استمع إلى الملخص
- **تداعيات إنسانية وصعوبات الإنقاذ**: تسببت الهجمات في صعوبة وصول فرق الإنقاذ، مما أدى إلى استشهاد عدد من العالقين تحت الأنقاض. بلغ عدد الشهداء أكثر من 35 شهيداً، إضافة إلى أكثر من 100 جريح.
- **استهداف ممنهج للمدنيين والنازحين**: استهدف الاحتلال 152 مدرسة تؤوي نازحين، مما رفع عدد الشهداء إلى أكثر من 1050 شهيداً، مع تدمير المنظومة الصحية ونقص المستلزمات الطبية.
تعددت جرائم إسرائيل في حق مدراس غزة يومي السبت والأحد الماضيين
لم ينكر الاحتلال ارتكاب المجازر بل بررها بأنه قصف "مسلحين"
تُستخدم في قصف المدارس قوة تدميرية هائلة لا تراعي كثافة النازحين
نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاث مجازر ضد النازحين إلى مدارس إيواء في المنطقة الغربية من مدينة غزة يومي السبت والأحد، والتي أصبحت آخر منطقة يمكن أن يبقى فيها النازحون بسبب أوامر الإخلاء.
ألحق قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي دماراً هائلاً بمدرسة حمامة في حي الشيخ رضوان، ثم نفذ مجزرة ثانية بعد أقل من 24 ساعة في مدرسة النصر الخاصة، وثالثة في مدرسة حسن سلامة الحكومية في الحي ذاته، وذلك يومي السبت والأحد الماضيين، ما أسفر عن انهيار الأسقف على رؤوس النازحين، واستشهاد وإصابة العشرات منهم. ولم ينكر الاحتلال ارتكاب المجازر، بل بررها بأنه قصف "مسلحين" داخل مراكز قيادة تابعة لحركة حماس في مدينة غزة وفق ادعائه الذي يكذّبه المقيمون في هذه المدارس.
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة المجازر الأخيرة انتهاكات إضافية للحقّ في الحياة، وتُستخدم فيها قوة تدميرية هائلة تدمّر الأسقف فوق رؤوس النازحين المدنيين الذين يحتمون بالمدارس، وفي حين لا تزال عمليات البحث عن مفقودين مستمرة، وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 35 شهيداً، إضافة إلى أكثر من 100 جريح.
ونتيجة القوة التدميرية لم يتمكّن كثير من الأفراد الذين يتولون عادة عمليات الإنقاذ الأولية من الوصول إلى الضحايا، واضطروا إلى انتظار حضور طواقم الدفاع المدني، والتي تمتلك بدورها معدّات محدودة، والتي حاولت انتشال الضحايا بأدواتها البسيطة وبالاعتماد في أغلب الأوقات على الجهد البدني، ما جعل عمليات الإنقاذ تستغرق ساعات، وسبّب استشهاد عدد من العالقين تحت الأنقاض، في حين جرى إنقاذ آخرين في حالة خطرة، ونقلهم إلى المستشفى العربي المعمداني، وهو المستشفى الوحيد في شمال القطاع الذي يمكنه استقبال الحالات الحرجة، والذي يضم قسماً للعناية المركزة.
استهدف الاحتلال الإسرائيلي 152 مدرسة تؤوي نازحين منذ بداية العدوان
وقع القصف الأول بثلاثة صواريخ حربية مساء السبت الماضي، على مدرسة حمامة الأساسية الحكومية، وكان مفاجئاً، واستشهد على إثره 17 من النازحين، فضلاً عن إصابة أكثر من 60 نازحاً، معظمهم من سكان مخيم جباليا الذين نزحوا بعد تدمير منازلهم في المخيم. بعد المجزرة، نزحت بعض العائلات من المدرسة إلى مدرستي النصر الإسلامية النموذجية ومدرسة حسن سلامة الأساسية، لكن جيش الاحتلال ارتكب مجزرتين مماثلتين فيهما.
