فقط، وهي مخصصة لحالات الطوارئ القصوى".
ويوضح: "كانت نسبة الأطفال من بين شهداء انتظار العلاج في الخارج نحو 40%، وجميعهم لم يكن بوسعهم الانتظار، وكان ينبغي نقلهم فوراً للعلاج، إلى جانب مرضى مزمنين من بينهم مرضى بالسرطان والفشل الكلوي. المشكلة الأكبر تتمثل في الأعداد المتزايدة مع تكرار المجازر على مناطق تجمع النازحين".
وأكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن الاحتلال يمعن في منع المرضى من السفر للعلاج في الخارج، ورغم تواصل المؤسسات الدولية مع الجانب الإسرائيلي، ومحاولة الضغط عليه للسماح للمرضى والمصابين بالعلاج، إلا أنه قرر تطبيق سياسة العقاب الجماعي عليهم، ومع استمرار العدوان تتزايد أعداد من يحتاجون إلى السفر للعلاج في الخارج من أجل إنقاذ حياتهم.
يضيف الثوابتة لـ"العربي الجديد": "الاحتلال دمر المنظومة الصحية، ويواصل على مدار أكثر من 100 يوم منع دخول كل المستلزمات الطبية، ومن بينها أدوية الطوارئ وعلاجات الأطفال الرضع، وكميات كبيرة منها موجودة في الجانب المصري من معبر رفح، ولا يسمح لها بالدخول، كما منع إدخال شاحنات المساعدات إلى القطاع، والكثير منها تعفنت في الانتظار".