قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت وزارة الصحة في غزة وجود نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وقالت إن النقص الحاد في الأدوية يلحق المخاطر بالمرضى، خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة والحالات الصعبة وذوي الإعاقة، وذكرت في بيان في بدايات سبتمبر/أيلول، أسماء عدد من الأدوية التي تحتاج فئات مرضية إليها بشكل عاجل.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنه قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت أعداد ذوي الإعاقة في فلسطين نحو 115 ألف شخص يشكلون ما نسبته 2.1% من إجمالي السكان، بواقع نحو 59 ألفاً في الضفة الغربية، يشكلون 1.8% من السكان، ونحو 58 ألفاً في قطاع غزة، يشكلون 2.6 في المائة من إجمالي السكان.
وتبلغ نسبة الإعاقة بين البالغين (18 سنة فأكثر) نحو 3 في المائة، بواقع 2.6 في المائة في الضفة الغربية، و3.9 في المائة في قطاع غزة، وتظهر البيانات انتشار الإعاقة بشكل كبير في محافظة شمال القطاع، وتبلغ نحو 5 في المائة، يتبعها محافظة دير البلح (وسط) بنسبة 4.1 في المائة.
ومنذ عام 2007، تضاعف عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة بسبب الحروب الإسرائيلية المتكررة. وحسب التقرير الصحي السنوي لوزارة الصحة في القطاع لعام 2022، بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلين 55.538 فرداً، وتشكل الإعاقة الحركية 47 في المائة.
نحو 20 في المائة من مصابي العدوان الإسرائيلي سينضمون إلى ذوي الإعاقة
داخل مدرسة ذكور رفح الإعدادية التابعة لوكالة أونروا، يعيش خالد شاهين (33 سنة) أصعب أيام حياته، في ظل النقص الحاد بالأدوية التي يحتاج إليها منذ بتر ساقه اليمنى، بعد إصابته بطلق ناري متفجر خلال مسيرات العودة الكبرى قبل 6 سنوات. كان شاهين يحصل على علاج طبيعي وعقاقير طبية متواصلة لمنع تفاقم إصابته بالبكتيريا في مكان الإصابة خلال السنة الأخيرة.
نزح شاهين من مدينة خانيونس رفقة عائلته في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسمحت لهم إدارة المدرسة بالدخول إلى إحدى الغرف بعد أن انتظروا خارجها لأكثر من يومين، كونه من ذوي الإعاقة الحركية، ويحتاج إلى رعاية رفقة والده ووالدته المسنَين، لكنه لم يحصل على مدار أسابيع سوى على أدوية قليلة، وفي بعض الأوقات يعجز عن تأمين مسكّن الألم العادي، والذي يعتبر أن مفعوله أضعف كثيراً من المسكن الذي كان يتلقاه قبل العدوان.
يقول شاهين لـ"العربي الجديد": "أعاني من تصلّب كبير في العضلة اليسرى بساقي اليسرى السليمة، كما كنت أعاني من آلام شديدة في الظهر، وتلقيت جلسات علاج طبيعي قبل العدوان على غزة لمدة أربعة شهور نتيجة ضغط على أعصاب الظهر حتى تحسنت حالتي، لكن حالتي أصبحت أسوأ، ولا يوجد علاج طبيعي، ولا أتلقى سوى نوعين من الأدوية، ومفعولهما ضعيف جداً. قضيت الشهرين الأخيرين في حالة بحث عن الأدوية، وكنت أتلقى مضاداً حيوياً لعلاج البكتيريا في مكان الإصابة، والمضادات الحيوية المتوفرة حالياً لا تجدي نفعاً، كما كنت أتلقى أدوية أعصاب ومسكنات، وجميعها غير متوفرة".
في عام 2016، أنشأ صندوق قطر للتنمية مستشفى حمد للأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي، وكان يقدم خدماته لأكثر من 800 حالة بتر استفادت من تركيب الأطراف الصناعية، كما يقدم العلاج الطبيعي المتخصص لآلاف من ذوي الإعاقة الحركية. قصف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى ليتوقف عن العمل في 15 أكتوبر الماضي، ليفقد ذوو الإعاقة في قطاع غزة خدماته، خصوصاً العلاج الطبيعي الدوري.
وتتزايد أعداد المصابين بإعاقة دائمة، سواء حركية أو سمعية أو بصرية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على المنشآت المدنية، وينضم أشخاص جدد يومياً إلى فئة ذوي الإعاقة، وهم يعانون بدون أي علاج أو رعاية صحية، فضلاً عن ذوي الإعاقة العقلية الذين لا يحصلون على العلاج منذ قصف المستشفى الوحيد للصحة النفسية في حي النصر بوسط مدينة غزة، وتعطل عشرات المراكز الصحية.
