ليبيا: "مواطنون" مع وقف التنفيذ

15 مارس 2022
تجاهل طويل الأمد لقضية الليبيين فاقدي الجنسية (أنس كانلي/ الأناضول)
+ الخط -

تكرر السلطات الليبية تعهّدها بحل قضية سكان الجنوب الذين لا يملكون وثائق هوية منذ عقود، ومعالجة المعوقات التي اعترضت حياتهم الطبيعية، ومنعتهم من الحصول على حقوقهم في العلاج والتعليم وغيرها، ما يشير إلى احتمال معالجتها ثغرات عدم اتخاذها قرارات جدية لحلّ هذه الأزمة.
وأخيراً، تعهّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، خلال لقائه وفداً من قبائل الطوارق في الجنوب، العمل لوضع حلول لهذه القضية. وأوضح بيان أصدره مكتب رئاسة الوزراء أنّ "اللقاء عقد بطلب من وفد قبيلة الطوارق التي يعاني عدد من أبنائها من عدم حصولهم على أوراق تثبت جنسيتهم الليبية. وناقش المجتمعون قضية ملف الخدمات وسبل تحسينها، إلى جانب أوضاع أصحاب الأرقام الإدارية المسجلين لدى مصلحة الأحوال المدنية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح المسؤول في مكتب السجل المدني بمدينة تراغن (جنوب)، سعد عبد الخالق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "لا إحصاءات رسمية عن عدد السكان الذين يعيشون في ليبيا بلا وثائق هوية، وقد تجاهلت السلطات والحكومات المتعاقبة قضاياهم طوال أكثر من 30 عاماً بذرائع عدة، بينها التنافس السياسي والحرب الأخيرة، لكنني أعتقد بأنهم يناهزون 50 ألفاً، وغالبيتهم من المهاجرين الذين عادوا إلى البلاد خلال سنوات تأسيس دولة ليبيا، وتوالدوا وزاد عدد أسرهم بمرور السنوات".
وسبق أن منحت السلطات هذه الشريحة أرقاماً إدارية لتنظيم إجراءات حصرهم، حتى البتّ في موضوع إعطاء أفرادها الهوية والذي يشمل الأبناء أيضاً، لكنها لم تتخذ أي تدابير لتحسين أوضاعهم. ويشرح أحدهم، ويُدعى منتصر الحسناوي الذي يسكن في مدينة تراغن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه يلجأ إلى المصحّات الخاصة لتلقي العلاج، إذ يمكن أن نقصد المستشفيات والمراكز الصحية العامة فقط لإجراء فحوص أو كشف عادي، لكن عندما نحتاج إلى إجراء عملية جراحية يجب أن نقدم إثباتات رسمية عن هويتنا، ما يمنعنا من الاستفادة من المستشفيات الحكومية".
وتضامنت منظمة العفو الدولية مع معاناة أصحاب هذه الشريحة. وحذرت في أحد تقاريرها مما وصفته بأنه "عدم مساواة في تقديم الرعاية الصحية في مناطق جنوب ليبيا"، وطالبت منذ بدء تفشي وباء كورونا في البلاد مطلع عام 2020 بضرورة "ضمان تمتع الجميع بالمساواة في الحصول على رعاية صحية، بغض النظر عن العنصر أو الجنسية أو الأصل العرقي".
وأبدى عدد من أصحاب هذه الشريحة انزعاجهم من اللجان الحكومية التي تعمل في مكافحة وباء كورونا، والتي صنفتهم باعتبارهم أجانب، ضمن إحصاءات تحديد المصابين الليبيين والأجانب المقيمين.

يعيش حوالى 50 ألف شخص بلا جنسية في ليبيا (باتريك أفونتورييه/ Getty)
يعيش نحو 50 ألف شخص بلا جنسية في ليبيا (باتريك أفونتورييه/ Getty)

وتشير العضو في حركة "لا للتمييز في الجنوب الليبي"، عزة العربي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى تجاوب بعض المراكز الحكومية الصحية مع احتياجات خضوع أصحاب هذه الشريحة للعلاج، لكنها تلفت إلى منع أشخاص يعانون من أمراض مزمنة من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، بسبب عدم امتلاكهم جوازات سفر.
تضيف: "عدم وجود ممثلين لهذه الشريحة يتولون مهمة الحديث مع السلطات، جعل قضيتها تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، في وقت لا تمنح السلطات أهمية للقضية، وتماطل في إيجاد حل جذري لها، منذ أكثر من 30 عاماً".
وترى العربي أن "الآثار السلبية لهذه القضية تشمل حق العلاج والتعليم، حيث تواجه أسر هذه الشريحة صعوبة في الحصول على شهادات مكاتب الصحة المدرسية لإدخال أبنائها إلى المدارس، وتوفير حقوق أخرى لهم".
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، شكلت حكومة الوحدة الوطنية لجنة عليا لـ"درس كل التفاصيل الفنية والقانونية المتعلقة بأصحاب هذه الشريحة. ويؤكد الدبيبة أنّ "إعطاء الحقوق واجب يفرضه القانون، وأن حكومته تعمل لمعالجة الملف وإخضاعه للقانون، باعتباره واجباً أخلاقياً وطنياً"، لكن العربي تقول إنّ "اللجنة العليا المشكلة لم تفعل شيئاً، ولم تزر أي منطقة في الجنوب، حيث يعيش أفراد هذه الشريحة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتؤكد العربي أنّ أكثر من 300 شخص من المنتمين إلى هذه الشريحة قتلوا في الحرب الليبية، وبعضهم خلال معارك مع تنظيم "داعش"، لكن عدم حصولهم على الهوية الليبية حرمهم من حق تصنيفهم كشهداء للوطن، واعتبروا بالتالي أجانب بحسب القانون الليبي.
وأشارت إلى أنّ حقوق أصحاب هذه الشريحة ضاعت حتى في المشاركة السياسية، "لكنّنا نعتبر أنّ مطالبتنا بحق المشاركة السياسية ترفٌ، في ظل ضياع حقوقنا في العلاج والتعليم، وحتى تسجيل شهادات الزواج في المحاكم".

المساهمون