استمع إلى الملخص
- الحصار الإسرائيلي المستمر والعدوان الأخير تسببا في عزلة شديدة وتفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية، مع إصابة أكثر من 11 ألف شخص وتفاقم أوضاع مرضى السرطان والأمراض المزمنة بسبب نفاد العلاجات.
- الجرحى والمرضى يعيشون في حالة يأس وانتظار لفتح معبر رفح، فيما تعمل الطواقم الطبية في ظروف صعبة للغاية، مع نقص حاد في المستلزمات الطبية وضرورة إجراء مفاضلة بين المرضى لتحديد من يمكنه الحصول على العلاج.
20 ألفاً من جرحى ومرضى قطاع غزة مسجلون في قوائم انتظار السفر
أكثر من 50 من الجرحى والمرضى توفوا خلال انتظار السفر للعلاج
قطاع غزة في عزلة عن العالم منذ أكثر من 17 عاماً بسبب الحصار
زادت أعداد الجرحى وتدهورت أوضاع المرضى في قطاع غزة مع خروج المستشفيات الكبيرة عن الخدمة، ومع تواصل إغلاق معبر رفح أمام الراغبين في العلاج بالخارج سُجل العديد من الوفيات.
يعيش سكان قطاع غزة في عزلة عن العالم منذ أكثر من 17 عاماً بسبب الحصار الإسرائيلي، لكن هذه العزلة تفاقمت منذ بدء الاحتلال عدوانه على القطاع في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، ثم تفاقم مجدداً بسيطرته على محور صلاح الدين "فيلادلفيا" على الحدود المصرية عقب احتلاله وإغلاقه الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري في 6 مايو/أيار الماضي، ليكون بذلك قد حاصر قطاع غزة من الاتجاهات الأربعة.
ومنذ سيطرته على معبر رفح، أي قبل 30 يوماً بالتحديد، يمنع جيش الاحتلال نحو 20 ألفاً من جرحى ومرضى قطاع غزة من السفر للعلاج خارج القطاع، المسجلين في قوائم انتظار السفر التي كانت تضم عدة آلاف يحتجون السفر بصفة عاجلة. وفي مطلع شهر إبريل/ نيسان الماضي، كان عدد الذين يحتاجون إلى السفر أكثر من 10 آلاف جريح ومريض، وكانت تجري محاولات لزيادة أعداد المقبولين، وتسريع الإجراءات، ثم زادت الأعداد مع تصاعد القصف الإسرائيلي وخروج غالبية مستشفيات القطاع عن الخدمة، ومنذ السابع من مايو/أيار، بات الجميع محروماً من العلاج في الخارج.
20 ألفاً من جرحى ومرضى قطاع غزة مسجلون في قوائم انتظار السفر
توفي محمد الحاطوم (34 سنة) بعد انتظاره أكثر من أسبوع السفر للعلاج من إصابة في القفص الصدري كانت تستلزم عملية جراحية عاجلة، ويقول شقيقه أحمد الحاطوم إنه أصيب في قصف إسرائيلي على مخيم الشابورة، حيث كانوا نازحين إلى هناك، وكان يصعب نقله إلى أي مستشفى بسبب خروج مستشفى أبو يوسف النجار، وهو المستشفى المركزي الوحيد في مدينة رفح من الخدمة.
يضيف أحمد الحاطوم لـ"العربي الجديد": "أصيب شقيقي محمد بتشوهات كبيرة في القفص الصدري بسبب قوة الانفجار، ما أثر على مجرى التنفس، ونقلناه إلى المستشفى الكويتي لتلقي العلاج، لكن حالته الصحية ساءت بسبب محدودية الإمكانات المتاحة، إذ لم يكن يتلقى علاجاً مناسباً، فالمستشفى يعاني من نقص في كل المستلزمات العلاجية. كان أخي الشهيد يعاني من آلام شديدة، وكان يعلم أن سفره مستحيل رغم حاجته للعلاج في الخارج، والمضاعفات كانت سبباً في وفاته".
