ليبيا: معاناة العائدين من النزوح تتفاقم شتاءً

21 فبراير 2022
فقدت منزلها ولا بدّ لها من البقاء في المخيّم (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

انتهت الحروب في ليبيا، لكنّ المواطنين الذين اضطرّتهم تلك الأحداث إلى ترك بيوتهم فتهجّروا منها ومن مناطقهم، ما زالوا يعيشون في مساكن مؤقتة لا تتوفّر فيها مقوّمات الاستقرار وهم يواجهون ظروف عيش صعبة، من بينها برد الشتاء الذي يتكرّر في كلّ عام في مثل هذه الأيام. ولا تتوفّر إحصاءات رسمية عن عدد هؤلاء لدى الحكومات المتعاقبة في البلاد، بحجّة عدم استيفائها بيانات النازحين والانقسامات السياسية والظروف القاهرة، إلا أنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر أفادت أخيراً بأنّها وزّعت مساعدات نقدية على 7200 أسرة في نهاية يناير/ كانون الثاني المنصرم.
يسأل المواطن الليبي النازح نصر الهدار: "ما هي أهمية إحصاءات الحكومة؟" و"ماذا يجني منها النازح غير أوراق ومستندات بلا فائدة؟". يضيف لـ"العربي الجديد": "أنا أحد المسجّلين وقد بقيت في مخيم الفلاح بالعاصمة طرابلس لسنوات من دون أن أتلقّى أيّ مساعدة حتى رجوعي إلى بلدتي". وفي عام 2019، عندما عاد الهدار إلى تاورغاء شمالي البلاد، وجد بيته متضرّراً بشكل كبير، لكنّه رمّم ما أمكن بحسب قدراته المادية في غضون أشهر، علماً أنّ البيت لا يتوفّر على ما يلزم لمواجهة برد الشتاء. ويؤكد أنّ معاناته تتكرّر سنوياً، قائلاً: "في الصيف لا نعرف الاستقرار بسبب الحرّ الشديد، وفي الشتاء نعيش على الحطب الذي نشعله لساعات طويلة يومياً حتى نحصل على الدفء. لكن كيف أحلّ مشكلة تسرّب مياه الأمطار عبر تشققات الجدران والنوافذ البلاستيكية القديمة؟".
وباستثناء عدد من نازحي تاورغاء الذين لم يتمكّنوا من العودة إلى مدينتهم وما زالوا يعيشون في المخيمات، فضّل نازحو مدن أخرى العودة للعيش في منازلهم المتضرّرة من جرّاء الحروب أو استئجار بيوت صغيرة، خصوصاً في ما يخصّ أصحاب المنازل التي سوّيت بالأرض.
وفي معاناة مضاعفة، قاسى سكان خيم نازحي تاورغاء الواقع في جنوبي ترهونة جنوب شرقي طرابلس من جرّاء حريق اندلع في مخيمهم نتيجة احتكاك كهربائي أدّى إلى احتراق أربعة بيوت. ويصف فرج محمد أحد السكان المخيم بأنّه "يتألّف من بيوت من الصفيح لا تتوفّر فيها أبسط مقوّمات العيش، وهو مأهول منذ عام 2011". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه "على الرغم من كثرة النداءات والمطالبات، لم توفّر أيّ من الجهات الحكومية حلاً لسكانه ولا مساعدات إنسانية كالدواء والغداء".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وعن برد الشتاء، يقول محمد إنّ "سكان المخيم تعودوا على مواجهة الشتاء بالحطب والاستعداد له بزيادة عدد الصفيح لسدّ تشققات بيوتهم حتى لا تتسرّب مياه الأمطار إلى داخلها"، علماً أنّ ثمّة جمعيات خيرية توفّر سنوياً أغطية وملابس مستعملة لهؤلاء.
وفي أحياء عدّة في طرابلس، لا سيّما عند أطرافها، تسكن عشرات الأسر التي ما زالت تعاني من ويلات التهجير من مدن شرقي البلاد، من بينها بنغازي. وتخبر أمّ إيناس "العربي الجديد" أنّ أسرتها من بين تلك التي تلقّت مساعدة نقدية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكنّها تلفت إلى أنّها "لا تكفي لسداد إيجار المنزل أكثر من شهرَين". تضيف أنّ "المنزل في الأساس غير مهيّئ للعيش في الشتاء.

منزل مدمر في تاورغاء في ليبيا (محمود تركية/ فرانس برس)
العودة مستحيلة إلى منزله المدمّر (محمود تركية/ فرانس برس)

يمكنني استئجار بيت ملائم بهذه المساعدة، لكنّني لن أتمكن من الاستمرار في سداد إيجار مرتفع، لذا لا حلّ سوى البقاء في هذا المنزل مع أطفالي". وتعيش أمّ إيناس المهجّرة من بنغازي مع أطفالها الثلاثة في منزل صغير مستأجر في حيّ الدريبي، وهي معلّمة في إحدى المدارس الخاصة. أمّا زوجها فما زال مصيره مجهولاً منذ أربعة أعوام، عندما اعتقلته مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وأودعته سجونها. وتلفت أمّ إيناس إلى أنّه "نعاني كذلك من إهمال السلطات أوضاعَ أزواجنا وأبنائنا القابعين في سجون حفتر منذ سنوات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وعلى الرغم من المبادرات الأهلية وجهود الجمعيات الخيرية التي تحاول توفير ما يمكن من ملابس وبطانيات للنازحين، فإنّها تبقى "غير كافية" بحسب ما يؤكد حسن بركان عضو "جمعية التيسير للأعمال الخيرية". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه من بين الصعوبات التي تواجه العمل الخيري والأهلي "انتشار النازحين في مناطق عديدة. في السابق، كانوا في المخيمات أي في مناطق محددة ومعروفة. لكنّ سوء أوضاع المخيمات جعلهم يغادرونها بحثاً عن أماكن أفضل"، مشدداً على أنّ "حجم أزمة النازحين يتطلب جهوداً حكومية". ويتحدّث بركان عن معاناة النازحين في الشتاء التي "تتضاعف نتيجة البرد القارس وتؤدي إلى حالات مرضية تتطلب علاجات بالأودية وعناية، خصوصاً للأطفال وكبار السنّ. وفي مثل هذه الحالات، تكون اتفاقيات مع مصحّات يقصدها المرضى، أو نوفّر لهم مبالغ نقدية قد لا تكون كافية".

المساهمون