فقد معاذ بربراوي (27 عاماً) كرسيه المتحرك في بلدة بيت حانون خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. انتقل مع أسرته إلى منزل عمه الذي يقيم في بلدة جباليا شرق المدينة، حيث اضطر إلى الجلوس بلا حراك أكثر من 20 يوماً، ما جعله يشعر بالألم مضاعفاً خلال وضعية الجلوس ذاتها على فراش أرضي. أما الأمر المحزن بالنسبة إليه فهو خسارته كرسيه المتحرك.
حين نزحت أسرة معاذ عن منزلها إثر القصف الإسرائيلي، حمله شقيقه بهاء (25 عاماً) على كتفه وأسرع في المغادرة، تاركاً الكرسي المتحرك الذي لم يستطع نقله عند باب المنزل، لأن التيار الكهربائي كان قد انقطع بفعل القصف. وفقد معاذ أيضاً الكثير من ملابسه وقسماً من أدويته، علماً أنه كان قد أصيب بإعاقته طفلاً إثر قصف نفذه الاحتلال الإسرائيلي عام 2002. اعتاد معاذ أن يخرج على كرسيه المتحرك ويتجول في الحارة ويشاهد الناس والمارة، ويتحدث مع بعض الشبان كي ينسى همومه اليومية وأهمها طريقة حصوله على علاج، وواقع معاناته من آلام شديدة في بعض الليالي. أما حالياً فلا يستطيع معاذ التنقل خارج المنزل إلا بمعاونة شقيقه الذي يُجلسه على كرسي يبقى ثابتاً عليه فترة طويلة بلا حراك.
يقول معاذ لـ "العربي الجديد": "المعوقون في غزة يعيشون ألف حصار، حصار الوضع الصحي والمجتمع وفقدان الأدوية وانعدام فرصهم في العمل وغيرها. أما خسارة الكرسي فتعني بالنسبة لي أنني عبارة عن جسد بلا أي وسيلة تساعدني في التحرك والتنقل. لكن أمام مصائب من فقد ابنه أو والده فليست مصيبتي كبيرة، وانتظر الفرج بالحصول على كرسي متحرك جديد".
ليس معاذ الشاب المعوق الوحيد الذي تضرر جسدياً ونفسياً من العدوان الإسرائيلي. فكثيرون منهم يحتاجون إلى التنقل والتحرك من أجل تنفيذ إرشادات أطباء العلاج الطبيعي، في حين باتوا لا يملكون بعد العدوان الإسرائيلي إلا خيار ملازمة منازلهم وتحمل الوزر الثقيل للصدمة، والتي كانت أشد بالتأكيد على أولئك الذين فقدوا كراسيهم المتحركة نتيجة تدمير منازلهم وأخرى ملاصقة لهم.
لا أحد يسأل
فكر أشخاص معوقون كثيرون خلال لحظات اشتداد القصف الإسرائيلي بالهروب وإخلاء أماكن وجودهم في اللحظة ذاتها، وتساءلوا كيف سيهربون ويحتمون بذويهم ويتنقلون معهم وسط انعدام الأمن في كل محافظات قطاع غزة. وبعد الهروب تساءل هؤلاء إذا كان المكان المقصود يلائم احتياجات إعاقاتهم. وكان أحدهم محمد النجار (37 عاماً) المصاب بإعاقة في الحركة، ويقيم في مخيم الشاطئ غرب غزة.
محمد مصاب بإعاقة منذ طفولته نتيجة سقوطه من سقف المنزل داخل المخيم، ويعاني من شلل نصفي في يده وقدمه اليمنى. وخلال عدوان عام 2014 أصيب بتصلب في عضلات قدمه اليسرى وتضرر نفسياً، فاحتاج إلى الخضوع إلى علاج طبيعي ونفسي مكثف. وبعد العدوان الأخير هذا العام، خضع لعلاج نفسي وطبيعي بعدما تركت عائلته المنزل الذي قصف في 15 مايو/ أيار الماضي مع مجموعة منازل سقط فيها شهداء من عائلة أبو حطب والحديدي. خسر محمد أحد عكازيه اللذين كان يستخدمهما للخروج من المنزل والجلوس في الشارع العام القريب من سوق المخيم. يقول لـ "العربي الجديد": "بالنسبة إلى المعوق الضرر مضاعف لأن لا وجود للجان طوارئ مثلاً تحدد احتياجاته خلال العدوان. وفي الأساس لا أحد يسأل عن الآخر خلال القصف، ما يحتم كون المعوق الأكثر تضرراً بين فئات السكان في القطاع. وبعد العدوان يفكر المعوق كيف يتجاوز الخوف الذي تراكم في جسمه قبل أن يفكر كيف يعوض ما خسره".
فقدان الإحساس
تختلف إعاقة سامي الجمل (20 عاماً)، باعتباره فاقداً للبصر، ويساعده والده في الانتقال إلى المعهد التعليمي الذي يدرس فيه، وكذلك في قصد أماكن أخرى في الخارج والقيام بزيارات عائلية. خلال العدوان الأخير تواجد أكثر من 30 شخصاً في منزل أسرته، إثر تدمير منزل مجاور لشقة عمه في حي الرمال وسط غزة، ما زاد قلق سامي في شكل كبير. وحدث في 18 مايو/ أيار الماضي أن تلقى جيران عائلة سامي اتصالاً هاتفياً طالبهم بمغادرة المنزل تمهيداً لقصفه من الجيش الإسرائيلي. حينها لم يعلم سامي شيئاً، وأخرجه والده بسرعة من دون أن يقول له إلى أين سيذهب وهل سيصاب بأذى أم لا. وبقي مع عائلته 3 ساعات في الشارع حتى اتضح أن الاتصال كان مفبركاً.
يقول سامي لـ "العربي الجديد": "أشعر بكل ما يدور حولي، وحركة شارعنا ومنزلنا والسيارات. لكن خلال العدوان افتقدت الرؤية الروحية وأي إحساس، إذ كنت أسمع فقط أصواتاً قوية وصراخاً فأتوقع حصول قصف قريب، في حين تطمئنني أسرتي بأنه بعيد. صاحب الإعاقة البصرية لا يعلم أين يتحرك، إلا إذا أمسك أحد يده أو ارتكز على عصا. وفعلياً فكرت كثيراً بمن هم في حالتي". تواصل سامي عبر "فيسبوك" من خلال الإشعار الصوتي مع أصدقائه المعوقين بصرياً أيضاً، وعلم منهم أنهم واجهوا الموقف ذاته في التعامل مع صعوبات إخلاء منازلهم وتضررها، وأن واقع جميعهم كان مأساوياً، في ظل عدم معرفتهم بكيفية التعامل مع التهديدات والأخطار.