نجا النازح محمد فروخ (40 سنة) من المجزرة، كونه كان في سوق الشيخ رضوان، وهو مدمّر بالأساس، لكن فيه بعض الناس الذين يبيعون كميات من المساعدات التي يحصلون عليها للحصول على المال لشراء ضروريات أخرى، أو تبادل بعض المساعدات، أو البحث عن الطعام. عندما عاد اكتشف إصابة خمسة من أفراد عائلته، وقد جرى نقلهم بصعوبة على عربة يجرها حمار إلى النقطة الطبية القريبة لتلقي العلاج من إصابات متوسطة وطفيفة.
يقول فروخ لـ"العربي الجديد": "عندما طلب جيش الاحتلال إخلاء المناطق الشمالية والمناطق الشرقية جرى حشر جميع العائلات في منطقة غربي قطاع غزة بشكل مهين، وكنا ندخل إلى المدارس، ونتوسل إلى الناس تقاسم الفصول، وبعضهم يوافقون، وآخرون يرفضون. كانت الظروف صعبة، لأنّ ثمة العديد من النساء في فصول من دون أبواب تغلق عليهن أثناء النوم، لكننا تكاتفنا معاً، وحاولنا تنظيم البقاء في المدرسة".
يضيف: "فوجئنا بقصف المدرسة الواقعة في حي الشيخ رضوان، والحي أساساً مدمّر، وطاول القصف الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية البنية التحتية والأسواق والمحال والمنازل. غالبية جثامين الشهداء في المدرسة كانت عبارة عن أشلاء، واستشهد اثنان ممن كانوا معنا في الفصل. قررنا التوجه إلى مدرسة حسن سلامة، حيث كل فصل يضم ثلاث عائلات، لكن جرى قصفها أيضاً، فنزحت إلى أحد المنازل المدمرة بالقرب من مجمع الشفاء الطبي".
ويعد حي النصر أحد أكثر أحياء مدينة غزة تعرضاً للقصف من الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن المنطقة تضم تجمعاً للمستشفيات الحكومية التخصصية، وهي أول المناطق التي شهدت اقتحام قوات الاحتلال للمستشفيات، وإجبار النازحين إليها على مغادرتها، رغم وجود أعداد كبيرة من المرضى والأطفال، وبعضهم استشهدوا على الأسرة، كما حصل في مستشفى النصر للأطفال.
وتعتبر المنطقة إحدى أبرز المناطق التي عاد إليها النازحون بسبب ضيق مساحات النزوح، وعدم توفر أماكن إيواء في مدارس حي الرمال والشارع المقابل لمجمع الشفاء الطبي، وذلك بعد أن طلب الاحتلال من النازحين، قبل شهرين، التوجه إلى غرب مدينة غزة، والذي يضم حي الشيخ رضوان وحي النصر وحي الرمال وحي تل الهوى ومخيم الشاطئ ومنطقة أنصار.
بعد قصف مدرسة حمامة، توجه العشرات إلى مدرسة حسن سلامة لوجود مساحات إيواء فيها، بينما يتكدس النازحون في مدارس وكالة أونروا في حي النصر، وبعضها مدارس تضررت من القصف الإسرائيلي، لكن النازحين أصروا على البقاء فيها كونها قريبة من وسط مدينة غزة.
واستشهد عدد من الأطفال والنساء في قصف المبنى الشرقي من مدرسة النصر. تقول النازحة سمية عيد (50 سنة) إنها نجت من أربع مجازر إسرائيلية سابقة في المنطقة الشمالية ومدينة غزة، وتعرضت للإصابة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لكن أسرتها وعدداً من العائلات رفضت النزوح إلى المنطقة الجنوبية، إذ استشهدت شقيقتها النازحة من الشمال هويدا عيد (56 سنة) في قصف إسرائيلي على مدينة خانيونس في نهاية العام الماضي.
