منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، برز على الساحة الدولية مصطلح القضية الفلسطينية وبدأت أطراف عدة تقديم مشاريع وتصورات لتسوية سياسية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، تطورت وتغيرت مع تغير الأحداث الميدانية في فلسطين والمنطقة العربية، وقد استطاعت إسرائيل من خلال خوضها في مشاريع التسوية اكتساب شرعية دولية وتثبيت أركان دولتها الحديثة النشأة وعززت من مكانتها الدولية، وفرضت على الأنظمة العربية طريقتها في تسوية الصراع من حلول مرحلية واستفراد بكل طرف على حدة، في حين أن مشاريع التسوية وحتى اللحظة لم تصل بالفلسطينيين إلى شيء، ولم تر الحقوق الفلسطينية المتفق عليها النور.
مشاريع التسوية السلمية تنقسم إلى عدة مراحل، الأولى منها انطلقت مع بداية الاحتلال عام 1948، واستمرت حتى عام 1967، وكان القاسم المشترك لمشاريع هذه المرحلة هو التعامل مع قضية فلسطين بوصفها قضية لاجئين تحمل بعدًا إنسانيًا، وعملت على تصفية القضية الفلسطينية وتنكرت لحق العودة وللحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وسعت إلى إلغاء كل المطالب الناتجة عن حرب 1948. ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1984، القاضي بوجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى بيوتهم في أقرب وقت ممكن، ودفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة، وأن يتم تعويض أي مفقود أو مصاب بضرر من الجهة المسؤولة عن ذلك، مشروع جونستون، وزير الخارجية الأميركي 1953 – 1955، والذي استهدف تصفية قضية فلسطين واللاجئين مقترحاً تعاون الدول العربية مع إسرائيل في استثمار مياه نهر الأردن بطريقة تكفل تطور المنطقة زراعياً، وتهيئة سبل الاستقرار فيها للاجئين، ومشروع توطين لاجئي قطاع غزة في شمالي غرب سيناء في يوليو/ تموز 1955، والذي كان من المفترض أن تتعاون في تنفيذه مصر مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ويهدف إلى استيعاب نحو 59.500 لاجئ فلسطيني من قطاع غزة لديهم خبرة ومهارة في الزراعة للعمل في مشاريع زراعية في قطع أرض مستصلحة في سيناء تبلغ مساحتها 50.000 فدان، غير أنه لقي معارضة عنيفة من فلسطينيي القطاع وخرجت تظاهرات قوية تطالب بإيقاف وإسقاط المشروع. ومن أبرز مشاريع تلك الحقبة مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في 21 إبريل/ نيسان 1965، وهو المشروع العربي الوحيد في تلك الفترة واعتبر اتجاهاً جديداً في التفكير العربي واختراقاً للإجماع العربي حول السلام مع دولة إسرائيل، ويقترح أن تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة التي احتلتها منذ إنشائها لتقوم عليها دولة عربية فلسطينية يعود اللاجئون إليها وتتم المصالحة بين العرب وإسرائيل وتنتهي حالة الحرب بينهما.
مرحلة جديدة
بعد نكسة 1967، دخل الصراع العربي الإسرائيلي مرحلة جديدة، وتراجع الموقف العربي أكثر فأكثر وبانت هشاشة الأنظمة العربية وتبددت ثقة الجماهير العربية بقدرة هذه الأنظمة على تحرير فلسطين، فقد سيطرت إسرائيل على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، وتمكنت من فرض أجندة جديدة لمشاريع التسوية ومن تحويل مسار التفاوض ليقتصر على الأراضي التي احتلت في 1967 فقط، ولتصبح القضية الفلسطينية قضية فلسطينيي الضفة والقطاع، وفي هذه المرحلة تشكلت بوادر الحكم الذاتي للفلسطينيين.
