تغمُر أجواء السعادة الممزوجة بالروح التراثية موسم قطاف الزيتون في فلسطين، إذ تتحول أيام قطف الثِمار إلى فعاليات وأنشطة وطنية، تسودها الأجواء التقليدية والفلكلورية الفلسطينية الأصيلة.
ويُعتبر موسم قطف الزيتون، والذي يبدأ في أواسط شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وأوائل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، عيدًا يشارك فيه جميع أفراد الأسرة من كبيرهم الذي ورث حُب الأرض، حتى صغيرهم الذي يتنقل بين شجيرات الزيتون، إلى جانب قيام العديد من المؤسسات المحلية والأهلية والرسمية والوزارات والمعاهد والجامعات والمدارس بالمُشاركة في فعاليات وأنشطة هذه المُناسبة السنوية.
ويحتاج قطف الثِمار الصغيرة عن الأشجار، ثم جمعها عن الأرض وتعبئتها في سِلال، أو أكياس، ونقلها إلى الأسواق، أو المعاصر لعصر الزيت، إلى مجهود كبير، ما يستدعي مُشاركة مختلف الفئات المجتمعية إلى جانب المُزارعين، من أجل إنهاء القطف في وقت مبكر.
وتبدأ مراسم يوم القِطاف، والذي تتجمع فيه العائلة، برفقة من يود مُساعدتها من الجيران أو المجموعات الشبابية، بالفطور الفلسطيني التقليدي المكون من الزيت والزعتر والأجبان والخضروات، وشرب الشاي والقهوة المصنوعة على نار الحطب، ومن ثم جمع "الزيتون الجرجبر"، وهو الزيتون المتساقط بين الأشجار، وتسوية الأرض.
وبعد إتمام التجهيزات الأولية، ينطلق المُشاركون لفرش أسفل الأشجار بالشوادر أو الفراش القماشي، أو النايلون المفرود "الأكياس البلاستيكية المفروشة"، واعتلاء الأشجار، سواء بالتسلق البسيط، أو عبر السلالم الخشبية والحديدية، وقطف الحبيبات يدويًا وإلقائها على الأرض، ومن ثم تجميعها وفرز الصالح منها، وتعبئة المحصول في أكياس تجهيزًا لبيعه أو عصره أو تخزينه.
ومن أبرز طقوس الموسم، اعتماد المُشاركين على القطف اليدوي، بدون استخدام العصا، وذلك حتى لا يتم كسر التل الجديد، والذي يعتبر زهر الزيتون للموسم القادم، إلى جانب تفادي الضرر الذي يمكن أن يصيب المحصول.
وتشهد الأراضي الزراعية في المناطق الشرقية لقطاع غزة العديد من الفعاليات المُشتركة لقطف الزيتون، حيث نظمت بلدية خزاعة، جنوبي قطاع غزة، اليوم الاثنين حفل افتتاح موسم قطف ثمار الزيتون للعام 2022، بمُشاركة المؤسسات المحلية والمزارعين، وسط أجواء تراثية.
وتعُم الملامح التراثية أجواء بداية الموسم باللباس الفلسطيني للأطفال، والتقليدي للكبار، وسط أجواء من الفرحة، التي تعبر عنها السيدات بالزغاريد، إلى جانب الطبول والغناء التراثي والعروض الكشفية، وخبز الطابون، والشراك على الحطب.
وعن مُشاركته، يوضح الشيخ حمدان أبو روك أن الأبناء والأحفاد يحصدون ما زرعه الأجداد، و"مع انطلاق الموسم يبدأ الناس بمُساعدة بعضهم البعض، وتحضير الزاد والمشروبات التي تُعينهم على إتمام طقوس الموسم، والتي تعتبر أجواء فلسطينية بامتياز، بما فيها من تجمع تحت شجر الزيتون، أو داخل الأراضي الزراعية، أو ترديد الأغاني والفقرات التراثية، والتي تُشعل الحنين إلى البلدات والمُدن الفلسطينية المُحتلة".
ويصِف أبو روك، في حديث مع "العربي الجديد"، موسم الحصاد بأنه عبارة عن عُرس فلسطيني، يتشارك فيه الكِبار والصِغار، بهدف إحياء تراث الآباء والأجداد، مضيفًا "يحتفظ موسم القطاف منذ عشرات السنوات بالملامح التراثية ذاتها، إلا أن الشيء الوحيد الذي اختلف هو أن الصغار قد كبروا، وباتوا يشاركون في الموسم مثل أجدادهم".
وتحولت المُشاركة الأسرية والعائلية والمُجتمعية في لحظات قطف الزيتون إلى أجواء احتفالية، بدأت مُنذ القِدم بترديد الأغاني والأهازيج الوطنية التراثية، مثل "على دلعونة وعلى دلعونة زيتون بلادي أجمل ما يكونا، زيتون بلادي واللوز الأخضر والميرامية ولا تنسى الزعتـر"، "يا زيتون الحواري صبح جدادك ساري، يا زيتون اقلب ليمون"، "على دلعونة وعلى دلعونة، بارك يا ربي شجر الزيتونا"، "يا ميجنا ويا ميجنا، غَرِّد يا بلبل على زيتوننا"، إلى أن وصلت في الوقت الحالي إلى ترديد الأغاني الوطنية التقليدية، وصناعة لوحات فلكلورية من الدبكة الشعبية، علاوة على لوحات تراثية من الدحية البدوية.
وينغمس المُشاركون خلال لحظات الحصاد في العمل، فيما تظهر علامات السعادة واضحة على ملامحهم، وهم في أحضان شجرات الزيتون، والتي تحظى بمكانة كبيرة، وخاصة لدى الشعب الفلسطيني، الذي يرتبط بها ارتباطًا معنويًا، وقد باتت رمزًا وطنيا وتراثيًا لفلسطين وأرضها وشعبها، حيث يقول الخبراء إن أول شجرة تم غرسها في فلسطين هي الزيتون.
أما الفلسطينية صباح القرا، من منطقة خزاعة، فتقول إن موسم الزيتون "هو موسم فرح وسعادة للمزارعين، وعموم المناطق الزراعية التي تنتظر حلول موسم القِطاف، حيث يبدأ الفلسطينيون بصناعة المخلل والزيت، والذي يعتبر مونة للسنة، ومونة للفلاح، فيما يشهد طقوسا احتفالية فلكلورية، تبدأ خلالها النساء بصناعة خبز الشراك والزلابيا، وسط الأغاني والأهازيج التي تُحفِز المزارعين على القطف".
وتتجسد الملامح الفلسطينية جلية في هذه المُناسبة الوطنية والتراثية، والتي توارثتها الأجيال الفلسطينية منذ ما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، والتي طردت خلالها العصابات الصهيونية الفلسطينيين قسرًا من مُدنهم وقراهم الأصلية، ليبقى موسم الزيتون، بفعالياته المتنوعة، رمزًا يربط الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم الوطنية والتراثية.