يهوى الشاب عبد الرحيم الزريعي الرياضة ويحب الاكتشاف، وهو ما دفعه إلى بدء رحلات داخل قطاع غزة هدفها تعريف العالم على تراث القطاع عبر مدونته.
يظن كثيرون خارج فلسطين أنّ قطاع غزة تنعدم فيه الحياة والمعالم الطبيعية والآثار التاريخية والتراثية في ظل تكرار العدوان الإسرائيلي عليه الذي لا يوفر منطقة من قصفه. مع ذلك، فإنّ كثيراً من الجهود لا سيما جهود فردية شبابية تبذل لإبراز العديد من الأماكن التاريخية والتراثية والطبيعية في غزة علّها تغير الصورة النمطية عن قطاع غزة المدمر. محاولة الشاب عبد الرحيم الزريعي كانت مغايرة من خلال ترحاله.
عبد الرحيم الزريعي (23 عاماً) صاحب مدونة "رحّال غزة" خريج دبلوم إلكترونيات من كلية فلسطين التقنية، لكنه لم يعمل في مجاله بالرغم من محاولات البحث عن أي فرصة. حصل الزريعي وزميله محمد العزايزة على المرتبة الثالثة في مسابقة الروبوت الخامسة على مستوى قطاع غزة عام 2014 – 2015، عن ابتكار روبوت ناقل بضائع داخل المخازن والمصانع الكبيرة. يميّز طبيعة البضائع التي ينقلها ويضعها في أماكن فارغة مخصصة لها من دون الاقتراب من الأماكن الممتلئة. وحصل على المركز الأول عن ثلاثة روبوتات قادرة على حلّ المتاهات.
اتجه الزريعي إلى الرياضة بسبب ميله إلى المشي لمسافات طويلة وركوب الدراجة، وعمل متطوعاً كمدرب للرياضة في مدرسة "رياضيو المخيمات" المتخصصة في رقص "بريك دانس" والجمباز، وهي مدرسة لها فروع وتسعة ممثلين في دول غربية تخدم اللاجئين الشباب في العالم مجاناً.
ومع الرياضة مزج الزريعي حبه للاستكشاف من أجل البدء في الترحال. في يناير/ كانون الثاني الماضي زار كثيراً من الأماكن الطبيعية والأثرية والمزدحمة والمزارع والقرى في قطاع غزة ودوّن ما لفته خلال جولاته. أولى رحلاته كانت في مقام الخضر، فتحدث الزريعي عن أهمية المقام، خصوصاً أنّ كتابات بالإغريقية تعود إلى 1800 عام عثر عليها هناك على ضريح القديس هيلاريون. ولفت إلى أنّ التطور العمراني للمكان أسّس للعناصر الإسلامية فيه خصوصاً المحراب.
يقول الزريعي لـ"العربي الجديد": "لا إضاءة على آثار غزة، والجيل الشاب في القطاع لا يقرأ الكتب بل يتوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي أكثر، مع العلم أنّ المؤرخين يضعون كلّ خبرتهم ونتائج أبحاثهم في الكتب. لذلك، قررت أن أقدم محتوى مختلفاً، لكن مع نفس الأفكار والمعلومات التاريخية".
لاحظ الزريعي أنّ كثيراً من الأماكن التاريخية الأثرية تضم هياكل غير متكاملة أو مكسورة الأجزاء، وأغلب الناس ينظرون إليها على أنّها مجرد بقايا آثار. وبذلك، يبحث في الكتب والمراجع التاريخية عن طبيعة هيكلها المتكامل لكي يقدمه ضمن محتوى غير تقليدي، وهو ما يحفز المشاهد للبحث أكثر من خلال تقديم المعلومة ويطلب من المتابعين البحث في المزيد من المعلومات حول المكان.
المميز في شخصية الرحالة بحسب الزريعي أنّه يتعرف على أعداد كبيرة من الناس، ويحترف التحدث مع جميع الطبقات في لغة حوار يتفهمونها، والتعرف على أدق التفاصيل في رحلته، مما يزيد من حبه في تقديم كلّ معلومة إلى الناس لكن بطريقته، وهذا ما يجعله محط اهتمام ومتابعة كثير من المستخدمين من غزة وفلسطين أو من العالم العربي.
نظم الزريعي مبادرة تحدٍ للشبان الذين يرغبون في خوض تجربة الترحال داخل قطاع غزة، من خلال المشي لمسافة 53 كيلومتراً، وهي المسافة الممتدة من معبر بيت حانون، شمال قطاع غزة إلى جنوبه على بوابة معبر رفح، فجمعت مبادرته 30 شاباً انطلقوا منتصف الليل، ووصل منهم 10 أشخاص فقط إلى نقطة النهاية.
حاول عشرات المرات السفر من خلال معبر بيت حانون لحضور ندوات في رام الله، والسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو على الأقل إلى الأردن للتعرف على الرحالة الشبان هناك، بعدما تواصل مع عدد منهم وتبادل خبرته معهم. ومن هؤلاء معتصم عليوي وجو حطاب وقاسم الحتو ومحمد أبو سارة من الأردن، وسعود سعود من السعودية، لكنّه لم يلتقِ بأيّ منهم في ظلّ الحصار الصهيوني على القطاع ومنع الشبان من الخروج من بوابة بيت حانون.
في الوقت الراهن يجهز الزريعي لمبادرة تحدٍّ أخرى تتمثل في قطع مسافة ألف كيلومتر مشياً خلال 30 يوماً، بالإضافة إلى تخييم في الأردن. وسيشاركه في الرحلة رحّالة من الأردن، كما فتح باب الانضمام لرحالة عالميين وعرب، لكنّ كلّ ذلك ينتظر فتح معبر رفح أو التنسيق للتمكن من الخروج من بوابة بيت حانون.
يطمح الزريعي إلى التنقل بين بلدان العالم والتعرف على ثقافات شعوبها وتعريفهم بالثقافة الفلسطينية، لكنّه يحلم أن يقوم برحلة استكشاف لفلسطين التاريخية. يقول: "من الممكن أن تجول في كلّ دول العالم، لكنّك لا تستطيع زيارة جميع مناطق فلسطين لاعتبارات أمنية يفرضها الاحتلال الصهيوني علينا".