مشاريع التسوية في تلك المرحلة والتي امتدت حتى عام 1987 أجمعت على أن الوسائل السلمية هي الطريق المؤدي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي ويضمن أمن دول المنطقة، وسعت إلى إطلاق المفاوضات الثنائية بين إسرائيل ودول عربية وإقامة علاقة طبيعية بينها. ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: مشروع إيغال آلون، وزير الخارجية الإسرائيلي في 1967، ويتضمن إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية في المناطق التي لن تضمها إسرائيل، وضم قطاع غزة لإسرائيل بسكانه الأصليين فقط، ونقل لاجئي 1948 من هناك وتوطينهم في الضفة الغربية أو العريش، وحل مشكلة اللاجئين على أساس تعاون إقليمي يتمتع بمساعدة دولية وتقوم إسرائيل بإقامة عدة مستوطنات نموذجية للاجئين في الضفة وربما في سيناء. ويعد قرار مجلس الأمن 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 من أهم المشاريع التي لا تزال تستند إليها كافة مشاريع التسوية إلى الآن، ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في 1967 وإنهاء حالة الحرب والاعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي، وأكد على ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وجاء في اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978 في ما يخص الشأن الفلسطيني منها، وثيقة تشمل تصورات تفصيلية للحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنص على إشراك مصر والأردن وإسرائيل وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل مشكلة الفلسطينيين بكافة جوانبها، وكذلك مشروع السلام العربي (مشروع فاس)، سبتمبر/ أيلول 1982: طرحه وليّ العهد السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز، وتضمن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس، وإزالة المستوطنات التي أقامتها إسرائيل فيها، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
أوسلو وما بعدها
تحت ضغط الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت شرارتها في ديسمبر/ كانون الأول 1987، وظهور الحركات الإسلامية في الساحة الفلسطينية وإخراج منظمة التحرير من دول الطوق وتهميشها سياسياً، دخلت مشاريع التسوية السلمية مرحلتها الثالثة، وتتميز هذه المرحلة بالتنفيذ الفعلي للتسوية السلمية، حيث تم التوصل إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وانعتقت الأنظمة العربية من لاءاتها في ظل تراجع قَومي وعُروبي، لتبقى أبواب التطبيع والتعاون والتحالف العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مشرعة على مصراعيها حتى اليوم.
ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: مبادرة السلام الفلسطيني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، وقامت المبادرة على أساس إعلان الاستقلال واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً لأول مرة بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. ودعت المبادرة أيضا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وحل قضية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة، وطالبت بإزالة المستوطنات ووضع الضفة والقطاع لفترة محددة تحت إشراف الأمم المتحدة.
أما اتفاق أوسلو الذي وقع في سبتمبر/ أيلول 1993، فهو الذي عرف باتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي، وتألف من سبع عشرة نقطة وأربعة ملاحق، وحدد في مادته الأولى أن الهدف من المفاوضات هو إقامة سلطة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة والقطاع، صلاحياتها لا تشمل الأمن الخارجي ولا المستوطنات الإسرائيلية، ولا العلاقات الخارجية، ولا القدس، ولا الإسرائيليين في تلك الأرضي، على أن تبدأ قبل بداية العام الثالث من الحكم الذاتي المفاوضات على الوضع النهائي للضفة والقطاع تؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338. وقد أكد الاتفاق على نبذ منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية للإرهاب والعنف، والحفاظ على الأمن، ومنع العمل المسلح ضد إسرائيل. ولا توجد في الاتفاقيات إشارة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير، أو إقامة دولتهم المستقلة.
وتلى أوسلو توقيع اتفاق طابا (أوسلو 2)، في سبتمبر 1995، وتضمن توزيع الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ"، يكون الإشراف الإداري والأمني عليها فلسطينياً، ومناطق "ب"، تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية، أما الإشراف الأمني فيكون إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، ومناطق "ج"، ويكون الإشراف عليها إدارياً وأمنياً لإسرائيل. تمكنت إسرائيل من خلال هذا الاتفاق من عزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض ومحاصرتها بطوق أمني واقتصادي لتتحكم بها كيفما تشاء.
