الاحتقان الشديد والجدل العقيم الذي يرافق المواجهات الكروية العربية للأندية، خاصة في دوري الأبطال الأفريقي خلال السنوات القليلة الماضية، صار أمرا مقززا ومستفزا لعشاق الكرة، يصل إلى درجة كبيرة من التعصب الأعمى والحقد المتبادل والكراهية المقيتة التي تغذيها تصريحات الفاعلين وكتابات وتقارير الإعلاميين والمناصرين، مثلما كان عليه الحال على هامش مواجهات بين الترجي التونسي والوداد المغربي الموسم الماضي، وقبله بين الترجي والأهلي المصري، واليوم بمناسبة مباراتي نصف النهائي المغربي المصري بين الرباعي الوداد والأهلي والرجاء والزمالك، ولو بدرجة أقل مما كان عليه الحال الموسم الماضي، بسبب أخطاء تحكيمية تطلبت اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي، للفصل في لقب لم يحسم رسميا سوى بعد سنة كاملة غذته الشكوك والاتهامات المتبادلة، في ظاهرة لا تحدث سوى بين بعض الأندية العربية في المسابقات الأفريقية.
الشحناء في مسابقات الأندية تفوق بكثير تلك التي ترافق المواجهات العربية على مستوى المنتخبات، بما في ذلك المواجهات المصرية ضد المنتخبات المغاربية بكل ما تحمله من حساسية وأهمية خاصة في نهائيات كأس أفريقيا وتصفيات كأس العالم، وكأن الجماهير تتعصب لنواديها أكثر من تعصبها لمنتخبات بلدانها، أو كأن وسائل الإعلام تهتم بالمسابقات القارية للأندية أكثر من اهتمامها بالمسابقات التي تخوضها منتخباتها. صحيح أن دوري أبطال أفريقيا أكبر مسابقة قارية والمنافسة عليها ظاهرة صحية وطبيعية، والفوز بها يشكل إنجازا مهما، لكن التعصب الكبير الذي يرافقه يشكل بدوره ظاهرة مؤسفة لا تحدث سوى عندنا، خاصة عندما تصل نواد عربية إلى أدوار متقدمة كما هو الحال في المواسم القليلة الماضية.
بمجرد تعيين الحكم الذي يدير المواجهة العربية تبدأ الشكوك والتأويلات، وتشتعل تصريحات المدربين والإداريين في حملات تهيئة الرأي العام لتحميل مسؤولية الإخفاق إلى التحكيم، ثم يدخل الإعلام المتعصب على الخط لينفخ في التخوفات، ويتحول إلى مختص في التحكيم والتحليل الفني، وينصب نفسه طرفا في المعادلة عوض أن يكتفي بدوره في الإعلام والتثقيف والترفيه، أما إذا احتسب الحكم ضربة جزاء أو تغاضى عن أخرى، ورفع الحكم المساعد رايته معلنا وضعية تسلل مشكوك فيها فحدث ولا حرج، حيث يتحول الجميع إلى حكام ومتخصصين في التحكيم، وفي تقنية الفار التي تحولت إلى نقمة في نظر فلاسفة الكرة عوض أن تكون وسيلة لإنصاف اللاعبين والأندية ومساعدة الحكام في مهامهم.
حتى معلق المباراة والمذيع وضيوف الاستديو لا يسلمون من التشكيك في نزاهتهم، ويتعرضون لحملات تشويه كبيرة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، وكأنهم من يقررون مصير المباريات ويحددون من يفوز ويتوج باللقب، فتجد المتربصين يترصدون كلمة أو جملة عارضة أو رأيا فنيا يتحول إثره المحلل والمعلق إلى عدو كاره وحاقد لفريقهم في نظرهم، تلصق به كل تهم الانحياز لمجرد أنه حلل أو علق على لقطة أو هدف، ولمجرد أنه تجاوب مع فوز أحد الأندية أو انتقد أداء لاعب أو فريق، أو حتى تردد في التطبيل والتذكير بأمجاد فريقهم المفضل، حتى ولو كان سيئا أثناء المباراة ويستحق الخسارة.
هذا الذي يحدث عندنا لا نسمع به ولا نقرأه في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في أوروبا، بما في ذلك في مسابقة دوري الأبطال الأكثر أهمية وقيمة ومتابعة على الصعيد العالمي، بل بالعكس تجد التعاليق المتعصبة بين نفس الجماهير العربية التي تصبح كاتالونية ومدريدية أكثر من الإسبان، وتصبح عاشقة لليفربول والسيتي، والميلان والإنتر أكثر من الإنكليز والطليان في حد ذاتهم، فينقلون عدوى التعصب والاحتقان، وعدوى التشكيك في قرارات الحكام ومعلقي ومحللي المباريات في القنوات العربية إلى مسابقات ومباريات لا تعنيهم بطريقة مباشرة.
صحيح أن المستوى الفني والتنظيم والتحكيم في أفريقيا لا يرقى إلى المستوى الفني والتنظيمي والتحكيمي في أوروبا، وقد يقول البعض إن مستوى الإعلام العربي والأفريقي لا يرقى أيضا إلى مستوى نظيره في أوروبا، لكن أغلب جماهيرنا والفاعلين في الكرة عندنا تحكمهم العاطفة، ويفتقدون لأدنى أبجديات الروح الرياضية والاعتراف بالخسارة والاحترام المتبادل، بفعل تعصب أعمى صار يشكل هاجسا ومرضا مزمنا يسكن الكثير من النفوس والعقول المريضة التي ترضى على نفسها بكل أشكال التعسف والحقرة في حياتها اليومية، لكنها ترفض الخسارة في الكرة، وتنتفض وتثور بسبب خطأ تحكيمي أو خيار خاطئ لمدربها ومردود سيئ للاعبيها، وتتحسس من كلام المذيع والمحلل والمعلق..