موت في سدود وأودية المغرب

24 اغسطس 2022
أطفال في بركة مياه في المغرب (كريس جاكسون/ getty)
+ الخط -

شهد المغرب، في الفترة الأخيرة، عدداً من حوادث الغرق في الأودية (مجارٍ مائية) والسدود والأماكن غير المحروسة، ذهب ضحيّتها أطفال وشباب، الأمر الذي جعل عائلات كثيرة تعيش في حالة من الصدمة والقلق في آن.
ومنذ بداية فصل الصيف الحالي في المغرب، تتوالى حوادث الغرق في المواقع المذكورة، ولا يمرّ يوم من دون أن تسجّل وسائل الإعلام المختلفة خبر غرق ينتهي بوفاة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب تكرّر مثل هذه الفواجع سنوياً، وحول مدى توفّر المراقبة على تلك المساحات وتوفير بدائل للشباب توقف نزيف الأرواح هذا. ففي 21 أغسطس/ آب الجاري، أمرت النيابة العامة المختصة بالدائرة القضائية سطات (وسط المغرب)، بإجراء تشريح طبي على جثة طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات، لتحديد سبب الوفاة بدقة، بعدما انتهت نزهة قصيرة على ضفاف نهر أم الربيع بغرق الطفلة في أعماق النهر.

وبحسب تقرير وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية (مؤسسة حكومية)، فقد سجلت إلى حدود بداية شهر أغسطس الجاري 151 حالة غرق بكل من جهة الدارالبيضاء-سطات وجهة الرباط-سلا-القنيطرة وجهة بني ملال-خنيفرة. ويلفت التقرير، الذي صدر أخيراً، إلى أن قعر السدود يحتوي على كمية هائلة من الأوحال، مما يجعل الصعود إلى سطح الماء صعباً عند الغرق، وبالتالي تصبح فرص النجاة قليلة، لافتاص إلى أن السباحة في البحيرات تتطلب جهداً مضاعفاً بالمقارنة مع السباحة في البحر الذي تسمح كثافة مياهه للجسم بأن يطفو فوق الماء.
وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، لقي طفلان، يبلغان من العمر 10 أعوام و14 عاماً على التوالي، مصرعهما غرقاً في صهريج مائي بإحدى الضيع الزراعية في قصر إخف نيغير، بجماعة (بلدية) سيدي علي بإقليم الرشيدية جنوب شرقي المغرب. وقبلها بنحو تسعة أيام، انتُشلت ثلاث جثث لشباب لقوا حتفهم في أماكن متفرقة بوادي أمّ الربيع وسط البلاد، على الحدود بين إقليمَي سطات والجديدة. كذلك انتهت في 13 يوليو مغامرة شقيقَين يبلغان من العمر 14 و17 عاماً بالغرق، علماً أنّهما كانا في رحلة استجمام بمنتجع أسكا في ضواحي أزيلال وسط المغرب.
ومع توالي حوادث الغرق، كان تدخّل للبرلمان المغربي، إذ حذّر من مخاطر السباحة في السدود والبحيرات تفادياً لغرق مواطنين، وقد طالبت الكتلة النيابية لحزب "التجمع الوطني بالأحرار" (قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب) وزير التجهيز والماء نزار بركة بضرورة التدخّل واتّخاذ إجراءات للحدّ من حوادث الغرق وضمان تدابير السلامة لقاصدي تلك المواقع.
وبالتوازي مع ذلك، دقّت هيئات حقوقية وفعاليات مدنية ناقوس الخطر، من بينها المكتب الإقليمي لـ"المنتدى المغربي للمواطنة وحقوق الإنسان" في سيدي قاسم غربي البلاد. فقد طالب المكتب الإقليمي للمنتدى الجهات المعنية بتشكيل لجان يقظة خاصة بالتتبّع والتوعية وتخصيص دوريات مشتركة بين السلطة المحلية والدرك الملكي، طيلة فترة الصيف، لمراقبة مدى التزام مرتادي تلك المواقع بالإرشادات المقدّمة لهم بخصوص منع السباحة في الوديان.
وبينما حمّل المكتب الإقليمي للمنتدى الجهات المعنية مسؤولية إزهاق أرواح الأبرياء في ظلّ العجز المرصود في توفير بدائل للسكان من مسابح ومتنزّهات، يرى رئيس "المركز المغربي لحقوق الإنسان" عبد الإله الخضري أنّ "أرواح الشباب، الذين لا يجدون متنفّسا سياحياً للترفيه والاستجمام في متناولهم، تذهب هباء بسبب غياب منتجعات عمومية مرخّص لها". 
ويلفت الناشط الحقوقي لـ"العربي الجديد" إلى "مشكلات كثيرة ترتبط بضعف المقاربة الحمائية في ظلّ تضارب الاختصاصات حول مسؤولية مراقبة السدود والأودية وتجهيزها بإشارات توجيهية تبيّن خطورة السباحة". يضيف: "يؤسفني القول إنّ ضعف المقاربة الحمائية يتجسّد في كلّ شيء يتعلق بمصير المواطنين إلا في حدود ضيقة جداً، لكن في المقابل أيضاً، ثمّة غياب لثقافة الحذر لدى المواطنين. فالمجازفة من خلال السباحة في مناطق خطرة أمر لا يمكن تصنيفه إلا سلوكاً متهوّراً".

