مدرستا "الساوية" و"اللُبّن" الفلسطينيتان: تعليم تحت نيران الاحتلال ومستوطنيه
يُصرّ الطالبُ الفلسطينيّ محمود عبد الله في الصفّ العاشر الأساسي، على الوصول إلى مدرسته "الساوية اللُبّن" المختلطة، الواقعة على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينتي نابلس ورام الله في الضفة الغربية، رغم المخاطر الشديدة التي يتعرّض لها أسوة ببقية زملائه، جراء الاعتداءات الدائمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين عليهم، إذ إن الأطماع الاستيطانية بتلك المدرسة مستمرة.
الأسبوع الماضي، كان عبد الله واحداً من سبعين طالبا وطالبة في مدارس اللبن والساوية الواقعة على طريق نابلس رام الله، الذين أصيبوا باختناق شديد، بعد أن أطلق جنود الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع تجاههم، وهم يحاولون سلوك الطريق للوصول إلى مدرستيهم.
أكثر من 600 طالب وطالبة في مدرستي "الساوية اللُبّن" المختلطة و"اللُبّن الثانوية للبنات"، اللتين تقعان على الشارع الرئيس الواصل بين مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة على مقربة من بلدتي اللبن والساوية جنوب نابلس، يعيشون رعباً يومياً جراء الاعتداءات التي يتعرضون لها في ذهابهم وإيابهم إلى مدرستيهم اللتين تقعان على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي نابلس ورام الله، وسط محاولات حثيثة من المستوطنين للسيطرة على المبنيين وتحويلهما إلى بؤر استيطانية.
يعيش الطلاب رعباً يومياً جراء الاعتداءات التي يتعرضون لها في ذهابهم وإيابهم إلى مدرستيهم
هذه الاعتداءات أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان لها، أنها جزء لا يتجزأ من مخطط استعماري توسعي يسعى لإغلاق المدارس بهدف ضم المنطقة لأغراض استيطانية، محمّلة حكومة الاحتلال الإسرائيلية وأذرعها المختلفة المسؤولية الكاملة والمباشرة عن حياة الطلبة وذويهم، وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المختصة وفي مقدمتها "يونسكو" بسرعة توفير الحماية للمؤسسات التعليمية وضمان حق الطلبة في الدراسة والتعلم.
اعتداءات متكررة
رغم أن منزل عبد الله لا يبعد عن مدرسة "اللبن الساوية المختلطة" سوى مئات الأمتار، إلا أنه يخرج من منزله في السادسة والنصف صباحاً ولا يدخل المدرسة قبل الثامنة، مخترقا تحصينات وحواجز الاحتلال، ولا يكاد يمر يوم دون وقوع اعتداءات بحق الطلبة.
طلبة مدرسة اللبن الشرقية بنابلس يتصدون لاعتداءات الاحتلال المستمرة عليهم منذ أيام". pic.twitter.com/JLxAUVMxgY
— معتز أبوريدة_غزة 𓂆 🇵🇸 حساب جديد (@Palestine_Gaz) November 18, 2021
يقول عبد الله لـ"العربي الجديد": "أنا أعيش هذه المعاناة منذ كنت في الصف السادس، أي منذ أربعة أعوام، لقد ضربونا وأطلقوا علينا قنابل الغاز والرصاص المطاطي، واعتقلوا عدداً كبيراً من زملائي، واحتجزوا آخرين، وفي مرحلة أغلقوا بوابة المدرسة بـاستخدام (لحام الأوكسجين)".
ووفق عبد الله، "تشعر وكأنك تخترق تحصينات جنود الاحتلال، التي تم وضعها على طول الطريق، أذهب مع كافة رفاقي إلى المدرسة لنتعلم، لا كما يدعي الجنود لرشق الحجارة، صدقاً نحن نعيش خطراً دائماً على حياتنا، ولا أحد يحرك ساكناً".
