يأمل كثير من المهاجرين ممن يعيشون في الولايات المتحدة أو ينوون الهجرة إليها، أن تتغير سياسة البلاد الطاردة لهم طوال فترة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. التوقعات بخصوص جو بايدن متفائلة
يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أنّ عدد المهاجرين حول العالم وصل إلى أكثر من 272 مليون مهاجر خارج دولته، ويعيش خُمس هؤلاء تقريباً في الولايات المتحدة وحدها. أما عدد المهجّرين قسراً واللاجئين حول العالم فتقدرّه الأمم المتحدة بأكثر من ثمانين مليون شخص. وقد اضطرت نسبة كبيرة من هؤلاء للنزوح داخلياً أو هجّروا خارج بلادهم بسب النزاعات والحروب أو الظروف المناخية. ويعيش معظم المهجّرين والنازحين قسراً داخل بلادهم أو في الدول المحيطة بمناطق النزاعات وغالباً في ظروف قاسية.
كان الأمين العام للأمم المتحدة قد دعا أخيراً إلى اغتنام فرصة التعافي من جائحة كورونا لتطبيق الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية. وذكّر بالدور الذي يلعبه كثير من المهاجرين، خصوصاً في الأزمات كجائحة كورونا، إذ عملوا في الصفوف الأمامية، وساهموا في استمرار تقديم الخدمات في المجالات الحيوية، كالصحة والنقل والغذاء وغيرها، حتى في أوقات الحجر وتقييد الحركة. لكنّ شرائح واسعة منهم كانت كذلك من أشد الفئات المتأثرة سلباً بتبعات الجائحة، سواء بعدد الوفيات أو الإصابات بفيروس كورونا، كونهم يعملون في الصفوف الأمامية، أو بفقدان مصادر رزقهم، كما تأثروا سلباً من ناحية انخفاض أو انقطاع دخلهم، بالإضافة إلى أنّ كثيرين منهم، خصوصاً من هم من دون أوراق ثبوتية، لا يستفيدون من الضمانات الاجتماعية والمساعدات على الرغم من دفعهم الضرائب، كما هي الحال في الولايات المتحدة مثلاً. فالنظام الضريبي في الولايات المتحدة يجبرهم، حتى لو كانوا لا يملكون أوراقاً ثبوتية، على دفع ضريبة من دون أن يستفيدوا من العائدات الاجتماعية. ويصل عدد المهاجرين من دون أوراق ثبوتية في الولايات المتحدة إلى قرابة 11 مليون شخص. وتدفع نسبة عالية منهم الضرائب على أمل تسوية أوضاعهم القانونية يوماً ما، ويساعدهم دفع الضريبة على ذلك.
لم تصادق الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على الاتفاق العالمي من أجل الهجرة. وناشدت منظمات غير حكومية الإدارة الجديدة الانضمام إلى الاتفاق. كان موضوع الهجرة واحداً من المواضيع المركزية التي تمحورت حولها فترة حكم الرئيس الخاسر. وحاولت إدارته تغيير وجه الهجرة للولايات المتحدة بشكل جذري، لكنّها اصطدمت بتحديات كثيرة في بلد يفخر بأنّه تأسس على الهجرة. لكن، على الرغم من كلّ هذا تمكنت إدارة ترامب من الحدّ من نسبة الهجرة واللجوء بشكل ملحوظ. ويصل عدد المهاجرين القانونيين في الولايات المتحدة، أي الذين لم يولدوا داخل الولايات المتحدة أو خارجها لأحد والدين أميركيين، إلى قرابة 44 مليون شخص، من أصل نحو 330 مليون شخص يعيشون في البلاد. لم تكن مهمة ترامب سهلة لأنّ قوانين الهجرة معقدة ومتشعبة، لكنّه تمكن من تنفيذ نسبة غير بسيطة مما أخذه على عاتقه والحدّ من أعداد المهاجرين، خصوصاً الآتين مما يسمى بدول الجنوب، وطرد عشرات الآلاف من المهاجرين من دون أوراق.
في البداية، شيطنَ ترامب خلال حملته الانتخابية الأولى، وعقب فوزه بالرئاسة، المهاجرين من المكسيك ودول أميركا اللاتينية، بوصفهم بالمجرمين والمغتصبين، كما شيطن المهاجرين من دول ذات غالبية مسلمة بوصفهم بالإرهابيين. لكنّ سياسته لم تقتصر على التهديد والعنصرية الخطابية، بل رافقها إصدار مراسيم رئاسية تمنع دخول المهاجرين من عدد من الدول، معظمها ذات أغلبية سكانية مسلمة. كما زجت إدارة ترامب بآلاف المهاجرين الذين حاولوا الدخول إليها عبر الحدود المكسيكية في معتقلات احتجاز. كذلك، فصلت مئات العائلات بعضها عن بعض، فاحتجز الأطفال من دون أهلهم، بل رُحّل آباء وأمهات بعيداً عن أبنائهم وأجبروا على العودة إلى موطنهم الأصلي من دونهم. وبقي مئات منهم حالياً (قرابة 660 طفلاً)، في مراكز الاحتجاز من دون أهلهم. ووصل عدد المحتجزين في تلك المراكز إلى قرابة خمسين ألفاً.
