قبل بضع سنوات، كان نحو نصف أطفال العالم غير قادرين على قراءة قصة بسيطة، لكن التعليم شهد تراجعاً خلال السنوات الأخيرة في الكثير من الدول، لترتفع النسبة حالياً إلى أكثر من 64 في المائة.
تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى أن نحو ثلثي أطفال العالم (64.3 في المائة) لا يمكنهم فهم قصة بسيطة إن استطاعوا قراءتها، وترى أن تبعات ذلك على المجتمعات كبيرة، ولها تأثير بالمستقبل. يعزو كثيرون الأسباب إلى جائحة كورونا وتبعاتها، لكن بوادر التراجع كانت قائمة قبل الجائحة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وتظهر هذه الأرقام مشاكل أعمق وأكثر تجذراً، من بينها، افتقار المدارس إلى الموارد، والمعلمين المؤهلين، والرواتب المناسبة، إضافة إلى اكتظاظ الفصول، فضلاً عن عدم تحديث المناهج. وتفاقم الأمر بعد إغلاق المدارس لفترات طويلة خلال جائحة كورونا، وغياب الإمكانات اللازمة للوصول إلى طرق تعليم بديلة، كشبكة الإنترنت والحواسيب، أو الهواتف الذكية.
وأقرت الأمم المتحدة عقد قمة حول التعليم (17 إلى 19 سبتمبر/أيلول) على هامش اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الـ 77، في نيويورك، وسيترأس الأمين العام، أنطونيو غوتيرس، اليوم الاثنين، اجتماعاً رفيع المستوى يحضره قادة دول ووزراء تعليم من أجل حشد الجهود للحصول على تعهدات لردم الهوة الآخذة بالاتساع.
وتأتي القمة كجزء من مبادرة تقودها الأمم المتحدة، تهدف إلى عكس الاتجاه السلبي الذي تنحدر نحوه الدول في مستويات التعليم، والذي يجعلها بعيدة أكثر عن تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة 2030، وهو "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة".
لكن الوضع، كما تصفه نائبة الأمين العام، أمينة محمد، أكبر من "مجرد أزمة تعليم"، ويتخطى ذلك إلى قضايا الوصول إلى التعليم، وعدم المساواة في القطاع، مشيرة إلى أن نظم التعليم تواجه تحديات تعوق استجابتها بشكل يتلاءم مع تغييرات يشهدها العالم في مجالات العمل والابتكار والتقنيات الحديثة.
وحسب الأمم المتحدة، غاب 259 مليون طفل عن المدارس في عام 2020، وفقدوا مع غيابهم وجبات طعام كانت ضرورية للكثيرين منهم، كذلك فقدوا تقنيات تعليمية غير متاحة لهم خارج المدارس التي تلعب دوراً في سد احتياجات كثير من الأطفال، وخاصة المتحدرين من طبقات فقيرة.
وقدرت أن يؤدي غياب هؤلاء الأطفال عن المدارس إلى خسارة أرباح مستقبلية قيمتها نحو 10 تريليون دولار، بما في ذلك الوصول العادل إلى الموارد والتكنولوجيا الرقمية، وخاصة تغطية الإنترنت العالمية، إضافة إلى أن هناك نحو 800 مليون شاب حول العالم ليس لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت في المنزل، وفي حال سدّ هذه الثغرات، سيصبح الوعد بالتحول الرقمي متاحاً للجميع.
وحول ما ستلتزمه الحكومات في القمة، قالت المسؤولة الأممية: "سيلتزم الجميع إعطاء الأولوية للتعليم في سياساتها وميزانياتها، وهو أمر أساسي لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات المستقبلية، والتقدم نحو جميع أهداف التنمية المستدامة. فاقمت جائحة كورونا الأوضاع المتأزمة أصلاً، وتضرر تعليم تسعة من كل عشرة أطفال بسبب إجراءات الإغلاق، وخفضت نصف الدول ميزانيات التعليم، واضطرت إلى اتخاذ قرارات تتعلق بالاختيار بين التعليم والصحة".
بدأ التحضير للقمة الأممية قبل أشهر، وسبقتها لقاءات في باريس، واجتماعات عديدة حاولت أن تجند الشباب ومختصين حول العالم، من بينهم مدرسون وأعضاء منظمات غير حكومية، إضافة إلى ممثلين للحكومات، من أجل تقديم اقتراحات وتصورات حول سبل النهوض بالتعليم، الذي يتطلب أيضاً التزامات مادية من الحكومات، ومن قطاعات عديدة أخرى، وفهماً للتعليم كاستثمار في المستقبل على المستوى الفردي والجمعي.
وأكدت الأمم المتحدة أن 152 دولة أجرت مشاورات على مستوى وطني، وأعدت أكثر من 120 منها بيانات، وحددت التزامات وطنية في سياق التحضير للمؤتمر.
