يقف القصف شبه اليومي للنظام السوري وروسيا على ريف إدلب في شمال غربي سورية، وتحديداً قرى جبل الزاوية وحقولها غرب المحافظة، عائقاً أمام جني المزارعين محصولهم من الزيتون هذا العام أيضاً. فالكثير من الحقول باتت تحت مرمى النيران، ما ينذر بحرمان أهالي المنطقة مورداً معيشياً مهماً ويهدد حياة من يجازفون بسلامتهم لجني محاصيلهم ومصدر رزقهم الوحيد الذي ينتظرونه طيلة العام.
وتقول صبحية الفهمي (31 عاماً) التي تستعد للانطلاق في رحلة القطاف اليومية مع ساعات الصباح الأولى، لـ "العربي الجديد": "أشو جابرك (ماذا يجبرك) على المر غير الأمر؟"، في إشارة إلى صعوبة الأوضاع التي تعيشها داخل مخيمات قاح الحدودية، والتي تفتقر إلى الخدمات المتنوعة والاحتياجات الأساسية، ما دفعها للعمل من أجل تأمين دخل تعيل به أبناءها الأربعة بعد وفاة زوجها، على الرغم من صعوبة العمل وخطورته تحت القصف المستمر. تضيف: "خوفي على أبنائي من الجوع والبرد في الشتاء الذي نحن على أبوابه، فاق خوفي من قصف النظام، ما دفعني إلى العمل. هو الفرصة الوحيدة التي أتيحت لي". وعن آلية عملها، تتابع أنهم يغادرون المخيم منذ ساعات الصباح الأولى مع صاحب الأرض الذي يؤمن لهم مواصلات ينطلقون بها إلى جبل الزاوية ليصلوا بعد ساعة ونصف الساعة تقريباً، ويبدأون القطاف بعد تفقد المكان خشية وجود أي قنابل أو مخلفات حرب غير منفجرة".
أحاديث عمال الورشة ومزاحهم ونقاش الأوضاع الراهنة تزيل بعض الرهبة والخوف من القصف الغادر الذي يمكن أن يطاولهم في أي لحظة. وينتهي عمل الورشة مع غروب شمس اليوم فيحمل صاحب الأرض ما تم جمعه إلى المعصرة، بينما تعود الورشة أدراجها إلى المخيمات فيبيتون ليلتهم بعد يوم شاق وينطلقون في صباح اليوم التالي إلى حيث انتهاء الموسم.
وغالبية ورشات القطاف هي من النساء النازحات المعيلات لأسرهن ممن ضاقت بهن الحياة وانعدمت أمامهن السبل ووجدن في العمل ضمن موسم الزيتون فرصة تساعدهن على تأمين قوت أبنائهنّ وتحمل بعض الأعباء الملقاة على كواهلهن.
فاطمة شبيب (40 عاماً) تنتظر موسم قطاف الزيتون بفارغ الصبر للاستفادة مما يمكن أن يعود عليها العمل في قطافه من مال تنفقه في مشاريع معدة مسبقاً وأهمها مؤونة الشتاء ومواد التدفئة. تقول لـ"العربي الجديد" إن حظها التعيس قادها هذا العام إلى حقول جبل الزاوية الواقعة تحت القصف، إذ كانت تتوقع التوجه لمناطق أكثر أمناً، لكن ذلك لم يتح لها ووجدت نفسها تعمل في أراضٍ تشكل خط مواجهة مع قوات النظام. تضيف: "أصوات القذائف اليومية ترهب المكان وتبعث الرعب في قلوبنا، وندعو الله طوال الوقت أن يمضي النهار على خير ونتمكن من العودة بسلام إلى عائلاتنا".
والعمل في الزيتون ضمن محافظة إدلب هو عمل موسمي له فوائد خاصة، ويتزامن مع حلول فصل الشتاء، لكن خسارة مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالزيتون انعكست سلباً على سكان المنطقة، وحرمتهم العديد من فوائد كانوا يكسبونها في موسم القطاف الذي يمتد لنحو شهر، ويبدأ مع أول هطول مطري على المنطقة وغالباً مع يكون مع بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
محمد أبو جاسم من بين العاملين في قطاف الزيتون، يقول لـ "العربي الجديد" إن "الخطر في هذا العمل يكون خلال عملية التوجه لكروم الزيتون والعمل فيها، كون سيارات نقل العمال تكون معرضة للاستخدام من قبل قوات النظام. في الوقت الحالي، هناك مخاوف من تجدد التصعيد في أي لحظة، لا سيما أن التوتر لا يزال قائماً وقوات النظام تقصف بين فترة وأخرى". يضيف: "يجب أن نستيقظ مع الفجر، هناك أرض قريبة من خطوط التماس والعمل فيها خطير، لكن ليس هناك بديل، فلقمة العيش مساوية في حالنا للحياة، لدينا أطفال بحاجة الطعام. الجيد أننا قد نجمع بعض الأعواد لاستخدامها في التدفئة، وقد نحصل على الزيتون أيضاً. كل شيء في الحياة بثمن. الوضع السيئ هو ما يدفعنا للمغامرة والعمل في ظل هذه الظروف الصعبة".
ويقول الدفاع المدني السوري في بيان إنه "مع اقتراب موسم قطاف الزيتون يعيش المزارعون والعمال حالة من الخوف نتيجة مخاطر الذخائر غير المنفجرة، والتي قد تكون موتاً محققاً لهم، وخصوصاً أن حملة التصعيد الأخيرة لقوات النظام وروسيا زادت من تلك الذخائر. التعامل الواعي مهم جداً لحماية الأرواح بحال العثور على مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة أو مشاهدتها، وعدم الاقتراب منها أو لمسها وإبلاغ فرقنا فوراً. وتسعى فرقنا لتعزيز الوعي بين السكان بالإضافة لعمليات المسح والإزالة".
ويوضح الناشط الإعلامي عدنان الطيب، لـ "العربي الجديد": "بالنسبة لقطاف الزيتون، سواء في مناطق ريف إدلب الجنوبي ومناطق ريف إدلب الغربي، وحتى المناطق عند خطوط التماس بين الجيش وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يعاني ملاك الأراضي والعمال من مخاوف كبيرة، وخصوصاً أنه خلال الفترة الأخيرة التي صعدت فيها قوات النظام وروسيا من حدة القصف على المنطقة، تسببت بانتشار مخلفات الحرب بشكل كثيف، وخصوصاً القنابل غير المنفجرة العنقودية، في ترمانين ودارة عزة والأتارب، وكثير من الأراضي والمناطق الزراعية قصفها النظام بهذه الأسلحة المحرمة دولياً، وأصيب أكثر من 3 أشخاص مؤخراً في بلدة ترمانين بسبب ذلك. المزارعون أيضاً يعانون بشكل كبير من انتشار مخلفات الحرب، والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة في سبيل التخلص من مخلفات الحرب، ويعمل أيضاً على توعية المزارعين. ومن الجيد أنه في حال العثور على مخلفات حربية ضمن الأراضي الزراعية، تستجيب فرق الدفاع المدني على الفور لإزالتها".