- نائلة أسامة تعكس تجربة النساء في غزة، حيث يعانين ليس فقط من الصعوبات المادية بل أيضاً من الأثر النفسي لفقدان جزء من هويتهن، وصالونات التجميل تشهد إقبالاً كبيراً كوسيلة للتعامل مع الواقع.
- الأوضاع في غزة تؤثر على الجانب الجمالي والنظافة الشخصية وتمتد لتشمل تأثيرات نفسية وصحية عميقة، مما يعكس الحاجة الماسة للدعم النفسي والمادي للنساء والفتيات في هذه الأوقات العصيبة.
في مدينة رفح المكتظة بالنازحين، تعيش النساء حالة من انعدام الخصوصية وسط صعوبة تأمين مقومات الحياة، فمنهنّ من لا تملك تبديل ملابسها نتيجة النزوح الفجائي الذي اضطرهن إلى ترك كل ما يملكن، وأخريات يصارعن لرعاية أطفالهن دون الالتفات إلى العناية الشخصية بأجسادهن، ما اضطر بعضهن إلى قص شعر الرأس للتحايل على أزمة عدم وجود مستلزمات النظافة الأساسية، وتلوث المياه.
ومع تعدد الأسباب المتعلقة بالنظافة، تظهر أسباب أخرى لها علاقة بالمكان الذي يوجدن فيه، فالغالبية نازحات، وهن بالتالي مجبرات على ارتداء الحجاب طوال الوقت لأنهن يشتركن في مكان الإقامة مع عائلات أخرى، أما من يعشن في خيمة فإنهن لا يملكن الخصوصية الكافية لخلعه.
قررت نائلة أسامة (34 سنة) قص شعرها الطويل، لكن كانت تلك اللحظات صعبة، حتى إنها استغرقت وقتاً طويلاً قبل أن تتمكن من ذلك، وظلت تنظر إلى المرآة الصغيرة التي حملتها أثناء رحلة النزوح بحزن وحسرة قبل أن تفعل، وقد بكت كثيراً بعد قص شعرها كأنها فقدت كنزاً، فالشعر من أغلى الأشياء التي تملكها المرأة.
بعد أن انتهت نائلة من قص شعرها، قامت بفعل الأمر ذاته مع طفليها، وقد استخدمت مقصّاً استخدمته نازحات أخريات لنفس الغرض. تقول لـ"العربي الجديد": "كانت دموعي تنهمر بينما أقص شعري بيدي، فأنا لا أملك المال حتى أذهب إلى من يقوم بقصه لي، وليست لدينا رفاهية الذهاب إلى صالونات التجميل أصلاً في ظل النزوح والتشرد. لكني مضطرة إلى ذلك، فالشعر الطويل أزمة كبيرة في هذه الأوضاع المأساوية، والمياه ملوثة، وتضر بالشعر والبشرة، ولا تتوفر وسائل لرعاية الشعر، ولا حتى وسائل النظافة العادية. حين اتخذت القرار، لم أكن أجد المقص، وأعارتني إياه سيدة من الخيمة المجاورة، وكانت قد قامت بقص شعرها قبلي".
تضيف "فعلت نفس الشيء مع طفلي حسام (7 سنوات)، والذي كان شعره كيرلي، وقد بكى هو الآخر عندما قمت بقص شعره، ثم كررت الأمر مع طفلتي لُجين (4 سنوات). كان القرار صعباً، فأنا أنثى، والشعر فيه قوام نفسي وجسدي، وإحساسي بالأنوثة، حتى لو كانت المرأة الفلسطينية معروفة بقوتها، كما أنني أرتدي ملابس الصلاة طوال الوقت لأننا نعيش داخل خيمة تضم نحو 20 فرداً من الرجال والنساء".
ورغم إغلاق صالونات التجميل المخصصة للنساء التي كانت قبل العدوان الإسرائيلي تعتمد في عملها على الأفراح والمناسبات السعيدة، إلا أن عدداً قليلاً منها أعاد فتح أبوابه من أجل تلبية مطالب النساء، وخصوصاً قص الشعر بالتزامن مع عدم القدرة على المحافظة عليه، أو حتى غسله وتصفيفه بشكل متكرر.
