بالتزامن مع اليوم العالمي للمحاكمة العادلة، قالت منظمات حقوقية مصرية ودولية، إن استقلال القضاء "يتآكل بشدة في مصر، مما يعني انتهاك الحق في محكمة مستقلة ومحايدة في جميع القضايا التي تشمل محامين حقوقيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين وسياسيين معارضين ومنخرطين في أي شكل من أشكال التعبير المستقل".
وقالت المنظمات إن التقارير "تؤكد وجود مجموعة واسعة من الانتهاكات المنهجية للحق في محاكمة عادلة في البلاد، بما في ذلك الاعتقال التعسفي أو الاعتقالات أو محاكمة المعارضين أو من يفترض النظام أنهم معارضون".
وأضافت: "كما أن هناك إخفاق في المقاضاة والمعاقبة بشكل فعال على الجرائم التي ارتكبتها القوات التابعة للدولة، مثل القتل غير القانوني أو العشوائي – بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء – والاختفاء القسري والتعذيب وحالات المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
ولفتت إلى أن "هذا الإفلات من العقاب يرقى إلى مستوى انتهاك حقوق ضحايا هذه الجرائم ولا يرقى في حد ذاته إلى انتهاك حقوق المحاكمة العادلة، إلا أنه يمثل دليلا إضافيا على أن الشرطة والمدعين العامين وغيرهم من المسؤولين فشلوا في أداء واجبهم من حيث إجراء تحقيقات فعالة ومستقلة ودعم سيادة القانون".
وأكدت المنظمات أنه تم التعرف على هذا الوضع المأساوي في عدد من التقارير من المنظمات الحقوقية البارزة، وتم تصنيف الدولة على أنها "غير حرة" من قبل منظمة فريدوم هاوس، مما يؤكد – وفقًا للتصنيف بحسب سيادة القانون – على قضايا خطيرة متعلقة بحقوق المحاكمة العادلة، علاوة على ذلك، فإن مؤشر سيادة القانون لعام 2021 الصادر عن مشروع العدالة العالمية يصنف مصر في المرتبة 136 من أصل 139 دولة.
وتشير التقارير إلى أن السلطة التنفيذية وقطاع الأمن في مصر يمارسان نفوذاً كبيراً على المحاكم، التي تحمي عادة مصالح الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وغالبًا ما تتجاهل الإجراءات القانونية الواجبة والضمانات الأساسية الأخرى في القضايا المرفوعة ضد المعارضين السياسيين للحكومة، والمحامين الذين يمثلون ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وغيرهم، وحيث تفترض الدولة وجود معارضة، حسب المنظمات التي لفتت إلى أن التعديلات الدستورية التي أُجريت في عام 2019 عززت من نفوذ الرئيس المصري على القضاء وقوضت استقلاليته.
وأشارت في هذا السياق، إلى أن التعديلات "سمحت للرئيس بتعيين رؤساء الهيئات والسلطات القضائية الرئيسية، لتحل محل النظام السابق الذي بموجبه لا يوافق الرئيس رسميًا إلا على القضاة الذين تم اختيارهم داخليًا بالفعل من قبل كل هيئة قضائية على أساس مبدأ الأقدمية".
ويحكم القانون رقم 162 لسنة 1958 "قانون الطوارئ" في مصر ويؤسس محكمة أمن الدولة طوارئ للفصل في الجرائم التي تنتهك شروط حالة الطوارئ. وحُوكم العديد من منتقدي الحكومة وشخصيات المعارضة المحتجزين في محكمة أمن الدولة العليا منذ إعلان حالة الطوارئ في عام 2017. تم تجديد حالة الطوارئ مرارًا وتكرارًا وبقيت سارية حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقرارات محكمة أمن الدولة العليا ليست قابلة للاستئناف ولكنها بدلاً من ذلك تخضع لتصديق السلطة التنفيذية، حيث يمكن للرئيس تعليق أي من أحكامهم والأمر بإعادة المحاكمة.
