يتحدّث اللبنانيّون عن عيد الأضحى بمرارة وحسرة، رغم اختلاف أوضاعهم وظروفهم المادية. وإذ يكتفي البعض بالاحتفاء بالمعاني الدينية التي يجسّدها العيد، وزيارة الموتى، والترحّم عليهم، وطقوس وعادات متواضعة تتماشى مع رواتبهم الزهيدة، يحرص آخرون على تقديم أضاحٍ وإعداد حلويات، في حين يشتري قليلون ثياباً جديدة، ومفرقعات نارية للأطفال، علّهم يتلمّسون فرحة طال انتظارها.
تقول شمس عزت ملك، وهي أم لثلاثة أولاد تقيم في جبل لبنان، لـ"العربي الجديد": "بهتَ العيد واختفت بهجته، غير أنّني ألقاه اليوم في عيون أولادي. كنا نفرح بالعيد كثيراً عندما كنا صغاراً، وننام وإلى جانبنا ملابس العيد، وكنا نقصد البحر أو العنزوقة (المراجيح)، ونطلق العنان للغناء والاحتفال. عندما كبرنا صرنا نجتمع في بيت العائلة، ونعدّ حلويات العيد من معمول وأقراص تمر، وكان العيد جميلاً بوجود الأهل. اليوم، نفتقد الكثير من معاني العيد وسط الأوضاع المعيشية الصعبة".
تتابع شمس التي يعمل زوجها في الحراسة والأمن: "بات العيد يمرّ عادياً، ولم يعد سوى محطة لترسيخ قيم الخير والمحبة، وتجديد الإيمان، والترحّم على الموتى، واستعادة شريط الذكريات الجميلة". وتسرد بعضاً من طقوسها المتوارثة: "لا أنام ليلة الوقفة، وعند الساعة الثالثة فجراً أقصد جبّانة البلدة، وأبقى فيها حتى شروق الشمس، إذ تغصّ بالناس والذكريات، وتتزيّن بالريحان. في الماضي، كان البعض يحملون الحلوى معهم، وكان أصحاب البيوت المجاورة للجبّانة يمدّون موائد الفطور في صباح أول أيام العيد".
بدوره، يشكو نظير الأسعد من طرابلس (شمال) حال القهر التي يعيشها مع زوجته وأولاده الأربعة. ويقول: "لن يزورنا العيد، فالوضع (شحار وتعتير)، ونؤمّن بالكاد لقمة العيش. كيف أشتري ثياب العيد لأولادي وأنا أملك بسطة متواضعة لبيع الشوكولاتة والبسكويت؟ حتى إنّ منزلنا مجرد مأوى لا يتمتع بأدنى معايير السلامة".
وتقول نادين، التي تقيم في بيروت، لـ"العربي الجديد": "نتحضّر مسبقاً للأعياد والمناسبات عبر ادّخار ما نستطيع، رغم أن رواتبنا محدودة. في العيد نحرص على الزيارات العائلية، وتلبية رغبات أولادنا، ونحافظ على بهجة العيد قدر ما نستطيع. نحرم أنفسنا ولا نحرم أولادنا، فقد اعتدنا على المآسي والحروب، وتعايشنا مع القلّة والتعتير، لكنّنا ننهض وندبّر أنفسنا".
يعمل إبراهيم شحيمي موظفاً في شركة بمحافظة البقاع، وهو أب لخمسة أولاد، ويقول لـ"العربي الجديد": "توفي والدي، ونحن في حداد، فلا عيد لدينا، لكننا نلتزم بذبح الأضحية رغم الظروف. لم يعد العيد كالسابق، فالعادات والتقاليد ولّت، ولم يعد كثيرون يستطيعون شراء كعك وحلويات، ولا إعدادها في المنزل".
وتعلّق عبير طربيه هلال، من بلدة المريجات (البقاع)، بالقول: "أصبح العيد نغصة، فلا ملابس جديدة، ولا ضيافة، وسنكتفي بصنف واحد من الحلويات، أو نتخلى عنها بالكامل. صرنا نختصر الكثير ونكتفي بالأساسيات، والوضع الاقتصادي المتأزم فاقم الأمور، لا سيما أنّ زوجي عسكري متقاعد، وراتبه يغطي بالكاد معيشتنا في ظل الغلاء". وتستذكر عبير كيف كانت عائلتها تستعد للعيد قبل شهر من موعده، وتقول: "كنا ننتظره بفارغ الصبر لتلمّس بهجته، ومعايدة الأقارب والأصحاب، وتبادل الهدايا، أما اليوم فلا قدرة لنا على تبادل الزيارات، ولا الهدايا".
يؤكد الطالب الجامعي أحمد حجازي تبدّل الأحوال، ويقول: "كنا ننتظر العيد لشراء الثياب والتسوّق، أما اليوم فصرنا نحسب ألف حساب لأن الوضع الاقتصادي خانق، وسعر صرف الدولار غير مستقر، ونحن سبعة أشخاص في المنزل. لكن يبقى العيد مناسبة لاجتماع العائلة، والاحتفال مع الأقارب، ولو بكلفة قليلة، والاكتفاء بالحفاظ على العادات والتقاليد، وإعداد الكعك والمعمول".
ويشير أحمد، المتحدر من جنوب لبنان، إلى أنّه يفتقد بعض مظاهر العيد السابقة، قائلاً: "كنّا نحرص على الكزدورة، وتناول الغداء في المطاعم، لكن الغالبية اليوم لا يستطيعون توفير المتطلبات، والبعض يكتفون بشراء ألعاب للأطفال للاحتفال بالعيد مع أقرانهم في الحي. بتنا نكتفي بالأساسيات، وبالابتسامة التي يرسمها العيد على وجوه الصغار والكبار. نعدّ المشروبات والمأكولات والحلويات في المنزل، ونحافظ على الزيارات العائلية، وتقديم عيديات للأطفال، ولو بمبالغ رمزية، والآباء محدودي الدخل، يحاولون قدر الإمكان إعطاء أولادهم أي شيء، ونأمل حصول انفراجة قريبة كي يعود العيد إلى سابق عهده".