كذلك طرحت السعودية خلال قمة بيروت ما عرف بمبادرة السلام العربية 2002، وأطلقها وليّ العهد السعودي حينها عبد الله بن عبد العزيز، وترتكز أساساً إلى فكرة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأرض المحتلة سنة 1967، وتنادي بالتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، مقابل السلام الكامل والاعتراف والتطبيع العربي الشامل مع إسرائيل. ومن ضمن المبادرات في هذه المرحلة كانت مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإطلاق مفاوضات السلام (2013)، استندت إلى حل الدولتين وتسعى إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وتبادل غير محدود للأراضي وترسيم الحدود مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الديموغرافية التي حصلت بإقامة المستوطنات مما يمنحها الشرعية.
صفقة القرن
والواضح أن مشاريع التسوية السلمية مع الاحتلال الإسرائيلي لم تُفضِ إلى تسوية عادلة للصراع ولم تنهِ حالة العداء ولم تصل إلى سلام شامل ولم تستطع حسم القضايا الرئيسية المعقدة، ومنها قضايا القدس واللاجئين وحق تقرير المصير، وأنها كانت مشاريع تصفية وفرض للرؤية الإسرائيلية، وتعكس حالة الاستسلام والتردي والتراجع المستمر في المستوى السياسي العربي. ومن النتائج المدمرة لمشاريع التسوية الاعتراف بدولة إسرائيل وبحقها في الوجود وإقامة الدول العربية علاقات دبلوماسية معها بالرغم من تنكرها للحقوق الفلسطينية وتوقف المفاوضات حولها، وعلى ما يبدو أننا وفي الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، على أبواب مرحلة جديدة من التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي تُدشن بأيد عربية أسقطت القضية الفلسطينية من أولوياتها وتبنت رؤية الاحتلال ومطالبه و"شَيطنت" المقاومة الفلسطينية، وسعت لتحقيق مصالح وأمجاد شخصية في تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي دون السعي لإحراز أي من الحقوق الفلسطينية، بل وأكثر من ذلك مهاجمة ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان للفلسطينيين في إطار ترويجه لصفة القرن بقوله "الفلسطينيون فوّتوا العديد من الفرص خلال العقود الأربعة الماضية، ورفضوا كل المقترحات التي قدمت لهم، وعليهم القبول، وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر"، بعد هذا الاستعراض لا ندري عن أي فرص يتحدث ولي العهد السعودي.
مشاريع التسوية السلمية تنقسم إلى عدة مراحل، الأولى منها انطلقت مع بداية الاحتلال عام 1948، واستمرت حتى عام 1967، وكان القاسم المشترك لمشاريع هذه المرحلة هو التعامل مع قضية فلسطين بوصفها قضية لاجئين تحمل بعدًا إنسانيًا، وعملت على تصفية القضية الفلسطينية وتنكرت لحق العودة وللحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وسعت إلى إلغاء كل المطالب الناتجة عن حرب 1948. ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1984، القاضي بوجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى بيوتهم في أقرب وقت ممكن، ودفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة، وأن يتم تعويض أي مفقود أو مصاب بضرر من الجهة المسؤولة عن ذلك، مشروع جونستون، وزير الخارجية الأميركي 1953 – 1955، والذي استهدف تصفية قضية فلسطين واللاجئين مقترحاً تعاون الدول العربية مع إسرائيل في استثمار مياه نهر الأردن بطريقة تكفل تطور المنطقة زراعياً، وتهيئة سبل الاستقرار فيها للاجئين، ومشروع توطين لاجئي قطاع غزة في شمالي غرب سيناء في يوليو/ تموز 1955، والذي كان من المفترض أن تتعاون في تنفيذه مصر مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ويهدف إلى استيعاب نحو 59.500 لاجئ فلسطيني من قطاع غزة لديهم خبرة ومهارة في الزراعة للعمل في مشاريع زراعية في قطع أرض مستصلحة في سيناء تبلغ مساحتها 50.000 فدان، غير أنه لقي معارضة عنيفة من فلسطينيي القطاع وخرجت تظاهرات قوية تطالب بإيقاف وإسقاط المشروع. ومن أبرز مشاريع تلك الحقبة مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في 21 إبريل/ نيسان 1965، وهو المشروع العربي الوحيد في تلك الفترة واعتبر اتجاهاً جديداً في التفكير العربي واختراقاً للإجماع العربي حول السلام مع دولة إسرائيل، ويقترح أن تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة التي احتلتها منذ إنشائها لتقوم عليها دولة عربية فلسطينية يعود اللاجئون إليها وتتم المصالحة بين العرب وإسرائيل وتنتهي حالة الحرب بينهما.