تضاعفت أعداد ذوي الإعاقة في قطاع غزة بسبب تكرار العدوان
تحول أحد المحال التجارية الفارغة في مدينة رفح إلى مكان لإيواء نازحين من عائلة الفران التي نزحت من مدينة غزة، وهم 30 فرداً يعيشون في محل لا تتجاوز مساحته 40 متراً، من بينهم شاب وشابة من ذوي الإعاقة العقلية، إذ يعاني أحمد (30 سنة) من انفصام في الشخصية وهوس حاد، بينما تعاني شقيقته سعاد (28 سنة) من تخلف عقلي، ومنذ ثلاثة أشهر لم يحصلا على الأدوية سوى مرة واحدة.
يقول والدهما عصام الفران (60 سنة) لـ"العربي الجديد": "الحصول على أدوية الصحة النفسية أصعب دائماً، خصوصاً أدوية السيطرة على الانفعالات نتيجة الكهرباء الزائدة في الدماغ، ويشير التقرير الشهري للعلاج إلى حاجة كل منهما إلى 7 أنواع من العلاج، بعضها أدوية لازمة للنوم، ولم يتوفر إلا دواء واحد دخل ضمن المساعدات، ونستخدمه في مساعدتهما على النوم، والتقيت كثيرين مثلي في عيادة صحية بمدينة رفح، وكانوا يطلبون الأدوية، ولا يستطيعون السيطرة على حالة أبنائهم منذ تغيرت بيئة منزلهم".
ويتجاوز عدد المصابين في قطاع غزة في الفترة من السابع من أكتوبر الماضي حتى مساء السبت 13 يناير/كانون الثاني، أكثر من 60317 مصاباً، ويقدر الطبيب المتخصص في علاج أمراض الجهاز العصبي، فؤاد صيام، أن نحو 20 في المائة منهم قد يصبحون من أصحاب الإعاقة بسبب استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دولياً، كما أن العديد منهم خسروا أطرافهم.
يشرف الطبيب فؤاد صيام على متابعة عدد من أصحاب الإعاقات منذ ما قبل العدوان، ويشدد على أن أدوية أساسية جداً ناقصة، مثل المضادات الحيوية وأدوية الأعصاب والمطهرات الداخلية والخارجية، وكذلك الأدوية المعززة لتقوية العضلات والمضادة للتشنجات، فضلاً عن المكملات الغذائية، إلى جانب ندرة أدوية أمراض السرطان وأمراض أخرى مزمنة.
ويضيف صيام لـ"العربي الجديد": "في ظل وجود عشرات الآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة، وغيرهم من ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى علاج دوري، فإن الرعاية الصحية من دون أدوية ومستلزمات طبية مستحيلة، ويتزامن ذلك مع تعرّض المؤسسات الطبية لأصعب عدوان في تاريخ قطاع غزة. العجز عن تقديم الخدمات الطبية وتأمين العلاج للمرضى وصل إلى نسب خطيرة تهدد حياتهم، وتنذر بزيادة الوفيات، أو تعرّضهم إلى إعاقات حتمية".
يتابع: "عدم إتاحة الفرصة لسفر مئات من المرضى والجرحى الذين يعانون من حالات خطرة، ويحتاجون إلى تدخّل عاجل يهدد بتفاقم إصاباتهم، وربما يفقدهم حياتهم، وتقدّر وزارة الصحة أعداد هؤلاء بأكثر من 6200 جريح، وهناك نسبة كبيرة من هؤلاء سيتحولون إلى أصحاب إعاقات تلازمهم طوال حياتهم، كما أن آلافا آخرين لم يصنفوا ضمن المستحقين للعلاج العاجل".
وأكدت وزارة الصحة في غزة، في بيانها الأخير في 13 يناير، أنها لم تتلق بعد الأدوية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة والجرحى المسجلين ضمن قاعدة البيانات، والذين هم بحاجة إلى علاج دوري، مضيفة أن آلية خروج المصابين والجرحى بطيئة بالمقارنة مع الحاجة إلى تدخلات عاجلة حتى لا ترتفع أعداد الوفيات.
يتنقل ماجد القاضي (35 سنة) على كرسي متحرك منذ خسر قدمه، وهو لا يستطيع تحريك ساقيه بسبب إصابة في أسفل الظهر تضررت بسببها الفقرات السفلية، ليصبح من ذوي الإعاقة، وقد حاول الأطباء إغاثته عبر عملية جراحية ليستطيع استخدام ساقه اليمنى، بينما ساقه اليسرى مشوهة بالكامل.
نجا القاضي من موت محقق مع زوجته خلال قصف إسرائيلي على حي الرمال، وقد خسرت زوجته اليد اليمنى، لكنهما لا يحصلان على أية علاجات، ومؤخراً زادت الالتهابات في ساق ماجد، وظهر تغير في لون البشرة، كما تفاقمت آلام الظهر، ويشير الأطباء إلى أنه بحاجة إلى علاج مكثف.
يقول القاضي لـ"العربي الجديد": "أنا شخص محب للحياة والتنزه، وكنت رياضياً أجري مرتين يومياً في شارع البحر قبل العدوان، والآن ستلازمني الإعاقة طوال حياتي، كما أن المسكنات ناقصة، ولا تتوفر المضادات الحيوية، والكثير من الأدوية غائبة، وفي كل مرة أذهب إلى المركز الصحي، يخبرني الطبيب أن العلاج المتاح قليل".