ناجون من زلزال سورية يستعيدون اللحظات المؤلمة: ما زلنا نسمع أصوات الأحبة الضحايا
آلام الفقد لا تنتهي سريعا، فرغم مرور عام على كارثة الزلزال الذي ضرب شمال غربي سورية والجنوب التركي في السادس من فبراير/شباط 2023، وتسبب في خسائر كبيرة، وذكريات لم يمحها الزمن، تُبعث من تحت الأنقاض بأصوات وضحكات أصحابها كلما جاء طيفها. ننقل شيئا منها كما يرويها أفراد عائلة غنام لـ"العربي الجديد".
أطفال كثر ماتوا في الزلزال
عائلة غنام، التي تتحدر من بلدة عزمارين بريف إدلب، فقدت 70 شخصا في الزلزال، وبعد مضي عام على وقوع الكارثة، ما زال فارس غنام يعيش ألم فقدان ابنه وأحفاده، ويقول لـ"العربي الجديد": "عزمارين تضررت كثيرا"، مشيرا إلى أن الأمطار والظروف الجوية التي تزامنت مع الزلزال ضاعفت صعوبة دفن الجثث على مدار يومين بعد انتشالها من تحت الأنقاض.
"فراق الأحبة صعب جدا، فقدت زوجتي وابني و4 أطفال"، قالها فارس، مشيرا إلى أن أصدقاء أحد أبنائه يذكرونه دوما به كلما شاهدهم في الطرقات، مضيفا: "كنت راضيا عنه"، مسترجعا مشهد المنزل المتهدم على من فيه والذي يصفه باللحظة الأصعب، ويقول "أطفال كثر ماتوا في الزلزال، أرجو أن يكونوا حمامات سلام".
خطوات فارس في عزمارين تذكره بأبنائه، فـ"كل خطوة أخطوها وكل مكان كان يعمل فيه ابني لا يذهب من بالي، ذهب وأسرته تحت الأنقاض"، واصافا شعوره عندما يمر في الحارات المدمرة بأنه "شعور صعب للغاية. أذكر أحفادي عندما كانوا ينادون من منزلهم، أصواتهم ما زالت في أذني".
نداء من تحت الأنقاض
"تاريخ الزلزال لا يمكن أن ننساه"، قالها علاء غانم لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "نحن العائلة الأكبر في عزمارين منذ أكثر من 300 سنة هنا، بسبب عدد العائلة الكبير كان لنا النصيب الأكبر من الشهداء في البلدة و4 أطفال في تركيا".
"كنا نحاول النداء على أقاربنا تحت الأنقاض على أمل أن نسمع صوت من نحب ولكن دون جدوى"، هكذا كان حال علاء مستذكرا لحظة الزلزال بقوله: "استيقظنا على أرض تهتز وأصوات انهيارات. كان صوت الأرض مخيفاً لدرجة يستحيل نسيانه. البلد تغير والناس الذين نحبهم لم يعودوا موجودين. لم نستوعب حجم الصدمة الكبيرة في تلك الليلة"، مضيفا: "كنا نحفر بأيدينا حتى يسيل الدَّم منها، كانت المُعِدَّات بسيطة وكنا نعمل على أمل إخراج ناجين من تحت الأنقاض، لم نعد نشعر بما يحدث. البناء تهدم وفيه أولاد أعمامي، نجت أمي وأخي وفقدنا 17 شخصا من العائلة".
"سمعت صوت عمي عندما انهار البناء، كنت آمل أن أنقذه، ولكن عندما وصلنا إليه وجدناه ميتا"، كان ذلك الموقف الأصعب الذي مر على علاء، واصفا ما أحس به في تلك اللحظات بأنه "شعور خِذْلان وشعور تأنيب ضمير، ضاعفه دفن من تحبهم بيديك، أمرُ صعب".
20 ساعة تحت الأنقاض
حينما يفصل بينك وبين أهلك جدار ولا تملك القدرة على إيقاظهم، ثم تغيب عن الوعي لساعات وتستيقظ فتجد كل شيء قد انهار ولا تذكر أسماء من حولك، هكذا كان حال مصطفى غنام.
يقول لـ"العربي الجديد": "انهار البناء ولم أكن قادرا على إيقاظ أهلي في الغرفة الأخرى. غبت عن الوعي، وعندما استيقظت كنت قد نسيت الجميع، لم أذكر سوى أخي أحمد الذي توفي في الغرفة بالقرب مني، بقيت عالقًا 20 ساعة تحت الأنقاض، أخرجوني الساعة 11 ونصف ليلا، نقلوني لمشفى الرحمة في دركوش. وأنا في المشفى علمت أنّ عمي وأخي أحمد وبعض الأقارب والجيران قد ماتوا".
وتابع مصطفى "عندما انهار البناء غبت عن الوعي بشكل كامل لحوالي 3 ساعات، عندما استيقظت بدأت أتذكر، شيئا فشيئا، كنت قد نسيت أسماء إخوتي وأبي بعدما صحوت. بعدها بقيت حوالي 20 ساعة تحت الأنقاض، في الساعات الأولى كنت أسمع أناسا ينادون وأصواتهم بعيدة من البناء المنهار، بعدها أصبحت أسمع الدفاع المدني والجرافة. أحد أفراد الدفاع المدني نادى على اسمي، ورددت عليه، وقال إنه يسمعني، وردّ بأنه سيخرجني بعد نصف ساعة. تقديري أنهم بقوا أكثر من 3 ساعات وهم يحاولون إخراجي، عندما أصبحت الساعة 11 ونصف ليلا تمكنوا من إخراجي إلى المشفى".
وأصعب ما يعانيه الشاب في الوقت الحالي هو الشعور بالفقد، وهذا الشعور في الغالب يصاحبه وقت النوم، قائلا: "فقدت أخي، وهو أول من مات ممن أعرفهم، من نجا من أشقائي أصيب بمتلازمة الهرس، أنا أيضا أعاني من إصابة في يدي اليمنى التي حدث لها هبوط، انهار عليها السقف. ما يذكرني بالفقد هو حدوث الزلزال وأنا مستيقظ، عندما أريد أن أنام أذكر كيف كان البناء يهتز وكيف انهار، لا أنسى لحظة الزلزال ومن فقدتهم مطلقا".
يذكر أن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) استطاع انتشال جثامين 2172 ضحية للزلزال، في حين تقدر الأعداد الإجمالية بنحو 4500 قتيل، كما استطاع إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض، وأسفر الزلزال عن نحو 10 آلاف مصاب، إضافة إلى عشرات آلاف المتضررين.