على خطى جده وعمه وعمته، سار الفتى الفلسطيني محمد حمايل (17 عاماً) من بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية المحتلة، وقد ارتقى شهيداً برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مشاركته في تظاهرة ضد الاستيطان في مسقط رأسه في الحادي عشر من الشهر الجاري.
حمايل سليل عائلة قدّمت كبيرها الحاج محمد عبد الجواد حمايل شهيداً في مخيم تل الزعتر في لبنان، ونجله نايف محمد حمايل الذي اغتيل في بيروت، وكلاهما استشهدا عام 1976. وبعد تسع سنوات، ارتقت عمة الفتى نايفة محمد حمايل شهيدة عام 1985.
لم يكن الشهيد الصغير يقلّ عن أقاربه الشهداء شجاعة وحباً لوطنه. وعلى الرغم من صغر سنه، لم يغب يوماً عن الفعاليات المنددة بالاستيطان التي تنظم في بلدته، وخصوصاً تلك الرافضة لإقامة بؤرة "أفيتار" الاستيطانية على قمة جبل صبيح في بيتا، الذي بات قبلة المقاومة الشعبية في شمال الضفة الغربية المحتلة.
يقول عامر حمايل، وهو من أبناء عمومة الشهيد لـ "العربي الجديد": "كان محمد يتقدم الصفوف دوماً، حتى عندما كنّا نطلب منه التراجع والعودة إلى البيت كان يرفض وبشدة. اندمج بكل عنفوان في التظاهرات. لم يكن شبلاً عادياً، بل متميزاً، وله حضور قوي". ويشير إلى أنّ جو العائلة التي نشأ فيها الشهيد أدى دوراً كبيراً في نضجه السياسي والمقاوم قبل أقرانه. وعلى الرغم من أن استشهاد ثلاثة من أقاربه سبق ولادته، إلا أن ذلك ترك أثراً في شخصيته، ودائماً ما كان يسمع عبارات التمجيد والإشادة بهم. كذلك أُصيب والده برصاص الاحتلال، وقد أُسر لبعض الوقت قبل تحريره من سجون الاحتلال، فيما قضى عمه ست سنوات في سجون الاحتلال وهدم بيته.
وقدمت بلدة بيتا خلال شهر واحد فقط ثلاثة شهداء في معركة الدفاع عن جبل صبيح، هم عيسى برهم، ليلحق به بعد أسبوعين الشهيد زكريا حمايل، وثالثهم الشهيد محمد حمايل، الذي كان شاهداً على ارتقاء من سبقوه، وشارك في وداعهم، وكانت علامات الغضب بادية عليه، كما يقول قريبه.
يوميات المقاومة
الشهيد حمايل كان في الصف الحادي عشر في مدرسة ذكور بيتا الثانوية، وكانت علاقته بمعلميه وزملائه ممتازة. ويقول زميله في المدرسة يوسف دويكات لـ "العربي الجديد": "مقاومة الاحتلال والمشاركة في المسيرات التي تخرج في البلدة كانت تسيطر على فكره وسلوكه". ويوضح: "لم يكن يتحدث إلا عن فعاليات مقاومة الاحتلال ويومياته فيها، ومقاومة جنود الاحتلال والتصدي لهم. كان يخبرنا كيف يسقط الجرحى برصاص الاحتلال ويهب هو ومن معه لحملهم وإيصالهم إلى الطواقم الطبية".
وبحسب دويكات، كان حمايل فاعلاً أيضاً على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وقد استغلّ حسابه على الموقع العالمي لتوثيق الأحداث يومياً، فكان ينقل الأخبار ويضع صوراً من المواجهات ويكتب عن الشهادة والانتصار. ويقول دويكات: "جميعنا قرأ المنشور الذي تمنى فيه محمد الشهادة ونالها".
مواجهات مستمرة
ومنذ أشهر، ينظم أهالي بلدة بيتا والبلدات والقرى المجاورة مسيرات بصورة شبه يومية، تتوجه إلى أقرب نقطة على البؤرة الاستيطانية "أفيتار" التي أقامها المستوطنون عنوة على قمة جبل صبيح، في محاولة لإجبارهم على الرحيل، ولا سيما أنهم نجحوا في ذلك من قبل.
واعتمد شبان بلدة بيتا تجربة "الإرباك الليلي" في قطاع غزة، ونقلها إلى جبل صبيح، الذي يشهد مناوشات ليلية منتظمة مع جنود الاحتلال والمستوطنين. وبلدة بيتا، التي لم يتمكن منها الاستيطان منذ احتلالها عام 1967، تجابه بدماء أبنائها محاولات من المستوطنين لزرع بؤر استيطانية على أراضيها من فترة إلى أخرى.
وأشد مواجهة للاستيطان كانت على الإطلاق ما يعرف بـ "أحداث السادس من إبريل/ نيسان عام 1988"، عندما هاجم مستوطنون بلدة بيتا، فصدحت مكبرات الصوت في المساجد بنداءات للتوجه للتصدي لهم، فهبّ الأهالي وقتلوا مُستوطنة إسرائيلية بعدما حاصروا المستوطنين قرب عين ماء على أطراف البلدة، لتقتحم على الفور قوات الاحتلال المكان بهدف حماية المستوطنين، وأطلقت النار عشوائياً، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من بلدة بيتا واعتقال المئات، كذلك فُجِّر 13 منزلاً.