متنزه عند واد في المغرب (فريديريك سولتان/ Getty)
ثمّة عجز في توفير بدائل من مسابح ومتنزّهات (فريديريك سولتان/ Getty)

وفي محاولة لمواجهة وفيات الأطفال والشباب غرقاً في السدود والأودية، أطلقت وكالات الحوض المائي (حكومية) أخيراً حملات توعية في مختلف مناطق المغرب تهدف إلى الحدّ من مخاطر السباحة في السدود والأودية. وفي هذا الإطار، كان لافتاً إطلاق وكالة الحوض المائي لأمّ الربيع، حملة توعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود والأودية تحت شعار "الماء منبع حياتك.. لا تجعله سبب مماتك"، الهدف منها تقليص حالات الغرق وذلك طيلة فصل الصيف.
ويفيد مصدر مسؤول، في الوكالة فضّل عدم الكشف عن هويته، "العربي الجديد" بأنّ "السباحة في السدود والأودية تعرف تزايداً كبيراً من سنة لأخرى، من دون الوعي بالمخاطر المترتّبة عنها، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع نسبة ضحايا الغرق في هذه الفترة من السنة، خصوصاً بين الأطفال والشباب".
ويوضح المسؤول أنّ "خطورة الأحواض التي توحي بأنّها آمنة للسباحة تتمثّل في احتوائها على كميات كبيرة من الأوحال التي تُعَدّ السبب الرئيسي في غرق بعض قاصديها، مهما بلغت مهارتهم في السباحة. كذلك تكمن خطورة هذه الأحواض في كثافة المياه وعمقها، والتي يمكن أن تتجاوز أحياناً 100 متر، إلى جانب ضفافها غير المؤهلة والتي لا تسمح بسهولة الوصول إلى المياه".
ويلفت المسؤول نفسه إلى "صعوبة المراقبة الدائمة على مستوى كلّ حقينات السدود والأودية المنتشرة على امتداد مساحة تدخّل وكالة الحوض المائي لأمّ الربيع"، شارحاً أنّه "بهدف تجاوز ذلك، تُوضَع لوحات دالة على مواقع السدود تبيّن أنّ السباحة ممنوعة بشكل كلّي في حقيناتها، وكذلك في الأماكن الأخرى التي يتوافد عليها الناس". يضيف أنّ "وكالة الحوض تسعى بالتنسيق مع السلطات المحلية إلى الحدّ من حالات الغرق معتمدة على التوعية، خصوصاً أنّ شساعة محيط السدود على مستوى حوض أمّ الربيع وانفتاحها على بعض التجمّعات السكنية، بالإضافة إلى منافذ غير آمنة بمحيطها، تشكّل كلها خطراً على مرتادي المواقع، الأمر الذي يجعل من عمليات التوعية عاملاً مهماً لتقليص مخاطر السباحة".
وتعتمد الوكالة في حملتها على أنشطة توعية من قبيل توزيع مجموعة من وثائق التوعية (ملصقات ولافتات ومطويات...) بالإضافة إلى بثّ تسجيلات توعية عبر أبرز وسائل الإعلام الوطنية والمحلية، وكذلك اعتماد التواصل الرقمي في السياق نفسه.
من جهته، يرى الناشط المدني والباحث في مجال قضايا الشباب عبد الواحد الزيات أنّ "الحوادث التي تخلّف مآسي وحزناً في العائلات ومكوّنات المجتمع تقتضي طرح بدائل لأطفال وشباب العالم القروي والمناطق التي تخترقها الأنهر والوديان أو تتضمّن سدوداً في غياب الضفاف". ويشدّد الزيات، لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة تمكين هؤلاء من حقّ التخييم، وتوسيع قاعدة الاستفادة من خلال احتضانهم من قبل جمعيات اجتماعية في قطاعات عدّة".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ويسجّل الزيات أيضاً "غياب الاهتمام في توسيع أهداف ومقاصد صندوق تنمية العالم القروي والمناطق الجبلية، لتشمل تشييد وإنشاء مرافق اجتماعية-رياضية وتنشيطية لأبناء العالم القروي"، لافتاً إلى أنّ "الأمر يتطلب توحيد الجهود بين جميع المتدخّلين لاستحضار رؤية متكاملة ومنصفة وعادلة لأبناء العالم القروي وحقّهم في العطلة مع شروط الحماية والاستمتاع".

المساهمون