وفي الفترة الأخيرة، ضاعف الاحتلال تواجده، حيث تتواجد آليات عسكرية لجيش الاحتلال في السهل المقابل لمدرستي اللبن الساوية المختطلة ومدرسة اللبن الثانوية للبنات، وفي بعض الأحيان يعتلي الجنود أسطح المنازل المجاورة".
وشهد الأسبوع الماضي اعتداءات عنيفة من جيش الاحتلال والمستوطنين على الطلبة والطاقم التدريسي، أخطرها ما جرى الثلاثاء (16 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري)، فقد أصيب أكثر من سبعين طالباً وطالبة ومجموعة من المعلمين، بالاختناق بالغاز المسيل للدموع وبرضوض جراء قمع الاحتلال لهم ومنعهم من الوصول إلى مدرستيهم، بحجة رشق بعضهم الحجارة على سيارات المستوطنين الذين يمرون من الشارع ذاته.
صباح اليوم هاجم جنود الاحتلال طالبات مدرسة اللبن الشرقية الثانوية بذريعة قيام طالبة برفع علم فلسطين، حيث قام الجندي بمصادرته. وجرى الاعتداء على طالبة بالسلاح على كتفها واصابة 70 بالاختناق نتيجة قنابل الغاز
— Rafat Darawsheh 🇵🇸 𓂆 (@rafatdarawsheh) November 16, 2021
نقلا عن الزميل الصحفي يامن النوباني ابن بلدة اللبن الشرقية pic.twitter.com/HpTP9DWSkH
وفي اليوم التالي (الأربعاء 17-11) أجبر جنود الاحتلال الطلبة على سلوك طريق ترابي، بعد أن أغلقوا الشارع الرئيسي ومنعوهم من سلوكه، ما أثار حالة احتجاج، تطورت إلى مواجهات ورشق للحجارة.
يقول رئيس مجلس قروي اللُبّن الشرقية، يعقوب عويس، والذي أصيب أسوة بغيره من الطلبة والمعلمين بالاختناق مرات عديدة، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أذكر عدد المرات التي اقتحم فيها الاحتلال والمستوطنون مدرستينا خاصة مدرسة اللبن الساوية المختلطة، أو نفذوا اعتداءات على الطلاب، هي بالمئات ولا أبالغ".
إصرار على إكمال المسيرة التعليمية
بالنسبة للطالبة آلاء عمر من الصف الحادي عشر في مدرسة بنات اللبن الشرقية، فإنها تصف المشهد لـ"العربي الجديد"، قائلة: "نشعر وكأننا في ساحة حرب حقيقية، السلاح في وجهنا أينما ذهبنا، إذا كنت أنا قد اعتدت على هذا المشهد، فهنالك طالبات يصبن بالرعب ويعدن إلى بيوتهن إذا ما شاهدن جنود الاحتلال".
وتشير آلاء إلى أن التحصيل الأكاديمي تراجع لدى كثيرات، وبعضهن قررن ترك الدراسة كلياً، لكن الغالبية العظمى مصرات على مواصلة المشوار، وتقول: "نحن نتلقى دعماً كبيرًا من معلماتنا، وقبل ذلك من ذوينا".
ويبدو أن قوات الاحتلال اتخذت قراراً بمنع الطلبة الذكور على الأقل من سلوك الطريق الرئيسي، وإجبارهم على المرور عبر طريق ترابي وعر من الجهة الخلفية للمدرسة، يؤكد طلال عزام المعلم في مدرسة اللبن الساوية المختلطة لـ"العربي الجديد".
يقول عزام: "أعمل في المدرسة منذ سبع سنوات، وأكاد أجزم أنه لم يمر يوم إما صباحا أو خلال المغادرة دون اعتداء من الاحتلال أو المستوطنين على الطلبة أو المعلمين أو على المدرسة بحد ذاتها، لكننا مصرون على إكمال الرسالة السامية بتعليم أبنائنا مهما جرى".
