استمع إلى الملخص
- **الظروف الإنسانية الصعبة:** رفضت المنظمات الدولية إقامة مخيمات للنازحين بسبب الأعداد الكبيرة. لجأ النازحون إلى مدارس أونروا، وعائلة محمد القصاص تعيش حالة من اليأس. عبد الرحمن أبو دقة فقد 120 فرداً من عائلته.
- **التحديات والمخاطر المستمرة:** تعرضت خانيونس لعدة عمليات عسكرية، مما دمر البنية التحتية. تجمع النازحون في محيط مجمع ناصر الطبي، لكن الطواقم الطبية طلبت منهم الابتعاد. فضل أبو طعيمة يعاني من الإصابة والنزوح.
الآلاف من سكان خانيونس والنازحين إليها محصورون في المنطقة الغربية
خانيونس كانت أكثر مدن قطاع غزة اكتظاظاً في أول شهرين من العدوان
جيش الاحتلال يعاود مهاجمة شرق خانيونس بمزاعم جديدة
غادرت أعداد من الفلسطينيين المناطق المستهدفة إسرائيلياً في مدينة خانيونس، لكن غالبية المغادرين حائرون، يرددون السؤال الأكثر تداولاً في قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة: "وين نروح؟".
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الخميس الماضي، بدء عملية عسكرية جديدة على مدينة خانيونس، مع توسيع القصف على قرابة نصف المدينة من الاتجاه الشرقي حتى الوسط حسب خريطة نشرها، ليتم إخلاء أكثر من نصف المدينة التي أصبح عشرات الآلاف من سكانها والنازحين إليها محصورين في المنطقة الغربية، في ظل حالة من التشتت لعدم وجود أي وجهة للنزوح.
مع عدم وجود مساحات للبقاء في منطقة غرب مدينة خانيونس، ذهب البعض إلى أطراف مدينة رفح الغربية الشمالية رغم خطورتها، وثمة آخرون ما زالت وجهتهم مجهولة، ويواصلون البحث عن أي مكان للمبيت.
في البداية، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء لشرقي مدينة خانيونس، وأحياء وسط المدينة التي تضم منطقة الشيخ ناصر، ومركز المدينة، ومنطقة السطر الغربي، ومنطقة المحطة، وكذلك إخلاء منطقة القرارة وحاراتها، وبلدة بني سهيلا، وبلدتي عبسان الكبيرة والصغيرة، وخربة خزاعة وحاراتها، وكذلك أحياء جنوب شرقي مدينة دير البلح، ومنها حي وادي السلقا وحاراته.
ثم عاد الاحتلال بعد عصر نفس اليوم ليحدد أحياء ومناطق وبلوكات جديدة مستهدفة بالإخلاء، عبر منشورات ألقتها طائراته في سماء خانيونس، وكانت بينها مناطق تضم نازحين ومدارس تؤوي عشرات الآلاف من النازحين.
توجهت مجموعة من النازحين إلى مدارس تابعة لوكالة أونروا، في محاولة للبقاء في محيط منطقة مخيم خانيونس الكبير، وبعد محاولات عدة سُمح لهم بالبقاء، رغم أن بعضها تقع على مسافة بضعة كيلومترات من "المنطقة الحمراء" التي يحظر الوجود فيها، وبعضهم قرروا البقاء على أمل العودة إلى منازلهم بعد انتهاء تلك العملية العسكرية.
من بين هؤلاء عائلة محمد القصاص التي تقيم في منطقة الشيخ ناصر، والتي أفرغها الاحتلال مرات عدة سابقاً، لقربها من شارع صلاح الدين، أكبر شوارع القطاع، ورغم إصرار العائلة على البقاء في السابق، إلا أن التهديد الإسرائيلي هذه المرة أكبر.
الآلاف من سكان خانيونس والنازحين إليها محصورون في المنطقة الغربية
أثناء تحضير العائلات للإخلاء بدأ القصف على عدد من المناطق، فأسرعوا بالمغادرة، ورفض عدد من المنظمات الدولية اقتراح النازحين إقامة مخيم كبير يؤويهم تحت إشرافها، نظراً للأعداد الكبيرة التي تبحث عن مكان، ولأن كثيراً من العائلات تتجمع خارج مخيمات النزوح في منطقة المواصي، وفي غربي مدينة دير البلح، وكان مبرر الرفض عدم القدرة على تحمل مسؤولية النازحين.
أخبر أحد العاملين الدوليين محمد القصاص أن توسيع الاستهداف الإسرائيلي على مناطق تجمع النازحين يدفعهم لعدم اتخاذ أي قرار يجعلهم مسؤولين، حتى لا يتعرّضوا للاتهامات الإسرائيلية. لكن القصاص لم يقنعه التبرير، ويقول لـ"العربي الجديد": "أصبح معظمنا متقبل لفكرة الاستشهاد أكثر من أي وقت مضى. في بداية الحرب كان لدينا أمل في إنصاف المجتمع الدولي، وقوة محكمة العدل الدولية التي أدانت الاحتلال، وبنود القانون الدولي الإنساني، وأن المنظمات الأممية والإنسانية سيكون لها دور في وقف الحرب، لكن ثبت عدم صحة كل ذلك، فالاحتلال استباح الحجر والشجر والبشر في قطاع غزة".
يضيف: "محاولاتنا الحالية للنجاة ليس هدفها حماية أنفسنا بقدر الحرص على سلامة عائلاتنا، آبائنا وأبنائنا ونسائنا، لقد فقدنا قدسية الروح البشرية، وارتقى من عائلتي العديد من الشهداء، وكلهم ضحوا من أجل أسرهم. نحن الآن مشردون في الشوارع، وبات أطفالي وزوجتي أياماً في العراء، وفي اليوم الأول استيقظت باكياً، وعندما سألتني زوجتي عن السبب، أنكرت البكاء، وأخبرتها أنه عرق وليس دموعاً".