الشعر الطويل أزمة كبيرة للنساء في أوضاع غزة المأساوية
تملك نوال عمر صالون تجميل في منطقة البلد بمدينة رفح، وتشير إلى أن إقبال النساء على قص الشعر خلال الفترة الأخيرة يقترب من 80 في المائة من أعداد الزبائن المتزايدة نتيجة وجود عشرات آلاف النازحات في محافظة رفح التي باتت أكثر محافظات القطاع اكتظاظاً، لكنها تشدد على أن كثيرات تظهر عليهن أعراض أمراض جلدية، فضلاً عن تساقط الشعر والهزال، وأنه بناء على خبرتها في هذا المجال، طلبت من كثيرات من الزبائن سرعة الحصول على العلاج.
تضيف عمر لـ"العربي الجديد": "في بداية الحرب، استقبلنا نازحين من أقاربنا وأصدقائنا، وكنا نعمل على تأمين حاجياتهم كضيوف وفق عاداتنا وتقاليدنا، لكننا أصبحنا لا نستطيع تأمين احتياجاتنا مثلهم، لذا اضطررت إلى فتح صالوني الصغير في منطقة البلد، وهناك إقبال من النساء على قص الشعر، والعلاج بالبروتين. المياه المالحة والملوثة أهلكت أجسادنا من الداخل والخارج، وأضرت بالشعر والبشرة، وبعض النساء لا يمكنهن الاستحمام كما اعتدن قبل العدوان، ما يصيبهن بالأمراض الجلدية، ويضطرهن إلى قص الشعر الطويل، وبعضهن طلبن قص شعرهنّ بالكامل، وقمت بفعل ذلك عبر ماكينة حصلت عليها من حلاق رجالي، وبعض الفتيات اللاتي يحضرن إلى الصالون أصيبت بشرتهن وفروة رأسهن بالأمراض نتيجة انتشار الجراثيم، وعدم استطاعتهن الاستحمام".
اضطرت كاميليا ديب (29 سنة) إلى قص شعرها بالكامل، لأنها لا تملك في الفترة الأخيرة المكان ولا الإمكانية التي تتيح لها القيام بغسله كما اعتادت سابقاً، فمستلزمات الغسل غير متوفرة، والمياه ملوثة، والمياه النظيفة المتوفرة مخصصة للشرب، ولا يمكن إهدارها على غسل الشعر، والشيء الوحيد الذي يهون عليها الأمر أنها تواصل ارتداء الحجاب، وبالتالي لا يرى أحد أنها قامت بقص شعرها.
تقول ديب لـ"العربي الجديد": "قبل العدوان، كنت أستخدم شامبوهات طبيعية للعناية بشعري، وبعد النزوح أصبحت أستخدم الصابون السيئ الذي نحصل عليه ضمن المساعدات التي تقدم لنا داخل مراكز الإيواء في المدرسة التابعة لوكالة أونروا، وقد تسبب في تدمير شعري. عندما قررت قص شعري لم أجد مساحة خاصة لفعل ذلك، فذهبت مع عدد من الفتيات اللواتي اتخذن نفس القرار إلى أحد المنازل القريبة، وهناك تبادلنا قص الشعر، ثم عدت إلى الفصل الدراسي الذي بات المأوى الوحيد لنا، وبدأت أبكي كما لو أنني فقدت عضواً مهما في جسدي. النساء تهتم بالشكل والمظهر، والشعر أحد أبرز مظاهر الجمال الشخصي الذي تريد المرأة المحافظة عليه، لكن العدوان حرمني من شعري".