تضيف عيد لـ"العربي الجديد": "اعتقدنا أنّ مدرسة النصر الخاصة آمنة، إذ لا يوجد فيها أي سلاح أو أفراد عسكريين، وجميع الناس النازحين إليها من طبقة العمال، وبعض المعلمين، ولا علاقة لهم بأي فصيل سياسي. كنا نترقب نهاية الحرب عبر المفاوضات، لأننا نخاف على مستقبل أطفالنا، لكن القصف لاحقنا، وقد كان مرعباً. لقد دمروا عدداً من بنايات المدرستين، وقد استُشهد عدد من أفراد العائلات التي كانت ترافقنا في رحلة النزوح".
تتابع: "قمنا برحلات هروب متكررة من القصف الإسرائيلي، وفي كل مكان نصل إليه نتساءل إن كان سيتعرض للاستهداف أم لا، ثم يتم استهدافه. بعد يومين فقط من وصولنا إلى المدرسة جرى استهدافها، وبعض الناس الذين كانوا يأملون انتهاء الحرب مثلي استشهدوا، بينما جيش الاحتلال يزعم وجود عناصر من المطلوبين، وأنه يلاحقهم، وكل هذا كذب لأن جميع العائلات التي كانت موجودة في المدرسة من النازحين بشكل متكرر، ولو كان هناك شخص مطلوب لما استطاع النزوح، خصوصاً أن طائرات الاستطلاع تراقبنا على مدار الساعة".
استشهد أحمد عبيد (19 سنة) في مجزرة مدرسة حسن سلامة، ويقول شقيقه محمد سلامة إنّهم لم يعثروا على جثمانه حتى مساء الأحد، ثم استطاعت طواقم الدفاع المدني تحطيم سقف الفصل المنهار بصعوبة، وأخرجوا ثلاثة جثامين وستة مصابين، وكان شقيقه ممن نزفوا حتى الموت قبل أن يتمكن الدفاع المدني من الوصول إليهم.
يقول عبيد لـ"العربي الجديد": "في بداية العدوان، كنا نتوجه إلى المدارس التي تحمل علم الأمم المتحدة اعتقاداً أنها أكثر أمناً، ثم أصبحت تلك المدارس مكاناً لتكرار القصف الإسرائيلي، ولم تعد تحمينا الأعلام الأممية، ثم بدأنا التوجه إلى الخيام، فتكررت المجازر في مناطق الخيام. عندها أصبحنا نبحث عن أي مكان يؤوينا، سواء منزل شبه مدمر، أو مدرسة لنحتمي فيها، لكن الاحتلال يلاحقنا في كل مكان، ويحرص على قتلنا من دون رحمة".
وعقب المجازر الثلاث في المدارس التي وقعت خلال أقل من 24 ساعة، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بياناً، قال فيه إن المجازر الأخيرة رفعت عدد مراكز الإيواء المأهولة بالنازحين التي استهدفها جيش الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في غزة إلى 172 مدرسة ومركز إيواء، من بينها 152 مدرسة مأهولة بالنازحين، بعضها مدارس حكومية، وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتجاوز عدد الشهداء في تلك المجازر 1050 شهيداً.
وتابع البيان أنه من اللافت للنظر أن جيش الاحتلال يُركز على استهداف النازحين المدنيين وقصفهم داخل المدارس، وفق خطة مدبرة هدفها القتل العمد، وإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا المدنيين، بعد إسقاطه المنظومة الصحية، وتدمير المستشفيات وإحراقها وإخراجها عن الخدمة، وفي ظل الضغط الهائل على الطواقم الطبية وما تبقى من غرف العمليات، ونقص المستلزمات الصحية والطبية، مع استمرار إغلاق المعابر أمام سفر الجرحى والمرضى، وعدم إدخال الوقود، في كارثة إنسانية وصحية مكتملة.