وحول كيفية ضمان التزام تلك الدول بالتعهدات، ومدى جديتها، وكيف سيُموَّل سد الفجوات، قالت نائبة الأمين العام، لـ"العربي الجديد": "لقد أظهرت المشاورات التي أجريناها قبل القمة أن هناك رغبة لدى الكثيرين في التركيز على التعليم. يجب أن يأتي التمويل من الميزانيات المحلية، لأن هذا أحد واجبات الحكومات، وعليها أن تفي بالتعهدات التي قطعتها حول أهداف التنمية المستدامة، ومن بينها توفير تعليم ذي جودة".
وأضافت: "لا شك في أن القادة يواجهون حالياً كثيراً من التحديات بسبب تبعات الجائحة، وتبعات التغير المناخي، أو الحرب في أوكرانيا وغيرها. نرى التزامات من القادة في ما يخص التعليم، ولكن لا يوجد مجال (مادي) لتحقيق ذلك، ولهذا نناشد المجتمع الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، والمستثمرين باعتبارهم أصحاب مصلحة مباشرة زيادة الدعم".
ونبهت إلى أن أحد أسباب عقد هذه القمة، العمل على إيجاد حلول دولية لقضايا محلية، فإصلاح التعليم مرتبط بإصلاح البنية التحتية، والقطاع الصحي، وغيره من القطاعات المترابطة، والاستثمار يجب أن يكون واسع النطاق، ويشمل الاستثمار في مصادر الطاقة الذي سيساعد على ردم الهوة الرقمية، ما يساعد بدوره في توفير التعليم لعدد أكبر من الناس.
وتحدثت أمينة محمد كذلك عن التعليم في مناطق الصراعات، مشيرة إلى أنه "لا يوجد صراع أهم من صراع، ويجب أن نتعامل معها جميعاً. أحد المخاوف الرئيسية يتعلق باستمرار الصراعات، ونخشى أنه كلما استمر الصراع لمدة أطول، تزيد إمكانية تفويت فرص مساعدة الأطفال، وخصوصاً الذين يعيشون في مخيمات للنازحين مع موارد ضئيلة. علينا التأكد من أن تلك الشرائح جزء من مسؤوليات الحكومات، وألا تُنسى".
في سياق متصل، قالت رئيسة قسم التعليم في مفوضية شؤون اللاجئين، بيكي تيلفورد: "الحصول على تعليم جيد ليس رفاهية، بل هو أحد حقوق الإنسان الأساسية، ويجب أن يكون متاحاً للجميع. في تقرير حديث للمفوضية، لاحظنا زيادة أعداد اللاجئين إلى أكثر من 21 مليوناً حول العالم (لا يشمل العدد قرابة ستة ملايين لاجئ فلسطيني تحت ولاية وكالة أونروا)، وكل هؤلاء يعانون للحصول على التعليم".
وحسب تقرير المفوضية، فإن 42 في المائة فقط من أطفال اللاجئين مسجلون في مرحلة ما قبل الابتدائية، و68 في المئة مسجلون في المرحلة الابتدائية، بينما 37 في المائة فقط مسجلون في المرحلة الثانوية.
وأضافت تيلفورد: "في ما يخص التمويل، وحسب دراسة صادرة عن البنك الدولي والمفوضية، فإنّ تكلفة دمجهم اللاجئين في النظم التعليمية المحلية تصل إلى 4.85 مليارات دولار سنوياً، وإضافة إلى التمويل، هناك تحديات تتعلق بالحصول على الدعم النفسي، والصحي، وتوفير دعم مادي لتغطية التكاليف، خاصة عندما لا يحصل اللاجئون على أي دعم مادي".
ويقول المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول قمة التعليم، ليوناردو غارنييه: "العالم لم يكن على الطريق الصحيح لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بتوفير تعليم ذي جودة للجميع حتى قبل أزمة كورونا، والأسباب متعددة، لكن التمويل سبب رئيسي، وقد لفت انتباهي في (تقرير الرصد العالمي) حجم استثمار البلدان في تعليم شعوبها. تستثمر البلدان الغنية 8 آلاف دولار سنوياً لكل طفل في سنّ المدرسة، أما الدول ذات الدخل المتوسط العالي، كبعض دول أميركا اللاتينية، فإنها تستثمر ألف دولار سنوياً، والدول ذات الدخل المتوسط المنخفض تستثمر 300 دولار في السنة لكل طفل، بينما الدول الفقيرة تستثمر 50 دولاراً فقط في السنة، وهذه الأرقام تظهر حجم انعدام المساواة في التعليم حول العالم".
وعلى الرغم من تأكيد غارنييه ضرورة مساعدة الدول أو المناطق التي تشهد أزمات، لكنه أكد ضرورة أن تخصص جميع الحكومات ميزانيات أكبر للتعليم، وقال إن "أبحاث المتخصصين في التعليم والباحثين الاقتصاديين والبنك الدولي، كلها تشير إلى أن الاستثمار في التعليم ضرورة لتوفير عائد اقتصادي، لذا ينبغي لوزارات المالية تخصيص الموارد للاستثمار في التعليم، بغضّ النظر عن أن ذلك لا يظهر مردوده على المدى القصير. لذا، بات من الضروري إعادة صياغة المناقشة، وتأكيد مخاطر عدم الاستثمار في التعليم".