يضيف: "كان محمد يريد الحياة، ولديه عزيمة للصمود، لكن الأطباء أخبروني منذ اليوم الأول أنه بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة لإنقاذ حياته، وفي ذلك الوقت كان القصف الإسرائيلي يشتد على مدينة رفح، وكانت عيني على معبر رفح المغلق الذي سيطر الاحتلال عليه. في المستشفى الكويتي الذي كان ممتلئاً بالمصابين، تقرر نقله إلى مجمع ناصر الطبي في خانيونس، حيث العشرات من المرضى ملقون على الأرض، وكثير من الحالات الخطرة، وتم وضعه في العناية المركزة، لكنه استشهد، فلم يكن قادراً على الصمود أكثر من ذلك".
وتوفي اثنان من عائلة شاهين في شهر مايو/أيار الماضي، أولهما الشهيد عبد الوهاب شاهين (27 سنة)، والذي كان مصاباً في الرأس، ويحتاج إلى إجراء عملية عاجلة لم يكن متاحاً إجراؤها بسبب خروج مستشفيات رفح عن الخدمة، وقد استشهد في 18 مايو، ثم لحقت به والدته هداية شاهين، وهي الأخرى كانت بحاجة للسفر لإجراء عملية جراحية في القلب، كان من المقرر إجراؤها في مستشفى بالعاصمة المصرية القاهرة، لكن حزنها على نجلها أدى إلى وفاتها بعد خمسة أيام فقط من استشهاده.
يقول سامح شاهين من داخل إحدى خيام النزوح في مدينة دير البلح لـ"العربي الجديد": "أصيب شقيقي إصابة خطرة في الرأس، إذ تعرض لكسر في الجمجمة كان يضغط على الأعصاب، وكان فاقداً للوعي، وكانت هناك آمال في أن يعيش لو كان المعبر مفتوحاً، واستطعنا نقله للعلاج في الخارج. كنت أحاول غرس الأمل في نفس والدتي، وهي أيضاً حصلت على موعد للعلاج في مستشفى ناصر العام بالقاهرة، وكانت اللجنة الصحية قد منحتنا الأمل بأنها ستعالج في مصر، لكن احتلال المعبر قتل كل الآمال. كانت والدتي تحتاج إلى إجراء عملية قلب مفتوح، وكان يمكن إجراؤها في قطاع غزة في الأوضاع الطبيعية، لكن بسبب الضغط على الطواقم الطبية وخروج المستشفيات عن الخدمة، تم نقل ملفها إلى قوائم العلاج في الخارج، وكانت تنتظر دورها، لكنها توفيت قهراً على شقيقي".
وحسب بيانات المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة، فإن ما لا يقل عن 50 من بين الجرحى والمرضى توفوا بينما كانوا ينتظرون موافقات العلاج بالخارج، وبعضهم كانت حالاتهم تتطلب تدخلاً عاجلاً، وآخرون استشهدوا بسبب قلة الإمكانات الطبية المتاحة في القطاع وتداعيات العدوان الإسرائيلي.
وينتظر عدد كبير من الجرحى فتح معبر رفح للسفر لتلقي العلاج، ويترقب هؤلاء أن تسفر المفاوضات الجارية عن فتح المعبر بشكلٍ منتظم، لكن هناك الكثير من التخوف من أن يكون للاحتلال الإسرائيلي شروط تتيح له جانباً إدارياً، أو أن يفرض إقامة حواجز عسكرية يمكنه من خلالها أن يعتقل الغزيين كما كان يحصل قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، وعلى غرار ما يحصل مع المرضى والمصابين في الضفة الغربية.