مرحلة جديدة
بعد نكسة 1967، دخل الصراع العربي الإسرائيلي مرحلة جديدة، وتراجع الموقف العربي أكثر فأكثر وبانت هشاشة الأنظمة العربية وتبددت ثقة الجماهير العربية بقدرة هذه الأنظمة على تحرير فلسطين، فقد سيطرت إسرائيل على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، وتمكنت من فرض أجندة جديدة لمشاريع التسوية ومن تحويل مسار التفاوض ليقتصر على الأراضي التي احتلت في 1967 فقط، ولتصبح القضية الفلسطينية قضية فلسطينيي الضفة والقطاع، وفي هذه المرحلة تشكلت بوادر الحكم الذاتي للفلسطينيين.
مشاريع التسوية في تلك المرحلة والتي امتدت حتى عام 1987 أجمعت على أن الوسائل السلمية هي الطريق المؤدي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي ويضمن أمن دول المنطقة، وسعت إلى إطلاق المفاوضات الثنائية بين إسرائيل ودول عربية وإقامة علاقة طبيعية بينها. ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: مشروع إيغال آلون، وزير الخارجية الإسرائيلي في 1967، ويتضمن إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية في المناطق التي لن تضمها إسرائيل، وضم قطاع غزة لإسرائيل بسكانه الأصليين فقط، ونقل لاجئي 1948 من هناك وتوطينهم في الضفة الغربية أو العريش، وحل مشكلة اللاجئين على أساس تعاون إقليمي يتمتع بمساعدة دولية وتقوم إسرائيل بإقامة عدة مستوطنات نموذجية للاجئين في الضفة وربما في سيناء. ويعد قرار مجلس الأمن 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 من أهم المشاريع التي لا تزال تستند إليها كافة مشاريع التسوية إلى الآن، ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في 1967 وإنهاء حالة الحرب والاعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي، وأكد على ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وجاء في اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978 في ما يخص الشأن الفلسطيني منها، وثيقة تشمل تصورات تفصيلية للحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنص على إشراك مصر والأردن وإسرائيل وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل مشكلة الفلسطينيين بكافة جوانبها، وكذلك مشروع السلام العربي (مشروع فاس)، سبتمبر/ أيلول 1982: طرحه وليّ العهد السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز، وتضمن انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس، وإزالة المستوطنات التي أقامتها إسرائيل فيها، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
أوسلو وما بعدها
تحت ضغط الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت شرارتها في ديسمبر/ كانون الأول 1987، وظهور الحركات الإسلامية في الساحة الفلسطينية وإخراج منظمة التحرير من دول الطوق وتهميشها سياسياً، دخلت مشاريع التسوية السلمية مرحلتها الثالثة، وتتميز هذه المرحلة بالتنفيذ الفعلي للتسوية السلمية، حيث تم التوصل إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وانعتقت الأنظمة العربية من لاءاتها في ظل تراجع قَومي وعُروبي، لتبقى أبواب التطبيع والتعاون والتحالف العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مشرعة على مصراعيها حتى اليوم.
ومن أبرز مشاريع التسوية السلمية في هذه المرحلة: مبادرة السلام الفلسطيني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، وقامت المبادرة على أساس إعلان الاستقلال واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً لأول مرة بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. ودعت المبادرة أيضا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وحل قضية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة، وطالبت بإزالة المستوطنات ووضع الضفة والقطاع لفترة محددة تحت إشراف الأمم المتحدة.
