ضمن جولته لتليين وتحسين العلاقات بين بكين وأوروبا كان وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مساء أمس الخميس، يقف إلى جانب وزيرة الخارجية النرويجية، إينه إريكسن سوريدي، حين استخدم الرجل لغة تهديد واضحة، وفق ما تجمع عليه الصحافة النرويجية والسويدية والدنماركية، تتعلق بـ"مجرد التفكير بمنح جائزة نوبل للسلام لهونغ كونغ".
صورة بكين التي تضررت بشكل بالغ، خلال الأشهر الماضية، خصوصاً مع قوانين قمع الحركة الشعبية الديمقراطية في هونغ كونغ وتفشي وباء كورونا، ورفض أوروبا الضغوط المالية عليها، لم تتحسن بتصريحات وانغ يي، والتي كررت استهداف "دول الشمال" التي كانت قد أبدت تأييدها للحركة الديمقراطية، وعارضت، أقله في وسائل إعلامها، توجيهات بكين الأمنية وتهديدها بعصا الاستثمارات.
لم يأبه وانغ يي بحرية الصحافة في النرويج ودول الجوار حين خرج بتحذيره الذي استهجنته، الصحف صباح الجمعة. فالرجل قال بوضوح إنه "كما هو الحال دوماً فإنّ الصين سترفض بشدّة أي محاولة لاستخدام جائزة نوبل للسلام للتدخل في الشؤون الصينية". وأضاف: "هذا الموقف الصيني صلب كالصخر ولا نريد لأي كان أن يسيس جائزة نوبل".
التهديد الذي لقي استهجاناً إعلامياً في اسكندينافيا، يخالف، بحسب وسائل الإعلام، القواعد التي تعمل على أساساها لجنة "جائزة نوبل"، خصوصاً لجهة أنها مستقلة تماماً عن نفوذ الدولة النرويجية.
وكان وزير التعليم النرويجي غوري مليبو، قد اقترح، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، منح شعب هونغ كونغ "جائزة نوبل" للسلام. وما تصريح وزير الخارجية الصيني إلا تذكير بـ"غضب صيني" من نوبل، التي منحت جائزتها قبل 10 سنوات للمنشق والناقد لحكم الحزب الشيوعي الصيني، ليو شياباو، ما أدى إلى قطع بكين لعلاقتها الدبلوماسية مع أوسلو في 2010.
وزيرة الخارجية النرويجية إينه إريكسن سوريدي، لم تعقب على تحذيرات يي، في المؤتمر الصحافي المشترك، بيد أنها كانت مضطرة، أمام موجة رفض وسائل الإعلام لغة التهديد الصينية، إلى التصريح للقناة الرسمية النرويجية "إن أر كي"، بأنه "كما هو معروف فإنّ الموقف النرويجي واضح في هذا السياق، ونعرف أيضاً الموقف الصيني". وأكدت أيضاً أنّ "لجنة نوبل هي لجنة مستقلة، فلا الحكومة ولا أي سلطة أخرى تستطيع ممارسة نفوذ عليها".
التحذيرات الصينية التي تطاول عدداً من الدول الأوروبية، على خلفية الاحتجاجات في هونغ كونغ، ومجرد الإشارة إلى أن جائحة كورونا بدأت من الصين، تستند إلى نفوذ طويل بنته بكين عبر استثمارات مالية ضخمة في القارة العجوز، وهو ما يثير اليوم حفيظة أجنحة سياسية أوروبية متعددة، من اليسار إلى اليمين، بالإضافة إلى الانتقادات اللاذعة من قبل الصحافة للحكومات الغربية التي تخضع للضغوط الصينية.
وفي هذا الإطار، يذكر مسؤول فرع هونغ كونغ لمنظمة "العفو" الدولية (أمنستي) وليام نيي، أنّ ممارسات وزير الخارجية الصيني تستهدف خنق حرية التعبير، وأنه "الآن يريد ممارسة ضغوط على لجنة نوبل المستقلة والتي لها الحق بمنح جائزتها لمن تشاء حول العالم".
وبحسب ما ذكر نيي في تصريحات نقلتها صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية، اليوم الجمعة، فإنّ وزير خارجية بكين وانغ يي "يحاول بتصريحاته المهددة إرسال رسائل بأن منح جائزة نوبل لهونغ كونغ سيستدعي رداً صينياً، رغم أن الحكومة النرويجية ليس لديها سلطة على نوبل، وهي أيضاً رسالة للدول الأوروبية الأخرى، بما فيها الدنمارك للتوقف عن انتقاد الوضع في هونغ كونغ".
ويخشى المسؤول في "أمنستي" عن ملف هونغ كونغ من أن يفرض الصينيون شروطهم وأن لا تتمكن بعض الحكومات من صدّ الضغوط الآتية من بكين "فلو نظرنا إلى عدد الحكومات التي كانت تلتقي سابقاً بـدالاي لاما ومقارنتها بحفنة صغيرة اليوم فهو يؤشر إلى فعالية التهديدات".
أحد الشخصيات المرشحة لنيل محتمل لـ"جائزة نوبل" للسلام لدوره في النشاط من أجل الديمقراطية في هونغ كونغ، جوشوا ونغ، يرى أنه "من غير اللائق على الإطلاق أن يتدخل (وزير خارجية بكين) وانغ في عمل لجنة نوبل من خلال التهديد، وتصريحاته تلك تأكيد على القمع الذي يتعرض له شعب هونغ كونغ في مسعاه للديمقراطية والحرية، وذلك يتطلب اعتراف دولي"، بحسب ما نقلت عنه "بوليتيكن"، اليوم الجمعة.
ووصفت منظمة "جبهة حقوق الإنسان المدنية في هونغ كونغ" تصريحات وزير الخارجية الصيني بأنها "من الخدع القديمة التي كانت الصين تستخدمها دوماً في ممارستها التهديد، والآن سنرى ما إذا كانت حيل التهديد ستنجح، وهذا عائد أيضاً للجنة نوبل"، وفقاً لمتحدثة باسم الجبهة، بوني ليونغ.