ليس سهلاً على الذين يتعايشون مع فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أينما وجدوا حوال العالم، أن يتحدثوا عن إصابتهم وعن تجربتهم الصعبة. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الإيرانيين. أما الأصعب، فيبقى الاعتراف بإصابتهم ليس فقط للمقرّبين من أفراد العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء، وإنما أيضاً للمعنيين في المراكز الصحية المتخصصة.
س. في السابعة والعشرين من عمره، هو طلب التعريف عن نفسه بهذه الطريقة، بعدما رفض أيّ لقاء شخصي معه وفضّل سرد قصّته لـ "العربي الجديد" عبر الهاتف. من كلماته، كان من الواضح أنه يمرّ بتجربة صعبة للغاية، وصعوبتها تكمن في تقبّل من حوله لإصابته. يخبر: "أصبت بالفيروس خلال عملية زرع عند أحد أطباء الأسنان، وليس عبر علاقة جنسية غير محمية، ولا حتى عن طريق حقن المخدرات. بعدما علمت بإصابتي، أخفيت الموضوع عن الجميع، وقد تملّكني اليأس والاكتئاب". وتدريجياً، وجد نفسه وهو يعترف لعائلته، التي لم تتقبل الأمر بداية. لكن بعدما توجّه وأهله إلى متخصص، بدأ الأخيرون يتعاملون مع الأمر بواقعية وبإيجابية أكبر. وعلى الرغم من ذلك، ما زال س. يخفي الأمر عن زملائه في العمل وعن أصدقائه:"إذ إن تقبّل الأمر قد يكون مستحيلاً، وأنا في غنى عن ذلك في هذه المرحلة".
يرى س. أنه من الضروري توفّر توعية حقيقية في المجتمع الإيراني لشرح أسباب هذا المرض، لا سيما مع تزايد عدد الإصابات. هو يلاحظ بنفسه عدد المرضى، الذين يقصدون العيادة ذاتها حيث يتلقى علاجه في دربند (شمال العاصمة طهران). بالنسبة إليه، "لا بدّ من أن يخضع الكل للتحاليل اللازمة. الإيدز ينتقل بطرق شتى". وعلى الرغم من الإصابات الكثيرة، إلا أن كثيرين لا يعترفون بذلك للأسباب ذاتها المتعلقة بالمجتمع. ويشير س. إلى أن "أحد الأسباب التي لا بد من أن تدفع مصابي الإيدز نحو الاعتراف بما يعانونه، هو تكاليف العلاج العالية، في حال أراد هؤلاء التستّر والتعامل مع طبيبهم الخاص". يُذكر أن المراكز الحكومية المتخصصة تقدّم الأدوية والعلاج مجاناً.
هذه ليست سوى قصة إيراني واحد من بين 28 ألف متعايش مع الإيدز في البلاد، بحسب ما تفيد قوائم المسجلين في المراكز الرسمية. لكن وزارة الصحة الإيرانية التي أصدرت هذا التقرير أخيراً، تقدّر العدد الحقيقي بمائة ألف تقريباً. وهو عدد كبير. أما الأكثر إقلاقاً في هذا التقرير، فهو ارتفاع نسبة إصابات الأطفال بالفيروس، إذ تبلغ واحداً في المائة، في حين يلفت بعض المعنيين إلى أن ثمة مرضى لا يعلمون أساساً بأنهم يحملون الفيروس.
وكان التلفزيون المحلي الإيراني قد بثّ أخيراً برنامجاً خاصاً عن الإيدز في إيران، قدّر فيه عدد المصابين الذين لا يعلمون بمرضهم بسبعين ألفاً، مشيراً إلى أن بعض هؤلاء يتزوّجون وينجبون الأطفال. ومن شأن ذلك زيادة عدد المصابين، ما يعني ضرورة وقف الأمر سريعاً، نظراً لخطورته. في البرنامج نفسه، قال رئيس لجنة الصحة التابعة للبرلمان الإيراني، حسين علي شهرياري، إن رقم مائة ألف حالة، المشار إليه، هو تخميني وليس دقيقاً. وأوضح أن التحكم بهذه النسب يحتاج أولاً إلى التحكم بمسببات الإصابة وانتقال الفيروس، مذكّراً بدفعة الدم الملوث التي دخلت إيران من فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تسببت بإصابات في السابق. وبيّن أن العامل الأول المسبب للإيدز في إيران اليوم، هو تعاطي المخدرات وتبادل الحقن، تُضاف إليه العلاقات الجنسية. أما عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الإيدز، مسعود مرداني، فشدّد في البرنامج المذكور على ضرورة أن يجري كل إيراني التحاليل المطلوبة، إذ إن الفيروس انتقل إلى كثيرين بطرق مختلفة من دون أن يدركوا الأمر إطلاقاً. وقد وصف مرداني التعاطي مع الإيدز في إيران بالمشكلة الاجتماعية، إذ إن "الوعي حول هذا المرض منخفض للغاية".
ومع إدراك المعنيين والمسؤولين في البلاد لخطورة الأمر، تتحدث الحكومة الإيرانية اليوم عن إطلاق برنامج توعية جديد في المدن الكبرى، وقد شوهدت بالفعل حافلات تجوب مناطق غرب العاصمة، لتقديم المعلومات. لكن رئيس مركز التحكم في انتشار الإيدز التابع لوزارة الصحة، عباس صداقت، أشار في البرنامج التلفزيوني ذاته إلى أن المراجعين ما زالوا قلة، والمواطنين لا يحبّذون فتح حديث حول هذا الأمر. وقد شدّد على أن المراكز الحكومية تضمن سرية المعلومات الخاصة بكل شخص.
من جهتهم، يرى المتخصصون أن الأمر يحتاج إلى إجراءات أخرى، أكثر فاعلية. ويقول عضو نقابة "إحيا ارزشها" المعنية بشؤون مرضى الإيدز، الدكتور أميد زماني، إن إطلاق برامج توعوية حكومية تمّ في وقت سابق بالفعل، لكنه لم يكن كافياً على الإطلاق. وأكّد على أن "الإيدز في إيران لم يعد مسألة صحية، وإنما هو مسألة اجتماعية تتطلب كثيراً من الوعي". يضيف زماني لـ "العربي الجديد" أنه من "الضرورة زيادة عدد المستشارين والمتخصصين النفسيين وتوعية الشباب حول الأسباب خصوصاً، إذ إن كثيرين لا يعلمون سبل الوقاية في العلاقات الجنسية، وكثيرين أيضاً لا يعرفون أن للمخدرات أثرها البالغ".
ويقترح "إعداد دورات توعية للشباب حتى قبل الزواج، بالإضافة إلى جعل التحليل الخاص بالإيدز إجبارياً قبل الزواج كذلك. من ثم يجب العمل على تغيير نظرة المجتمع عبر حملات توعية". ويوضح أن "الإصابات ارتفعت بالفعل خلال السنوات العشر الأخيرة بمعدل عشرة أضعاف تقريباً، وهو الأمر الذي يستوجب اتخاذ خطوات حقيقية لحمل كل من يعاني من الفيروس على تسجيل نفسه في المراكز المتخصصة، لتلقي العلاج اللازم، ولجعل من لا يعلم بإصابته قادراً على التعرف على مرضه وعلى كيفية التعامل معه".
اقرأ أيضاً: فوبيا التصلّب اللويحيّ في إيران