أما اتفاق أوسلو الذي وقع في سبتمبر/ أيلول 1993، فهو الذي عرف باتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي، وتألف من سبع عشرة نقطة وأربعة ملاحق، وحدد في مادته الأولى أن الهدف من المفاوضات هو إقامة سلطة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة والقطاع، صلاحياتها لا تشمل الأمن الخارجي ولا المستوطنات الإسرائيلية، ولا العلاقات الخارجية، ولا القدس، ولا الإسرائيليين في تلك الأرضي، على أن تبدأ قبل بداية العام الثالث من الحكم الذاتي المفاوضات على الوضع النهائي للضفة والقطاع تؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338. وقد أكد الاتفاق على نبذ منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية للإرهاب والعنف، والحفاظ على الأمن، ومنع العمل المسلح ضد إسرائيل. ولا توجد في الاتفاقيات إشارة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير، أو إقامة دولتهم المستقلة.
وتلى أوسلو توقيع اتفاق طابا (أوسلو 2)، في سبتمبر 1995، وتضمن توزيع الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ"، يكون الإشراف الإداري والأمني عليها فلسطينياً، ومناطق "ب"، تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية، أما الإشراف الأمني فيكون إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، ومناطق "ج"، ويكون الإشراف عليها إدارياً وأمنياً لإسرائيل. تمكنت إسرائيل من خلال هذا الاتفاق من عزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض ومحاصرتها بطوق أمني واقتصادي لتتحكم بها كيفما تشاء.
كذلك طرحت السعودية خلال قمة بيروت ما عرف بمبادرة السلام العربية 2002، وأطلقها وليّ العهد السعودي حينها عبد الله بن عبد العزيز، وترتكز أساساً إلى فكرة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأرض المحتلة سنة 1967، وتنادي بالتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، مقابل السلام الكامل والاعتراف والتطبيع العربي الشامل مع إسرائيل. ومن ضمن المبادرات في هذه المرحلة كانت مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإطلاق مفاوضات السلام (2013)، استندت إلى حل الدولتين وتسعى إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وتبادل غير محدود للأراضي وترسيم الحدود مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الديموغرافية التي حصلت بإقامة المستوطنات مما يمنحها الشرعية.
صفقة القرن
والواضح أن مشاريع التسوية السلمية مع الاحتلال الإسرائيلي لم تُفضِ إلى تسوية عادلة للصراع ولم تنهِ حالة العداء ولم تصل إلى سلام شامل ولم تستطع حسم القضايا الرئيسية المعقدة، ومنها قضايا القدس واللاجئين وحق تقرير المصير، وأنها كانت مشاريع تصفية وفرض للرؤية الإسرائيلية، وتعكس حالة الاستسلام والتردي والتراجع المستمر في المستوى السياسي العربي. ومن النتائج المدمرة لمشاريع التسوية الاعتراف بدولة إسرائيل وبحقها في الوجود وإقامة الدول العربية علاقات دبلوماسية معها بالرغم من تنكرها للحقوق الفلسطينية وتوقف المفاوضات حولها، وعلى ما يبدو أننا وفي الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، على أبواب مرحلة جديدة من التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي تُدشن بأيد عربية أسقطت القضية الفلسطينية من أولوياتها وتبنت رؤية الاحتلال ومطالبه و"شَيطنت" المقاومة الفلسطينية، وسعت لتحقيق مصالح وأمجاد شخصية في تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي دون السعي لإحراز أي من الحقوق الفلسطينية، بل وأكثر من ذلك مهاجمة ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان للفلسطينيين في إطار ترويجه لصفة القرن بقوله "الفلسطينيون فوّتوا العديد من الفرص خلال العقود الأربعة الماضية، ورفضوا كل المقترحات التي قدمت لهم، وعليهم القبول، وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر"، بعد هذا الاستعراض لا ندري عن أي فرص يتحدث ولي العهد السعودي.