كانت مدينة خانيونس في أول شهرين من العدوان أكثر مدن القطاع اكتظاظاً، نظراً لنزوح سكان مدينة غزة وشمال القطاع إليها، وتعد خانيونس أكثر مدن قطاع غزة تعرضاً لعمليات عسكرية إسرائيلية منذ بدء العدوان الحالي، وتعد العملية الجديدة هي الخامسة منذ بداية العدوان.
كانت خانيونس أكثر مدن قطاع غزة اكتظاظاً في أول شهرين من العدوان
ووقعت أولى العمليات العسكرية على خانيونس في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، وسبقها قصف متكرر على العديد من مناطقها، واستمرت تلك العملية العسكرية حتى أوائل إبريل/ نيسان. وكشف الانسحاب الإسرائيلي عن تدمير معظم المرافق العامة والبنية التحتية، وعشرات من المنازل والمعالم الأثرية والتاريخية بالمدينة، ثم نفّذ جيش الاحتلال ثلاث عمليات عسكرية موسعة لاحقة شملت بلدات وقرى المنطقة الشرقية.
ودمّر الاحتلال الشوارع المؤدية إلى جميع مناطق خانيونس، وكذلك الشوارع التي تربط المدينة بوسط قطاع غزة من الناحية الشمالية، وبمدينة رفح من الجنوب، ليكون قد قطع جميع أوصال خانيونس، ما يدفع النازحين للمغادرة مشياً لمسافات طويلة في طرق رملية غير معبدة، ما يؤدي إلى إطالة طريق النزوح.
أصيب خمسة أفراد من عائلة أبو دقة أثناء النزوح من وسط مدينة خانيونس إلى غربها، نظراً لعدم تمكنهم من عبور عدد من الشوارع المدمرة بعد أن أمنوا عربة لنقل حاجياتهم التي تضم الفرش وخيمة صنعوها سابقا للمبيت بالقرب من منازلهم.
يقول عبد الرحمن أبو دقة لـ"العربي الجديد": "فقدت عائلتي أكثر من 120 شهيداً، من بينهم أطفال ونساء ومسنون، وأطباء ومهندسون. لاحقنا الاحتلال بعدد من المجازر، كانت آخرها في بلدة عبسان الكبيرة الشهر الماضي، أثناء محاولتنا النزوح بناء على التعليمات، لكن الاحتلال قصف العربة ودمرها، واستطعنا نقل بعض الفرش، وقضينا تلك الليلة في العراء".
يضيف: "خانيونس أصبحت مدينة مخيفة، ولا نستطيع النزوح إلى دير البلح لأنها ممتلئة، ولا يوجد مكان للإيواء بمدينة رفح مع استمرار توسع العملية العسكرية فيها. كنت أتمنى لو أن لدي قارباً لأعيش في وسط البحر بعيداً عن كل تلك التهديدات. أريد فقط عيش بعض اللحظات الجميلة قبل أن أستشهد".
ويقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي العديد من المناطق التي أعلنها "مناطق حمراء" محظورة، ومن ضمنها بلدة القرارة، وكذلك أهداف عدة في وسط مدينة خانيونس، والمنطقة الشرقية بالكامل، وبلغ عدد مرات القصف منذ يوم الخميس، أكثر من 30 استهدافاً.
وتعتبر جهات فلسطينية أن تلك العملية العسكرية الموسعة تشمل المساحة الكبرى من الإخلاء منذ بدء العدوان، وتتمركز قناصة الاحتلال في أنحاء المنطقة الشرقية، ويقوم القناصة بقتل أي شخص يحاول العودة إلى المنطقة، رغم وجود العديد من العالقين داخل مدارسها، والذين لم يتمكنوا من النزوح.
واندفعت أعداد كبيرة من النازحين إلى منطقة محيط مجمع ناصر الطبي، لكن الطواقم الطبية طلبت منها محاولة الابتعاد لتوفير مساحات لاستقبال فيها الجرحى، وعدم التأثير على تقديم الرعاية الطبية، ووجدت الطواقم الطبية صعوبة في إقناع الناس بذلك، في حين حولت إدارة المستشفى جميع الحالات الخطيرة إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، كون المجمع الطبي يقع ضمن مناطق الخريطة التي تحدّد المنطقة الحمراء.
نزح فضل أبو طعيمة (55 سنة) مرات عدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، آخرها إلى مجمع ناصر الطبي، إذ كان من بين المصابين في قصف على مدينة خانيونس، واعتقل جيش الاحتلال عدداً من أفراد أسرته من داخل المجمع الطبي، ما اضطره إلى المغادرة، لكنه عاد مجدداً مع وجود أعداد أكبر من النازحين مما كان عليه الأمر لدى نزوحه السابق نتيجة توسع المنطقة التي تتعرض للتهديد، وهو يرفض ترك المجمع الطبي حتى لو كان معرضاً للخطر.
ينتظر أبو طعيمة أن يحصل على العلاج كونه أصيب بكسور، وقد وُضع بلاتين في مكان الكسر حتى يلتحم العظام. يقول لـ"العربي الجديد": "لا نعرف إلى أين نذهب، فلم يعد ثمة مفر. كنا سابقاً نقول إما أن نموت أو ننجو، لكن هذه المرة نتعرض لإذلال كبير، حتى أصبحنا نتمنّى الموت. أعيش عذاب الإصابة وعذاب النزوح والفقد، فعدد من أشقائي وأبنائهم شهداء".