إدارة المدرستين اتخذتا في سبيل ذلك عدة إجراءات، ومن بين ذلك وضع معلمين ومعلمات على طول الطريق لحماية الطلبة ومنع جنود الاحتلال من الاعتداء على الطلبة، وتأمين وصولهم إلى المدرسة، وفق عزام، "الذي يقول: "هذا أمر مرهق، ولكنه واجبنا الذي لن نتأخر عنه، سنتقاتل من أجل ذلك".
صمود في وجه محاربة التعليم
تؤكد المعلمة ميسون صلاح من مدرسة اللبن الساوية المختلطة، أن الاحتلال يحارب العلم والتعليم من أجل حرمان الفلسطينيين منه، وأولى تلك المحاولات منع الطلبة من الوصول إلى مدارسهم، وتقول لـ"العربي الجديد": "إنهم يتذرعون بحجج واهية وهي رشق سيارات المستوطنين المارة بالحجارة، لكن الغاية الحقيقية هي إغلاق المدرستين وإلى الأبد، وهذا لن يكون".
ترك الأمر وفق صلاح، آثاراً سلبية على حالة الطلبة والمعلمين على حد سواء، وتقول: "هؤلاء بالمحصلة أطفال (من الصف السادس -12 عاماً- إلى الثانوية العامة -17 عاماً-)، وهناك حالات منهم أصيبت بالخوف والرعب من المرور من جانب الجنود والمستوطنين، وآخرون باتوا غير متحمسين للدراسة وتراجع تحصيلهم العلمي، ونخشى من حدوث حالات تسرب في صفوفهم".
ويؤكد رئيس مجلس قروي اللُبّن الشرقية، يعقوب عويس، أن الاحتلال يسعى وعبر ممارساته تلك لإغلاق مدرسة اللبن الساوية المختلطة التي بنيت قبل وجوده عام 1946، ويختلق "ذرائع واهية" لتحقيق ذلك.
وينفي عويس ادعاءات جنود الاحتلال برشق الطلبة لمركبات المستوطنين بالحجارة، ويقول: "إنها سياسة تجهيل ينتهجها الاحتلال ضد الطلبة الفلسطينيين، خاصة في مثل هذه المدارس التي يعتبر التعليم فيها مقاومة وصموداً بحد ذاته".
ويوضح عويس: "هم يريد المنطقة خالية تماماً من أي وجود فلسطيني، ليسهل عليهم السيطرة عليها، في الوقت الذي يُشيِّدون أربع مستوطنات على أراضي القريتين، لكننا سنظل شوكة في حلقهم".
ويؤكد عويس، أن الاحتلال الذي يريد إجبار الطلبة على سلوك طريق ترابي، قام هو نفسه بمصادرة آليات تابعة للمجلس القروي كانت تعمل منذ مدة على تأهيل الطريق وتعبيده، وإذا أمطرت السماء فلا يمكن لأحد أن يمر من خلالها.
تحذيرات من إغلاق مدرسة اللبن الساوية
يؤكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف أن "(مدرسة اللبن الساوية المختلطة)، مقامة قبل المستوطنات، لكن الجماعات الاستيطانية لديها صلاحيات كاملة لانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني بالكامل من ناحية الأرض والشجر والبشر".
ويقول عساف في حديث لـ"العربي الجديد": "إنه يجب علينا حماية أطفال المدرسة من خلال إغلاق الشوارع أمام المستوطنين وتحمل ما يحدث نتيجة ذلك، من أجل ضمان حق الأطفال في العبور إلى المدرسة، وإن لم يكن لدينا قرار جريء بخصوص المدرسة فإنها سُتغلق بشكل كامل وسيتم تحويل الطريق إلى طريق استيطاني".
ويشدد عساف على أن التراجع للخلف لا يحل المشكلة، و"بالتالي الاحتلال يريد من أطفال المدرسة أن يسلكوا طريقا آخر من أجل السيطرة على الشارع الرئيسي لصالح المستوطنين."