ينتظر جهاد عوض الله (40 سنة) على أمل التمكن من العلاج في الخارج بعد فتح معبر رفح، ويخشى أن يضطر إلى بتر ساقه اليمنى المصابة إذا تأخر ذلك، ويعيش على الأدوية والمسكنات التي لا يمكنها إيقاف الألم. يقول لـ"العربي الجديد": "هناك التهابات في ساقي، وهي تنتشر، وأخشى عدم فتح معبر رفح قريباً، وأراقب الأخبار محاولاً مواساة نفسي بأن الأزمة ستنتهي، لكني أخاف أن أفقد ساقي خلال الانتظار، فلديّ طفلان أعيلهما".
أكثر من 50 من الجرحى والمرضى توفوا خلال انتظار السفر للعلاج
ونشر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأحد، إحصائية جديدة تفيد بوجود أكثر من 11 ألف جريح بسبب القصف الإسرائيلي ومرضى تفاقمت أوضاعهم بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج بشكل عاجل، كما أن نحو عشرة آلاف مريض بالسرطان يواجهون الموت بسبب نفاد العلاج، وكشفت الإحصائية عن إصابة أكثر من مليون شخص بأمراض معدية في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وأن غالبية تلك الإصابات كانت نتيجة تكرار النزوح، كما ارتفعت أعداد الإصابات بعدوى التهابات الكبد الوبائي الفيروسي إلى 20 ألفاً، ويواجه نحو 350 ألفاً آخرين من أصحاب الأمراض المزمنة خطراً داهماً بسبب منع إدخال الأدوية اللازمة.
ويقول طبيب الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، محمد سعيد، إن المستشفى بات الأكثر استقبالا لحالات الطوارئ وأصحاب الإصابات الأخطر في قطاع غزة بسبب الاستهداف الإسرائيلي لجميع مستشفيات جنوبي القطاع، ومن قبلها مستشفيات المنطقة الشمالية، ما يدفع إلى تحويل كل الحالات المرضية الصعبة إليه، وإن هذا تسبب في ضغوط كبيرة على الطاقم الطبي، وعلى غرف العمليات التي تعمل على مدار الساعة تقريباً، ما استدعى فتح غرف عمليات جديدة ليصبح ممكناً إجراء أكثر من 20 عملية جراحية يومياً.
ويوضح سعيد لـ"العربي الجديد"، أن "المستشفى سجل وفاة عدد من المصابين ممن كانت تصنف إصاباتهم بالخطرة، خصوصاً المصابين في الأعضاء العلوية مثل الرأس ومنطقتي الصدر والجهاز الهضمي، والذين كانت تجري محاولات مستميتة لإنقاذهم، لكن الإمكانات محدودة، وحالاتهم تتطلب تدخلاً طبياً أكبر لا يمكن توفيره إلا في مستشفيات خارج قطاع غزة، وعدد كبير من هؤلاء الشهداء كان يمكن إنقاذه لكنهم توفوا، وهناك العشرات حالياً في المستشفى ينتظرون فتح معبر رفح، وحال لم يفتح قريباً، فسيمثل هذا تهديداً لحياتهم.
يتابع: "إغلاق معبر رفح سبب وفيات كثيرة، والغالبية منهم في المنطقة الشمالية، ولا تعلم عنهم الطواقم الطبية شيئاً بسبب خروج مستشفيات الشمال عن الخدمة، وداخل مستشفى دير البلح حالياً حالات لن تتحمل البقاء بدون علاج لفترة طويلة، ونسجل بشكل شبه يومي وفيات. غالبية المرضى يتلقون علاجاً مؤقتاً، وهو لا يقارن أبداً بما يحتاجونه، ونعتمد على المسكنات والمضادات الحيوية والمطهرات وبعض المحاليل الطبية في منع تدهور الحالة المرضية، أو تفاقم الجروح، وفي غالبية الأحيان لا نملك العلاج المناسب، وهناك نقص حاد في المستلزمات الطبية، حتى أن الطواقم الطبية تلجأ في أوقات إلى منح الأدوية المتاحة لحالات دون غيرها، وإجراء مفاضلة بين المرضى والجرحى بسبب محدودية الأدوية المتوفرة".