وفي قرار صدر في أكتوبر 2021، خلصت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى أن قانون الطوارئ المصري يتعارض مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وطالبت الحكومة بإصلاح القوانين المحلية لمنع تكرار انتهاكات حقوق الإنسان. على الرغم من أن القرار تعلق باعتقال واحتجاز مقدم الطلب منذ عدة سنوات، وجدت اللجنة، في وقت قرارها، أن القانون الذي كان لا يزال ساريًا ويستخدم كذريعة لتبرير الانتهاكات المنهجية المستمرة لا يتماشى مع الميثاق الأفريقي.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، صدر بيان عن 65 منظمة حقوقية أكدت أن معايير المحاكمة العادلة يتم انتهاكها بشكل روتيني في المحاكمات أمام محاكم أمن الدولة العليا، بما في ذلك الحق في الدفاع الكافي والحق في جلسة استماع علنية. مُنع محامو الدفاع من التواصل مع موكليهم على انفراد ومنعوا من الوصول الكافي إلى ملفات القضايا ولوائح الاتهام والأحكام.
الحبس الاحتياطي: أداة عقابية لإسكات المعارضة
إلى ذلك، أكدت المنظمات أنه منذ 2013، حولت السلطات المصرية على نحو متزايد الحبس الاحتياطي إلى أداة عقابية لإسكات المعارضة.
وقالت المنظمات إن "غياب المحكمات العادلة يؤثر بشكل مباشر على المحامين وغيرهم من المدافعين عن حقوق الإنسان المعرضين للخطر، وكثير منهم أدينوا وحُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة وأحيانًا بعقوبة الإعدام" (التي لا تزال تُفرض وتُنفذ في مصر).
تؤكد التقارير زيادة استخدام عقوبة الإعدام وتنفيذها
وتؤكد التقارير زيادة استخدام عقوبة الإعدام وتنفيذها، التي صدرت في العديد منها عقب محاكمات جماعية تفتقر في الأساس إلى ضمانات المحاكمة العادلة. تحتل مصر المرتبة الثالثة في العالم من حيث عدد الإعدامات. بين أغسطس/آب 2020 وأغسطس/آب 2021، نُفذ ما لا يقل عن 176 عملية إعدام.
ودعت المنظمات الموقعة، السلطات المصرية إلى تنفيذ الخطوات التالية لضمان الحماية الكاملة للحق في محاكمة عادلة في البلاد وخلق بيئة تمكن من الحماية الفعالة لمبادئها الأساسية، وهي الالتزام بالميثاق الأفريقي، والمبادئ والإرشادات التوجيهية بشأن المحاكمة العادلة، وإعلان حرية التعبير، والأدوات الأخرى التي انضمت مصر طرفًا إليها أو يجب أن تراعيها.
كما دعت إلى الإنهاء الفوري للمضايقات والاعتقال التعسفي والاحتجاز والملاحقة القضائية وإصدار الأحكام بحق المحامين والقضاة والمهنيين القانونيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين والأفراد الذين يعبرون عن آراء معارضة فيما يتعلق بإجراءات الحكومة بشأن تهم ملفقة تستهدف منع أنشطتهم المشروعة وإسكاتهم.
وطالبت كذلك بتعديل القوانين بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الإعلام، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون الاحتجاج، وقانون المنظمات غير الحكومية، وقانون العقوبات، بما يتماشى مع التزامات مصر الدستورية والالتزامات الدولية لحماية الحق في محاكمة عادلة. وضمان واحترام مبدأ افتراض البراءة في جميع التحقيقات والملاحقات الجنائية.
كما دعت المنظمات، المجتمع الدولي، إلى الاستجابة بشكل فعال لتدهور حالة حقوق الإنسان وسيادة القانون في مصر، لا سيما عدم الامتثال لحقوق المحاكمة العادلة، وزيادة جهوده لمعالجة هذه القضايا بشكل فعال مع أصحاب المصلحة الوطنيين والدوليين، بما في ذلك الحكومة المصرية.