تستمر معاناة المدنيين في إقليم دارفور، غربي السودان، نتيجة النزاعات القبلية والانفلات الأمني وانتشار عمليات النهب، رغم توقيع اتفاق سلام العام الماضي نص على توفير حماية لهم عبر نشر قوة من 20 ألف من جنود الجيش وعناصر الشرطة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة التي تحوّلت إلى شريك في الحكم. لكن تشكيل هذه القوة تأخر.
في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي، قصدت النازحة عائشة شوقار مزرعة تملكها في منطقة قوز متي، لكن مسلحين مجهولين دخلوا المزارع وضربوا النساء وقتلوها وأصابوا ابنتها بجروح خطرة، ووالدتها بتلف في إحدى عينيها. وأظهرت هذه الحادثة المشكلات الكبيرة التي يتعرض إليها مدنيو دارفور، وبينها تدمير المزارع والمنازل والنهب والنزاعات القبلية واغتصاب النساء، وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين.
وكان إقليم دارفور قد شهد عام 2003 إحدى أسوأ الحروب الأهلية في العالم والتي أسفرت بحسب تقارير لمنظمات دولية عن مقتل حوالى 300 ألف شخص، وتسببت في نزوح مليونين من مناطقهم إلى أطراف مدن رئيسية.
وبنى سكان دارفور آمالاً كبيرة على إطاحة نظام الرئيس السابق عمر البشير من السلطة في إبريل/ نيسان 2019، والذي اتهموه دائماً بإشعال فتيل الأزمة في إقليمهم والتورط بجرائم كثيرة تصنفها المحكمة الجنائية الدولية بأنها "جرائم حرب ضد الإنسانية، وإبادة جماعية"، لكنهم لم يحصدوا إلا الخيبات بعد أكثر من عامين من إسقاط النظام السابق، في ظل تواصل النزاعات القبلية والهجمات التي تشنها مليشيات مسلحة، وتواصل عمليات النهب المسلح، وحتى الاغتصاب الذي تدون الشرطة كل جرائمه ضد مجهول.
وشهد سبتمبر/ أيلول الماضي حوادث عدة في الولايات الخمس بدارفور، أهمها مقتل 4 أشخاص في كمين نصب لتنفيذ عملية نهب على طريق سنقونيالا بولاية وسط دارفور، ومقتل 11 شخصاً بولاية جنوب دارفور إثر اندلاع نزاع قبلي ترافق مع حرق منازل. كما استمرت عمليات نزوح عشرات آلاف الأشخاص من مناطق في شمال دارفور التي تواجه مشكلات أمنية كبيرة، وتعرض نساء لاغتصاب بينهن قاصرات. ولم تسلم معسكرات النزوح من الهجمات، فيما شهدت المدن الكبيرة إشكالات أمنية بينها في نيالا مركز ولاية جنوب دارفور حيث اغتال مسلحون بالرصاص موظفاً في بنك النيل، ونهبوا 4 ملايين جنيه (9 آلاف دولار) كانت في حوزته. وأثار ذلك قلق منظمات المجتمع المدني، خصوصاً تلك الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة مثل "المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن" التي خاطبت مديرتها الإقليمية، هالة الكارب، أعضاء مجلس الأمن قائلة إن "النساء المتأثرات بالأوضاع الأمنية في دارفور ومناطق أخرى لا يزلن يتعرضن لمخاطر الاغتصاب والتشريد والموت". وحذرت من استمرار عدم خضوع عمليات القتل لملاحقات، في ظل الوجود غير المنضبط للمليشيات المسلحة في مناطق المدنيين، ومن تزايد العنف الجنسي بلا أي عقاب.
ويبلغ الصادق إسحق، عضو هيئة محامي دارفور "العربي الجديد" أن "المشكلات والأزمات ما زالت ذاتها والانتهاكات مستمرة ضد المدنيين، من دون أية مؤشرات للتغيير. والملاحظ أن انتهاكات حقوق الإنسان زادت عن السابق، ودخلت أطراف قبلية جديدة فيها مع انتشار ثقافة الإفلات من العقاب. كما شاعت ظاهرة التجنيد وممارسات القتل والترويع، وأخذ القانون باليد". ويوضح أن "السؤال الأهم يتمحور حول فشل آليات حماية المدنيين، وهو ما نطالب الحكومة بأن تجيب عنه. لكنّ من الواضح أنها لا تملك أي خطط أو برامج لتحويلها إلى أعمال ميدانية ملموسة في هذا المجال. لذا يتوسع نطاق العنف ضد المدنيين، وتتنامى انتهاكات حقوق الإنسان، في حين لا مؤشرات لإمكان مشاركة أطراف اتفاق السلام في أي عمل أو تعاون". ويطالب إسحق بضرورة التعامل مع هذه القضايا عبر إطلاق مشروع مشترك لروابط الوحدة الوطنية، وتقليص الدور السياسي للقبائل. كما يشدد على أهمية تقوية الروابط المدنية والسياسية عبر برامج واضحة، وتطبيق أحكام سيادة القانون.
لكن إسحق، المشرف على آلية لحماية المدنيين في ولاية شرق دارفور، يرى أيضاً أن الانتهاكات ضد المدنيين ستتناقص بعد تفعيل آليات حمايتهم في الولايات. ويشير إلى أن "عمليات لحماية المدنيين تحصل بالتنسيق مع منظمات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية العاملة في الإقليم، من أجل تحقيق 9 أهداف محددة، أهمها ضمان حق الإنسان في التعلم والرعاية الصحية، ووقف تجنيد الأطفال وتحقيق السلم الاجتماعي وتوفير مشاريع تنموية للمدنيين الضعفاء، وإعادة النازحين، وسدّ كل الفراغات التي تركها خروج بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي التي أنشئت لحماية المدنيين إلى جانب أهداف أخرى".
ويراهن إسحق على تشكيل القوات المشتركة من 20 ألف عنصر تنفيذاً لاتفاق السلام كي تحسم كلّ الانتهاكات الحالية ضد المدنيين وتحميهم عبر منح أفرادها صلاحيات التدخل السريع في الوقت المناسب ومعالجة المشكلات الأمنية، وتعزيز تدريبهم وتأهيلهم كي يضطلعوا على أكمل وجه بدورهم في حماية المدنيين.