استمع إلى الملخص
- **النزوح والمعاناة**: في 2019، تعرض منزلها للقصف، مما أدى إلى إصابة أولادها بجروح بالغة، واضطرت العائلة للنزوح إلى دير حسان، حيث خضع مصعب لعدة عمليات جراحية.
- **الحياة في المخيمات**: عاشت مريم في خيمة ثم في مخيم الأندلس، حيث واجهت صعوبات في توفير الرعاية الصحية والتعليم لأبنائها، واضطرت للعمل في الزراعة وفتح متجر صغير.
مريم الطويل امرأة سورية كانت تعيش حياة ريفية مستقرة، حالها كحال النسوة الريفيات في سورية، غير أن الحرب المستمرة في بلادها منذ قرابة 13 عاماً أصابت استقرارها في مقتل، كحال الكثير من النساء السوريات.
المرأة الأربعينية، التي كانت جنتها على أرض تبلغ ألفي متر مربع يتوسطها منزل بسيط، وتمارس في تلك المساحة هوايتها في الزراعة وتربية الدواجن، ببلدة معرشورين بريف إدلب الجنوبي شمال غرب سورية، فارقت بلدتها منذ قرابة خمس سنوات، نازحة مع زوجها وأولادها الأربعة، يرافقهم ولد خامس (مصعب) منحته الأمومة من خلال إرضاعها له بعد أن فارقت والدته الحياة جراء قصف النظام السوري.
مريم الطويل هي زوجة خال الطفل مصعب، تبنته حينما كان عمره شهرين فقط، إذ قُتلت والدته بقصف لقوات النظام السوري عام 2012، وأرضعته مريم حتى بلغ العامين من العمر، واعتبرته واحداً من أبنائها. آنذاك كانت وعائلتها تتعايش مع ظروف الحرب في سورية قدر المستطاع، ترعى أبناءها وتمارس هواياتها الريفية بالزراعة وتربية الدواجن، وكلما اشتد القصف على القرية تنزح نزوحاً مؤقتاً بحثاً عن الأمان، حالها كحال مئات الآلاف من العائلات السورية، حتى طاول القصف منزل العائلة عام 2019 بغارة من الطيران الحربي، وأصيب ثلاثة من أولادها إصابات بالغة. حينها اضطرت العائلة للنزوح شمالاً إلى منطقة دير حسان، شمال إدلب، لقربها من المشافي، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف رحلة نزوحها، بسبب سيطرة قوات النظام السوري على بلدتها، بعد ثلاثة أشهر من الغارة التي أصابت أولادها الثلاثة.
أولى الإصابات وأخطرها كانت لولدها بالرضاعة مصعب، فقد أصيب في ساقه وبطنه وظهره، وتم إجراء العديد من العمليات الجراحية الخطرة لإنقاذه، لتبدأ بعدها مرحلة من المعاناة "هائلة ومتعبة للغاية"، بحسب مريم، مضيفة لـ"العربي الجديد": "بعد العمليات الجراحية كان مصعب بحاجة لبيئة نظيفة وصحية للتعافي، وهذا ما يصعب توفيره في خيمة بُنيت على التراب، خاصة أن مصعب كان يخرج الفضلات من خاصرته لأكثر من عام، أما ساقه فقد خسرت الكثير من العضلات وأصيب العظم بالقصر"، لكن اهتمام مريم ومتابعتها للعلاج الفيزيائي طيلة سنوات مكّن مصعب اليوم من المشي بشكل شبه طبيعي.
أما إصابة عثمان فلم تكن أقل خطورة من إصابة مصعب، فقد تضررت معظم أحشائه الداخلية. تقول مريم: "الشظايا كانت في مختلف أنحاء الجسم، لكن الضرر الأكبر كان للطحال والكبد والقولون، وبعد الشفاء الجزئي بقي عثمان لأكثر من عام له معاملة خاصة في تناول الطعام الذي اقتصر على الشوربات وبعض الأطعمة التي تضرب بالخلاط".
اعتبرت مريم أن إصابة ولدها الثالث قصي إصابة بسيطة مقارنة بوضع مصعب وعثمان، رغم تعرضه (قصي) لبتر نصف إصبع من قدمه اليسرى وخيطت يده بأربع عشرة قطبة طبية، وتعافى بعد بضعة أشهر.
مريم الطويل.. من نزوح إلى نزوح
عاشت مريم الطويل وعائلتها في خيمة دير حسان مدة ثلاثة أشهر فقط، وانتقلت بعدها لمخيم الأندلس قرب قرية زردنا بريف إدلب الشرقي حيث أقاربها ومعارفها، وانتقلت معها المعاناة أيضاً، سهرت الليالي على صحة أبنائها، أنفقت كل ما تملك على الأدوية، واستدانت المال في أحيان أخرى. كما عملت مضطرة عاملة مياومة في الأراضي الزراعية المجاورة للمخيم مقابل أجر زهيد، بعد أن كانت يوماً ما تمارسها كهواية في حقل منزلها، وفتحت متجراً صغيراً ضمن المخيم لتغلقه لاحقاً مع انخفاض المساعدات الإنسانية على الشمال السوري وضعف حركة التجارة.
معاناة مريم لم تتوقف عند صحة أبنائها وضيق الحال فقط، تقول: "أشعر بالأسى تجاه تعليم أبنائي"، مضيفة: "كان المخيم بداية النزوح يحوي خيمة تعليمية صغيرة فقط، يخضع لها الطفل في المخيم مهما كان عمره، ليذهب لاحقاً الأطفال إلى مدارس القرية المجاورة، لكن هذا واحد من الأسباب الذي أبعد عدي الولد البكر لمريم عن مقاعد الدراسة".
وتتابع: "ولدي عدي هو الشخص الأقرب لي في هذه الحياة القاسية، دائماً ما يواسيني ويهتم بأحوالي، ويساعدني بكل ما يستطيع، يعطيني أجره كاملاً من عمله في المنظفات". مضيفة: "أصعب وأقسى شعور رغم كل ما مر بي هو أن يطلب أحد أبنائي شيئاً لا أستطيع توفيره".
حكم على مريم وعائلتها عيش حياة المخيمات القاسية، برفقة ندبات جروح أبنائها، وحلمها بالعودة لبيتها الذي فارقته مرغمة، وما زالت تحتفظ بمفتاحه حتى اليوم على أمل العودة. مريم هي مثال على الكثير من النساء السوريات اللاتي تعرضن للقهر والمآسي المتكررة خلال الحرب الدائرة، وما زلن يكابرن جراحهن، وينشدن مستقبلاً أفضل وانتهاء الحرب.