تأتي الصدمات أحياناً لتوقظنا من خدر اليوميات. تصفعنا على وجهنا بصفاقة. صدمة تقع كفاجعة بحجم الموت فنقف أمام هول الفقدان ونعيد التفكير في كل شيء. بتفاصيل الحياة وخيباتها، بلحظاتها الحلوة والمرّة، وبالنظام الذي يحكم حياتنا. يعيدنا خبر الموت مثلاً للتفكير بهذا الصراع الذي لم يكن يوماً متكافئاً، صراع الحضانة بين والدين منفصلين، والذي تتولّى المحاكم الدينية في لبنان تغليب طرف فيه على الآخر، بحكم قبضها على خناق الأحوال الشخصية لـ"مواطني" طائفتها. صراعٌ للذكر فيه أكثر بكثير من حظ الأنثيين، ليس في الإرث وحده، بل في المنظومة الاجتماعية كلها.
الظلم قاتل. مثله كمثل الموت، لكن وقعه أشدّ، فنصل سكّين الظلم يغور ببطء في الجرح المفتوح والمستمر استمرار الظلم نفسه. والظلم يحمله صاحبه وحده غالباً. يسكن تحت جلده. يعيش في هواجسه وأفكاره. يطارد نومه على المخدة ويخرج على شكل وحش في كوابيسه. يطلع من مرآته في الصباح. يأكل معه في ذات الصحن. يسخر من ألمه ويضحك من دموعه.
الظلم قاتل. أعرف أمهات مطلّقات، بكين بالأمس على رحيل الناشطة الشابة نادين جوني التي توفيت بحادث سير، من دون أن يلتقين بها. نادين التي كانت ترفع الصوت دفاعاً عن أمومتها، هي المحرومة من حضانة ابنها منذ سنوات، ورفضاً لتعرّض النساء للعنف والسكوت عنه.
كان يكفي أن يتابعن مسار حياتها ليحتفين بنهاية درامية لقصة حب لم تكتمل فصولها بين أم وطفلها. بكين لأنهن ذقن مثلها طعم الخسارة والحرمان. بكين لأنهن رأين أنفسهن بصورة الضحية مرتين. مرةً في حياة نادين، ومرة في موتها المأساوي.
الظلم قاتل طبعاً. لكن نادين لم ترتض الاستسلام له واختارت أن تثور عليه بكل الوسائل حتى باتت نموذجاً للبعض في حياتها، وربما لكثيرات بعد غيابها، في كيفية إكمال الطريق رغم الألم الفادح.
الظلم قاتل. لذلك نطالب بقوانين عادلة لا يظلم فيها أحد، لا أم ولا أب ولا طفل. وإلى حين أن نصل إلى هذا اليوم، وهو يوم سنصل إليه حتماً، يتوجّب أن يسأل المكلّفون الإلهيون بإدارة حياتنا أنفسهم: هل هناك فاجعةٌ أكبر من اغتيال الأمهات؟