في السنوات الأخيرة، راحت تبرز حملات خاصة بوهب الأعضاء، وإن بخجل، في عدد قليل من البلدان العربية التي تبدو أكثر "تسامحاً" من سواها في هذا المجال. فثقافة وهب الأعضاء أو التبرّع بها ما زالت غائبة عن المجتمعات العربية التي تجد صعوبة في تقبّل الأمر، ويُربط الأمر بالدين الذي "يحرّمه"، وإن كان ذلك أمراً غير دقيق بحسب ما يؤكّد أكثر من عالم دين مسلم في لبنان والمغرب على سبيل المثال. لن نخوض هنا في الجدال الديني الذي يبقى سبباً رئيسياً لدى كثيرين للإحجام عن التفكير حتى في المسألة أو بالأحرى رفضها كلياً.
إلى جانب الدين، ثمّة أسباب أخرى للرفض ليس بين العرب والمسلمين فحسب إنّما في البلدان الغربية حيث ثقافة وهب الأعضاء منتشرة. ومن بين تلك الأسباب الأفكار المغلوطة أو المعلومات المضلّلة، فيما يبقى الموت السبب الأبرز وإن لم نقرّ في وعينا بأنّ فكرة الموت ترعبنا.
نحن نخشى "اختفاءنا" من هذا العالم، بحسب ما تلفت الصحافية الفرنسية المتخصّصة في علم النفس إيلين فريسنل، في تقرير نُشر أخيراً في مجلة "بسيكولوجي" الفرنسية. تضيف أنّ هذا أمر أكثر من منطقي بحسب التحليل النفسي، إذ يؤكّد سيغموند فرويد أنّ "في لاوعيه، كلّ إنسان مقتنع بخلوده. وبالتالي فإنّ الاعتقاد بالموت لا يجد أيّ نقطة ارتكاز في غرائزنا".
ولأنّ الموت بحدّ ذاته واقع مخيف ووهب الأعضاء عموماً يتطلّب موت الإنسان، باستثناء بعض الحالات من قبيل وهب الكلى أو فصوص من الكبد، فإنّ الخشية من الموت تعوّق حتى التفكير في الموضوع، وإن كان كثيرون يرون في الأمر ضرورة لإنقاذ روح، "إنّما ليس من خلالي".
الموت واقع مخيف، إلا أنّ قرار وهب الأعضاء والأنسجة لمن هو في حاجة يتطلّب تعبيراً صريحاً من قبل الإنسان وهو على قيد الحياة، أو قراراً "جريئاً" من قبل العائلة لإنقاذ روح أو حتى أرواح فيما هي غير قادرة على إعادة إحياء عزيزها المتوفي. يُذكر هنا أنّ عائلات كثيرة تعمد إلى مخالفة وصيّة عزيزها المتوفي إذ ترفض فكرة رحيله وهو "ناقص".
وفكرة أن نغادر هذا العالم "ناقصين" أو "مخلّعين" أو "مقطّعي الأوصال" تسكننا وتهيمن علينا. وتشرح فريسنل هنا أنّ ذلك "يستهدف كُمولنا"، وتنقل عن المتخصّصة في علم الاجتماع رونيه ويسمان بأنّ ذلك "يشير رمزياً إلى فعل تقطيع الجسد. بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فإنّ مجرّد فكرة تقطيع الإنسان الذي كان حيّاً قبل ساعتَين ثمّ بتر قلبه أو قرنيّته، أمر لا يُحتمَل".
لا تُحصَر أسباب الخوف من وهب الأعضاء بما سلف، وهنا مجرّد محاولة للإضاءة على بعض مشاعر بدائية تطفو على السطح مع كلّ استحقاق.