سبقت ولاية نهر النيل بقية الولايات السودانية، بإصدارها تشريعاً يحظر التمييز القبلي والنشاطات ذات الطابع العنصري التي تؤدي إلى مشاكل أمنية، لتعيد الولاية بذلك الجدل حول التمييز القبلي في السودان. وينصّ المرسوم المؤقّت لقانون حظر ومكافحة التمييز العنصري والقبلي بولاية نهر النيل، شمال السودان، والذي وقّعته والية الولاية، آمنة المكي، على حظر أيّ فعل يؤدي إلى التمييز العنصري، بما يتضمن إشاعة روح الكراهية، والتشجيع على العنف، والتمييز العنصري بأي وسيلة. وكذلك منع القانون تكوين مجموعة أو تنظيم أو رابطة على أساس العرق أو العنصر تدعو إلى التفرقة والتمييز العنصري الذي يؤدي إلى الفتن والانفلات الأمني. كما منع التشريع الذي يُعد الأول من نوعه بولاية سودانية، منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، تمويل ودعم النشاطات التي تحثّ على التمييز العنصري.
يقول رئيس دائرة التوجيه بحكومة ولاية نهر النيل، شرف السيمت، لـ"العربي الجديد"، إنّ ولاية نهر النيل عرفت طوال تاريخها معاني وقيم التعايش السلمي بين القبائل والأديان والثقافات، وكلّ المكونات المجتمعية، لافتاً إلى أنّ صدور التشريع يرسّخ تلك القيم ويضعها في إطار قانوني تشريعي ملزم، خاصة وأنّ السودان ككلّ يعيش بعد الثورة مرحلة جديدة للحكم المدني وسيادة حكم القانون. يضيف السيمت أنّ "القانون الجديد هدفه توجيه المجتمع نحو التركيز على الانتماء الوطني وتوحيد المجتمع بعيداً عن الفرز القبلي أو المناطقي أو الجهوي، والحدّ من التعصّب الذي لم يفعل شيئاً سوى الإضرار بالنسيج الاجتماعي ليس في ولاية نهر النيل وحدها، بل في كلّ السودان". ويتابع أنّ القانون سيؤدي، بحسب تقديره، إلى تعزيز الصلات الاجتماعية، نافياً بشدّة أن يكون للمرسوم أية أغراض سياسية كما زعم البعض، بإشارتهم إلى أنّ الوالية أرادت الحدّ من النشاطات المناوئة لها على أساس سياسي.
وحثّ المسؤول الحكومي، منظّمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام على إكمال دائرة محاصرة القبلية والعنصرية، بالقيام بدورها في جانب التثقيف والتوجيه والتوعية.
وكانت ولاية نهر النيل قد شهدت طوال الأشهر الماضية اصطفافاً قبلياً حاداً، ومحاولات تأسيس للنظام القبلي والحديث بأسماء القبائل، وتطوّر الأمر بالخروج في تظاهرات احتجاجية وإغلاق الشوارع. بدورها، تتّفق الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، مع ما قاله السيمت، لافتةً إلى أنّ اللجوء لسنّ القوانين يعني أولاً أنّ هناك مشكلة تمييز قبلي، تحتاج إلى جهد سياسي وقانوني وإداري ومجتمعي. وتضيف إبراهيم لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه المشكلة ومهما كان حجمها، فإنها موجودة في كلّ السودان وليس في ولاية نهر النيل فقط، وتتجلّى أكثر في العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالزواج والتعامل العام وتبادل العبارات العنصرية التي تقلّل من شأن الآخر، وغيرها من المظاهر". لكنها تؤكد أنّ القانون ورغم أهميته، فإنه لا يكفي وحده، ويجب أن تصحبه برامج اجتماعية وإعلامية وتربوية. واقترحت إدخال منهج قبول الآخر في المراحل التعليمية المختلفة من رياض الأطفال، مروراً بالمدارس، وانتهاءً بالجامعات، وربط تلك المناهج بحقوق الإنسان، أسوة بما بحدث في تونس، وبلدان أخرى كافحت التمييز لعقود طويلة.
كما شدّدت الباحثة الاجتماعية على أهمية الديناميكية المجتمعية عبر الندوات والمحاضرات ورجال الدين، كما البرامج التلفزيونية التي ذكرت أنه "من واجبها عكس تنوّع وتعدّد قيم المجتمع السوداني، إضافة إلى استخدام الدراما والمسرح والفنون للوصول للهدف ذاته، مع إلغاء فكرة السؤال عن القبيلة في السجل المدني"، قبل أن تستدرك أهمية القبيلة في بعدها الأنثروبولوجي دون تكريسها في حياتنا العامة، وجعلها معبراً للسلطة أو المال أو المكانة الاجتماعية.
من جهته، يوضح المحامي طارق الياس أنّ "القانون الجنائي 1991 يحتوي نصوصاً ضدّ العنصرية والتمييز، لكنها لم تكن مفعّلة خلال السنوات الماضية. وولاية نهر النيل اتخذت المسار القانوني الصحيح في هذا الوقت، مع ارتفاع أصوات النعرات القبلية في الولاية التي تتجاوز حتى التكوينات القبلية والأهلية بشكلها المعروف ودورها المحدد، منذ زمن بعيد، والتي ينظّم عملها القانون". وأشار الياس إلى أنّ تلك النعرات وإثارة العواطف لها هدف يصل إلى حدّ السيطرة على المجتمع والموارد المالية في الولاية التي يأتي 35 بالمائة من ناتجها القومي من الذهب والزراعة وصناعة الإسمنت. وأضاف أنّ عدم صدور القانون، ربما قاد إلى احتكاكات ومواجهات قبلية كانت الولاية في غنى عنها، ورجّح أن تقتدي ولايات سودانية أخرى بخطوة ولاية نهر النيل، وإصدار قوانين مماثلة أو إجازة قانون مستقبلاً لكلّ السودان.
ويختلف الكاتب الصحافي، بكري المدني، مع تلك الآراء ويقول لـ" العربي الجديد" إنّ ولاية نهر النيل لم تعرف التمييز العنصري بين قبائلها في العصر الراهن، ولم يمارس أهلها أي نوع من أنواع التمييز ضد الذين قدموا للولاية من مناطق السودان المختلفة للسكن أو العمل، مشيراً إلى أنّ الولاية، ومعها ولاية الشمالية المتاخمة، تكاد تكون من المناطق الوحيدة في السودان التي لا تعرف من الإدارات الأهلية والقبلية إلّا شكلها في الحاضر، وتاريخها في الماضي.
وأضاف المدني أنّ "مرسوم مكافحة التمييز الصادر من والية الولاية، جاء لمكافحة إحياء روح الإدارات الأهلية، وكذلك مكافحة إقحام القبائل في العمل العام والسياسي بشكل مباشر، وهو عمل اتضح من مؤشراته الأولى، استهدافه لحكومة الولاية ويحاول عزل الوالية سياسياً واجتماعياً". وأشار إلى أنّ ذلك الحراك نجح بقدرغير قليل، خاصة وأنّ بعض من ينشطون في هذا العمل اليوم، من المحسوبين على النظام السابق والذين تتوفّر لديهم علاقات كبيرة بمجتمع الولاية واستعانوا بقبائلهم، بعد أن فرضت عليها السلطات العزلة السياسية، وحرمانها من المشاركة في العمل العام، عبرالواجهات السياسية والنقابية القديمة، مضيفاً أنّ "العقوبات الواردة في المرسوم، ستترك أثراً سالباً على مجتمع الولاية وعلى استقرارها معاً، من ناحية أنه سيدفع الناس للتمسك بقبائلهم أكثر".