قضت الرضيعة السورية شموخ كليب التي لم يتجاوز عمرها السنة وشهرين في مخيم معمل اللبن في قرية كفر يحمول شمالي إدلب، منذ أيام قليلة، نتيجة موجة الحرّ المستمرة، وافتقار خيمة أسرتها لوسائل التخفيف من درجات الحرارة التي تتحول معها الخيام إلى نيران مشتعلة تهلك الصغار والكبار.
وقال والد الطفلة شموخ لـ "العربي الجديد"، إنّ ابنته "توفيت بسبب توقف قلبها في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالية، وهو ما أكده له تقرير مستشفى "شفق" عن أسباب الوفاة.
وأضاف أن "حالتها بدأت تسوء منذ بداية موجة الحر وترتفع حرارتها بشكل كبير، ولم تجدِ معها الوسائل المتاحة التي اتخذتها عائلتها لإنقاذ حياتها كوضع الكمادات المستمرة على رأسها إلى أن توقف قلبها الصغير دون أن تتمكن محاولات الإنعاش المتعددة في المستشفى من إسعافها".
لا ينكر الوالد أن ثمة مشاكل صحية كانت تعاني منها الطفلة ومنها ضعف مناعي شديد، إلا أن الظروف المعيشية السيئة، والوضع الصعب في المخيمات وارتفاع الحرارة كانت السبب المباشر وراء تفاقم حالتها ووفاتها.
وسُجّلت بضع حالات إغماء، أخيراً، لأطفال وكبار سن في مخيمات إدلب، كما ظهر الكثير من الأمراض التي يعاني منها الصغار في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة وأهمها التهاب السحايا، والجدري والحساسية.
ومن تلك المخيمات كان مخيم التح القريب من بلدة باتنته بريف إدلب الشمالي، والذي تحدث مديره عبد السلام اليوسف عن تلك الحالات وبخاصة النساء الحوامل والمصابين بمرض الربو، الذين كانوا الأكثر تأثراً بارتفاع درجات الحرارة.
ويبلغ عدد المخيّمات في الشمال السوري 1489 مخيماً، يقطنها نحو 328 ألفاً و485 عائلة، أي مليون و512 ألفاً و764 نازحاً، نسبة الأطفال تبلغ 56 بالمائة والنساء 23 بالمائة، وفق إحصائية لفريق "منسقو استجابة سورية".
وقال سليم عثمان وهو أحد ساكني مخيمات شمال إدلب، إن الوضع المعيشي العام في المخيمات "كارثي مع ارتفاع درجات الحرارة، وخاصة مع افتقارنا للمياه النظيفة التي زاد استهلاكها بشكل مضاعف، فهي وسيلة التبريد الوحيدة في المخيم".
ولم يستطع عثمان إخفاء قلقه على أطفاله من مغبة استمرار الوضع على ما هو عليه من ارتفاع درجات الحرارة وقلة وسائل التبريد، لافتاً إلى أنه يشتري المياه على نفقته الخاصة ويستخدمها في الشرب وتحميم أبنائه لتبريد أجسادهم الصغيرة.
وأكد لـ "العربي الجديد" أن مخصصاتهم من المياه لم تعد كافية على الإطلاق، وخاصة وأنها قليلة بالأصل ولا يتم توزيعها إلا كل عشرة أيام، لافتاً إلى افتقار مخيماتهم إلى شتى الخدمات الأساسية ليس المياه وحسب وإنما الكهرباء والغذاء وشبكات الصرف الصحي.
وأفاد بأن "الخيام المصنوعة من النايلون تضطرنا إلى الهرب منها مع موجة الحر، والجلوس في ظلال أشجار الزيتون من الظهر حتى اقتراب مغيب الشمس".
وطالب بتدخل عاجل من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في شمال غرب سورية، قصد تأمين كميات كافية من مياه الشرب والعمل على تزويد المخيمات بوسائل تبريد عاجلة في ظل استمرار موجة الحر.
من جهته، تحدث الطبيب نادر اليوسف الأخصائي بأمراض الأطفال، عن مخاطر تعرض الأطفال لموجات الحر وأشعة الشمس المباشرة التي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على أجسامهم الصغيرة وتسبب ما يسمى الصدمة والإنهاك الحراري، وهي حالة تحدث عند تعرض الجسم للحرارة الزائدة.
وتابع لـ"العربي الجديد" أن التعرق بغزارة وتسارع نبضات القلب، التقلصات الحرارية وارتفاع حرارة الجسم من أهم الأعراض المصاحبة للمرض.
وذكر أنه مع تواصل الحرارة المرتفعة في الجو وعدم حصول الشخص على كمية كافية من المياه والسوائل لتعويض ما يفقده من العرق يصاب الجسم بالجفاف الذي يفضي إلى تقليل حجم الدم في الجسم، ويقود انخفاض حجم الدم إلى نقص الواصل منه إلى الأعضاء الحيوية مثل الكلى والدماغ، مما يؤدي إلى تلف في خلاياها، محذراً من أن اجتماع الأعراض السابقة يقود إلى الوفاة، التي يمكن أن تحدث خلال فترة قصيرة.