يضطر المهاجرون وطالبو اللجوء المحتجزون في هذه المراكز إلى الانتظار طوال أشهر وأحياناً سنوات قبل اتخاذ قرار بشأنهم. وانخفض عددهم في السنة الأخيرة بسبب انتشار جائحة كورونا. كذلك، قلصت الإدارة الأميركية عدد اللاجئين الذين تسمح بقبولهم سنوياً من جميع أنحاء العالم ضمن برنامج خاص للاجئين ليصل عددهم إلى قرابة خمسة عشر ألف لاجئ في السنة الأخيرة، بعدما كان يصل إلى قرابة 170 ألفاً سنوياً. ورحّل ترامب سنوياً عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة من دون أوراق ثبوتية وبعضهم منذ سنوات، ولديهم أطفال وعائلات في البلاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ سياسات ترحيل المهاجرين من دون أوراق ثبوتية بالآلاف لا تقتصر على إدارة ترامب، فقد كانت قد وصلت إلى ذروتها تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إذ وصل معدل الذين رحّلهم أوباما في ولايته الثانية، من المهاجرين من دون أوراق ثبوتية، إلى نحو ستين ألفاً سنوياً. وفشل ترامب في ترحيل عدد أكبر من المهاجرين من دون أوراق ثبوتية، مقارنة بأوباما، يعود لإعلان عدد من المدن والولايات الأميركية رفضها ذلك وعدم تعاونها مع السلطات الفيدرالية المختصة، باستثناء بعض الحالات في حال إدانتهم بارتكاب جرائم ومخالفات قانونية.
يوم غد الأربعاء، سيتولي جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة. ويعقد كثير من المهاجرين أو الذين يريدون الهجرة إلى الولايات المتحدة الآمال على هذا التغيير لحدوث انفراج في أوضاعهم ومعاملاتهم القانونية بما فيها لمّ الشمل. وعلى الرغم من تعهد بايدن بوقف وتغيير عدد من سياسات ترامب ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، فإنّ الأمور أكثر تعقيداً على أرض الواقع، خصوصاً أننا نشهد حالياً تحديات جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية والصحية. ويحتاج تنفيذ تلك السياسات إلى رصد أموال ضخمة، وهنا لن تكون مهمة بايدن سهلة في ظلّ ظروف الجائحة، فما هو مؤكد أنّ سياسات الهجرة ستحتل مكاناً مهماً على سلّم أولويات بايدن. وسيتمكن بايدن من دون شك، خلال الأشهر الأولى من حكمه، من الوفاء ببعض تعهداته على الأقل. ومن بينها إسقاط أسماء الدول الثلاث عشرة - أو أغلبها - التي منع مواطنوها من السفر إلى الولايات المتحدة. كذلك، سيرفع عدد طالبي اللجوء الذين سيسمح لهم بالسفر إلى الولايات المتحدة ليعود لمستويات قريبة مما كان قبل عهد ترامب، أي نحو 125 ألف طالب لجوء سنوياً، بدلاً من 15 ألفاً كما هو حالياً. ومن المتوقع أن يوقف أوامر ترحيل المهاجرين من دون أوراق ثبوتية، وإن لفترة، أي إلى أن تجري المصادقة على سياسات أكثر وضوحاً بما فيها إيجاد حلول لقوننة أوضاعهم، خصوصاً أنّ عددهم بالملايين، ولهم عائلات في الولايات المتحدة وبعضهم يعيش فيها منذ أكثر من عشرين عاماً. ولأنّ مجلس النواب ومجلس الشيوخ تحت سيطرة الديمقراطيين، فإنّ ذلك سيسهل مهمة بايدن إلى حدّ ما. لكنّ التطبيق لن يكون سهلاً أو سريعاً، لأنّ هذا يتطلب تعيين عدد جديد من الموظفين وتدريبهم للنظر بطلبات اللجوء والهجرة بأعداد أكبر وتنفيذها.
ومن المتوقع أن يوقف تمويل بناء الجدار على الحدود المكسيكية - الأميركية، وأن يصدر بايدن مرسوماً رئاسياً ينهي حالة الطوارئ التي أعلن عنها ترامب عندما لم يتمكن من الحصول على قرابة 15 مليار دولار لاستكمال تمويل بناء الجدار. وسمحت إجراءات الطوارئ بتحويل قرابة عشرة مليارات دولار من ميزانية الدفاع وميزانيات أخرى لبناء الجدار، إذ كان الكونغرس قد خصص 4.5 مليارات دولار فقط لبنائه. وكان بايدن قد أعلن أنّه غير معنيّ ببناء الجدار، خصوصاً أنّ هناك ما يكفي من الحواجز على طول الحدود، ما يحول دون وقوع عمليات تسلل واسعة.
وأظهرت جائحة كورونا مجدداً الدور الحيوي والرئيسي الذي يلعبه المهاجرون في الدول الغنية، بما فيها الولايات المتحدة، على الخطوط الأمامية، سواء في مجال الرعاية الصحية أو القطاع الزراعي والمطاعم والمتاجر على سبيل المثال لا الحصر. وعلى الرغم من وجود سياسات هجرة أميركية قد تكون عموماً أفضل من سياسات كثير من الدول الأوروبية، فإنّ نظام الهجرة الأميركي يحتاج إلى إصلاحات بعضها جذري وأكثر جرأة. واستفادت الولايات المتحدة بشكل لا يستهان به من هجرة العقول والخبرات من جميع أنحاء العالم إليها، وهو ما ساعد في استمرار نهضتها وقدرتها على تجديد نفسها. ويدرك بايدن أنّ إصلاح نظام الهجرة ضروري، لكن، من غير الواضح إلى أيّ مدى سيتمكن من إنجاز ذلك بسرعة في ظل المصاعب الاقتصادية والتوتر والاستقطاب الداخلي، من دون أن يستغل اليمينيون في الحزب الجمهوري ذلك للتحريض، كما فعل ترامب وتمكن من استقطاب كثيرين من حوله.