مصاب بإعاقة ذهنية يقتل شقيقه، وآخر يُجهز على والدته، وثالث يعترض سبيل المارة في الشارع العام. هذه بعض عناوين مثيرة لا تكاد تخلو منها الصحف كل يوم في المغرب.
لم يعد غريباً أن يُشاهد المرء عشرات المصابين بإعاقات ذهنية يتجولون في شوارع المدن الكبرى، إلى حد أن وزارة الصحة كشفت عن أرقام صادمة تفيد وجود 21 ألف مصاب بإعاقة ذهنية في مدينة الدار البيضاء وحدها، بينهم 3 آلاف يتجولون في الشوارع.
وتبعاً لأرقام حديثة لوزارة الصحة، فإن المغرب يضم 27 مؤسسة حكومية لمعالجة المصابين بالأمراض العقلية، فيما يبلغ عدد الأسرَّة في هذه المستشفيات 1725 سريراً، وهو عدد لا يكفي لإيواء المرضى، جراء تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية في المغرب.
ويضم القطاع الصحي الحكومي 172 طبيباً للأمراض النفسية والعقلية، و740 ممرضاً اختصاصياً في هذا المجال، مقابل 131 طبيباً في القطاع الخاص، وهو عدد هزيل، لا يستجيب للمعايير العالمية في هذا الشأن.
قلة التجهيزات الخاصة برعاية وإيواء المرضى، وضعف عدد "الكوادر" المتخصصة في علاج المصابين بالإعاقات الذهنية في المغرب، تعد عوامل رئيسة في تجول الآلاف منهم في الشوارع، الأمر الذي يجعلهم في مواجهات دائمة مع السلطات المعنية.
ويقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري لـ"العربي الجديد" إن هذه "الأرقام الرسمية تظل مجرد عينة مرتبطة بمدن معينة، ولا ترقى إلى إحصائيات حقيقية شاملة"، مبرزاً أن "وضعية المصابين بإعاقة ذهنية في المغرب تتسم بثلاث مشاكل خطيرة".
ويوضح الخضري بأن "الإشكالية الأولى تتمثل في كونهم يعانون خصوصاً من غياب العناية بهم، تطبيباً ورعاية، حيث تعرف البنية التحتية الطبية المتخصصة ضعفاً مهولاً في المغرب".
والمشكلة الثانية أن "المصابين بإعاقة ذهنية أو اختلال نفسي هُم في تزايد مستمر، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكثير من الأسر المغربية، وانتشار مظاهر الإدمان الخطير على المخدرات القوية وانتشار الشعوذة". يتابع الخضري: "أما المشكلة الثالثة فتكمن في أن تعاطي المجتمع مع هذه الظاهرة غير سليم".
ويلفت الخضري إلى أن "بعض الأسر تلجأ إلى احتجاز المصاب في ظروف غير إنسانية، في ظل غياب أية رعاية من الحكومة المغربية لمثل هذه الفئة، مما يسقط الأسر في معاناة شديدة، وترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
واستفاق المغاربة قبل أيام قليلة على مأساة إنسانية تتمثل في العثور على مصاب بإعاقة ذهنية تم احتجازه من طرف أسرته لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، خشية اعتدائه على أفراد عائلته والجيران والسكان، حيث بدا الرجل نحيل الجسم ومتجرداً من ثيابه بالكامل.
وبسبب قلة الإمكانات المادية، وقصور الطاقة الاستيعابية للمراكز العلاجية المتخصصة، يلجأ عدد من الأسر الفقيرة إلى وضع مرضاه في ضريح شهير يدعى "بويا عمر"، غير بعيد من مراكش جنوبي البلاد، ويأوي مئات المرضى العقليين والنفسيين.
وتضع هذه الأسر مرضاها في هذا الضريح، الملقب بـ"غوانتانامو" المغرب، حيث تتم استضافتهم هناك من خلال "اعتقالهم" مدة طويلة، فتوضع في أرجلهم سلاسل حديدية تقيّد حركتهم بسبب فرط عدوانيتهم، إلى أن "يُشفوا بفضل القدرات الخارقة للضريح"، وفق القائمين عليه.
وأمام هذا الوضع، أكد وزير الصحة، الدكتور الحسين الوردي، عزمه مرات عدة على إغلاق ضريح "بويا عمر" بسبب تزايد شكاوى الحقوقيين الذي دقوا ناقوس الخطر من كثرة الانتهاكات التي تحط من كرامة المرضى في هذا المأوى، بدعوى علاجهم.
وأكد الناشط الحقوقي، عمر أربيب، خطورة ضريح "بويا عمر" على حقوق المرضى، وانتهاكه لأبسط حقوقهم الإنسانية، مشدداً على أنه "مكان يشهد تصرفات غير آدمية، بينها شلّ حركة المريض بأصفاد في أطرافه السفلى والعليا لمنعه من الحركة، فضلاً عن ألوان أخرى من التعذيب النفسي".