ومساء أمس، أجبرت الشرطة الجزائرية عدداً من العسكريين السابقين المعتصمين في المدخل الشرقي للعاصمة على الصعود إلى حافلات بهدف إبعادهم.
والمحتجون من متقاعدي الجيش والذين تعرضوا لإصابات خلال مشاركتهم في عمليات مكافحة الإرهاب إبان الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي.
ويطالب متقاعدو ومعطوبو الجيش بالعديد من المطالب الاجتماعية، أبرزها إعادة النظر في المعاش، وتوحيد منحة العجز، وتعديل قانون المعاشات العسكرية، خاصة المتعلقة بالاستفادة من التعويضات عن الأمراض الموروثة، واستحداث منحة مكافحة الإرهاب.
فما هي خلفية الحراك، متى بدأ وما هي المطالب المرفوعة بالتفصيل، وكيف تعاملت الحكومة ووزارة الدفاع مع هذا الملف الذي حان وقت إغلاقه بتحقيق المطالب؟
1- من هم هؤلاء المحتجون؟
يبلغ عدد العسكريين المتقاعدين وذوي الحقوق المعنيين بالحراك الاحتجاجي ما يقارب 150 ألف شخص، والمحتجون هم من المتقاعدين من الجيش الذين أمضوا فترة خدمة عسكرية في إطار التعاقد بين 15 إلى 25 سنة، وكذا المعطوبين الذين تعرضوا لإصابات وعاهات خلال مشاركتهم في العمليات القتالية لمكافحة الإرهاب خلال الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد، والعسكريين الذين فصلوا من الجيش لأسباب مختلفة دون تعويضات.
2- من يقود تحركهم؟
كان عمار البيري، وهو عسكري سابق شارك في عمليات مكافحة الإرهاب، من أبرز قادة حراك العسكريين المتقاعدين، لكن السلطات اعتقلته وحاكمته أمام محكمة عسكرية، بعد نشره على صفحته على موقع "فيسبوك" صوراً عن مشاركته برفقة عسكريين آخرين في إحدى عمليات مكافحة الإرهاب التي قادها الجيش. وظهروا في الصور وهم يحملون رؤوس مسلحين ينتمون للجماعات المسلحة. واعتبرت تلك الصور مسيئة لسلوك الجيش.
كما يعدّ النقيب السابق في الجيش مروان بصافة، وعيسى بوزرارة، وعبد العزيز سعيداني، أبرز الوجوه التي تقود حراك العسكريين المتقاعدين حالياً.
3- أين يتحرك المحتجون؟
نظم العسكريون المتقاعدون أنفسهم في تنسيقية وطنية للعسكريين المتقاعدين والمعطوبين وذوي الحقوق وغير المنسوبين والمشطوبين. وتضم التنسيقية الأساسية تنسيقيات ولائية أيضاً. ومنذ أكثر من ثلاث سنوات ينظمون احتجاجات في مجمل الولايات، خصوصاً في سكيكدة وقسنطينة، شرقي الجزائر، والشلف وعين الدفلى، غربي الجزائر. ونقلوا اعتصامهم إلى قلب العاصمة أكثر من مرة، لكن اعتصام 19 سبتمبر/ أيلول كان الأكبر حجماً وتأثيراً.
4- ما هي مطالبهم؟
يطالب متقاعدو ومعطوبو الجيش الحكومة بجملة مطالب اجتماعية، أبرزها إعادة النظر في المعاش المقدر بـ180 دولاراً أميركياً في الشهر، وتوحيد منحة العجز الناجم عن العمل والمجهود العسكري، وتعديل قانون المعاشات العسكرية، لا سيما المتعلق منه بالاستفادة من التعويضات عن الأمراض الموروثة، واستحداث منحة مكافحة الإرهاب للذين شاركوا في الحرب ضد الإرهاب، وكذا الاستفادة من كل المزايا والتحفيزات الممنوحة لفئات عسكرية أخرى.
5- كيف يتحركون لنيل مطالبهم؟
ينظم العسكريون المتقاعدون احتجاجات مستمرة، وكثفوا في الفترة الأخيرة وتيرة احتجاجاتهم. ووجهوا رسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للتدخل، كما يحاولون استغلال وسائط التواصل الاجتماعي لطرح قضيتهم والضغط على الحكومة. وطلبوا لقاءات مع المسؤولين في وزارة الدفاع، وحصل بعضها في إبريل/نيسان الماضي وتلقوا على أثرها وعوداً بمعالجة مطالبهم لكن السلطات لم تف بها.
6- كيف ردّت السلطة على الحراك؟
في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية بياناً شديد اللهجة اتهمت فيه العسكريين المحتجين من جنود الجيش السابقين "بمحاولة زرع الشك وسط الرأي العام الوطني، والقيام بسلوكيات غير قانونية". واعتبرت في البيان ذاته، أن هؤلاء "يقدمون أنفسهم على انهم ضحايا هُضمت حقوقهم الاجتماعية والمادية، ويستعملون الشارع وسيلة ضغط لفرض منطقهم". لكنها تعهدت في المقابل بتسوية المطالب وفقا لقانون المعاشات العسكرية المعدل في عام 2013.
7- ما المتوقع من هذا الحراك؟
من المتوقع أن تبدأ السلطات نتيجة الضغط الذي مارسه العسكريون المتقاعدون والمعطوبون، في معالجة مرحلية لمطالبهم، بسبب طبيعة عمل هذه الفئة بصفتهم عسكريين سابقين أدوا واجب الحفاظ على الجمهورية في ظرف أمني عصيب في التسعينيات. ويضاف إلى ذلك ضرورة طيّ الملف الذي سبب إحراجاً داخلياً للحكومة على المستويين السياسي والأخلاقي، خصوصاً أنه حظي باهتمام القنوات ووسائل الإعلام الدولية.
8- إبقاء الحراك مفتوحاً أمر ممكن؟
إن إبقاء الوضع على ما هو عليه يزيد المخاوف بأن يصبح هذا الملف مقدمة لفتح ملفات حساسة أخرى تتصل بمشكلات مرتبطة بالعشرية السوداء، وهذا يزيد من إرباك السلطات.
9- مواقف سياسية
عبرت عدة أحزاب سياسية ونقابات في الجزائر عن إدانتها لما وصفته بالقمع الذي سلطته قوات الأمن باتجاه الحراك، ومنها أحزاب: العمال اليساري، وتحالف الاتحاد من أجل النهضة والتنمية والبناء، وكونفيدرالية القوة المنتجة، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
10- تعتيم إعلامي
حاولت السلطات فرض تعتيم إعلامي على حراك العسكريين المحتجين، ومارست بحسب اعترافات مسؤولين في صحف وقنوات مستقلة، ضغوطاً لمنعها من التفاعل الواسع مع الحراك. وفي حين تجاهلت القنوات الحكومية والمستقلة الحراك الاحتجاجي، تصدر الموضوع صدر صحيفتين فقط من مجموع أكثر من 60 صحيفة يومية تصدر في الجزائر.