تضيف: "نعيش على الكفاف، ولا نعرف كيف أو متى يمكننا أن نستحم، وإن تمكنا من الاستحمام فإننا لا نستطيع الحصول على مستلزمات النظافة والعناية بالشعر والبشرة. أصبحت أحلم بالحصول على شامبو، وبدخول حمام نظيف يمكنني فيه الاستحمام براحة، وهذا صراع يومي نعيشه ضمن النزوح، وهو وضع صعب، وإن كان لا يقارن بأوضاع النساء اللاتي يقتلن ويجرحن أو يتعرضن للإهانة يومياً بسبب الحرب، لكنه يظل صعباً، فقد قتلت مشاعرنا قبل أن تقتل أنوثتنا".
وراح عدد كبير من النساء ضحايا منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ووصلت الأعداد حسب تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في 23 مارس/آذار، إلى أكثر من 9100 شهيدة، كما تشكل النساء والأطفال نسبة 70 في المائة من الإصابات التي وصلت أرقامها إلى أكثر من 72 ألف إصابة.
تعمل الطبيبة النفسية ريهام الغول على التدخل في حالات الأزمات النفسية ضمن طواقم الطوارئ التابعة لوكالة "أونروا" في مدينة رفح، وتشير إلى أن الأعراض المرضية النفسية تلاحق النساء في غزة منذ بداية العدوان، وقد تفاقمت خلال رحلة النزوح مع القلق الدائم والتوتر الحاد الذي يؤثر على صحة الجسد، وينعكس على مستويات النظافة المتوفرة، ويؤدي بالتالي إلى تساقط الشعر، والإصابة بالأمراض الجلدية، خصوصاً أن النساء يعشن في بيئة تقيد حريتهنّ الشخصية.
وتؤيد الغول قرار النساء والفتيات اللاتي قررن قص الشعر رغم أنه مظهر جمالي للمرأة، وقصه يجعلها تشعر بوجود نقص في كينونتها الأنثوية، وتبين لـ"العربي الجديد"، أن "كثيرا من الإناث مضطرات إلى قص الشعر لأسباب صحية متعلقة بالنظافة، أو لأسباب نفسية كون ذلك يخفف عنهن عبء التفكير في طرق العناية به، وقد نصحت العديد منهن بذلك، وشعرن بقليل من التحسن بعد التخلص من شعرهن الطويل، خصوصاً في ظل أن الواقع يفرض عليهن البقاء بالحجاب طوال الوقت". تتابع: "70 في المائة من النساء اللواتي تلقين جلسات دعم نفسي جماعية كن يعانين من اضطرابات نفسية بسبب عدم تمتعهن بخصوصيتهن، فضلاً عن تدني مستوى النظافة، وعدم توفر المستلزمات التي يحتجنها، وعدم وجود وسائل للتفريغ النفسي. الضغط النفسي والقلق والتوتر تكون مضاعفة على المرأة مقارنة بالرجال بسبب القيود الاجتماعية الصارمة، وإبقائها في مساحة مقيدة للعناية بالأسرة، ويتزايد ذلك كثيراً في بيئة النزوح".
وتوضح الغول: "معظم النساء النازحات لا يملكن مساحة خاصة في المكان الذي نزحت إليه عائلاتهن، وغالبيتهن يعشن في نفس المكان مع الأشقاء، أو مع العديد من الأطفال والنساء الأخريات، وحتى عدد من رجال العائلة، وذلك لعدم وجود مساحات كافية، وعادة ما يكون الشعر مغطى، ولا يتعرض للهواء أو الشمس، فهن يرتدين ملابس الصلاة طوال الوقت، وكل هذا ينعكس بالسلب على الشعر والجلد، وعلى أرض الواقع يصعب الحصول على الأدوية، أو حتى توفير العناصر الغذائية اللازمة لتغذية الشعر والجلد".
وتضيف: "أجبرت الظروف النساء على التخلي عن مظاهر أنوثتهن، حتى إن الطفلات اضطررن إلى قص شعرهنّ، وكثيرات سيعانين من أمراض نفسية حادة لفترات طويلة، وقد يتحول بعضها إلى أمراض عضوية، وبعضهن مصابات باضطرابات في الدورة الشهرية بسبب القلق والتوتر، والبعض يعانين من عدم الاتزان العقلي".