تتضارب المعلومات حول مرض "شيكونغونيا" في السودان ومدى انتشاره، واحتمالات تقصير الحكومة في التهيؤ له والتعامل معه، لكنّها كلّها تؤكد على خطورته
ما زالت حمى "شيكونغونيا" التي ضربت 7 ولايات سودانية، تثير القلق والمخاوف لدى الأهالي، لا سيما بعد أحدث تقارير صادرة من الأمم المتحدة، كشفت عن وصول عدد الإصابات بالمرض إلى 19 ألفاً و224 حالة.
بدأ انتشار الحمى في ولاية كسلا (شرق)، في بداية مايو/ أيار الماضي، ومع نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وصل عدد الحالات إلى نحو 14 ألفاً، بحسب المتحدث الرسمي باسم حكومة الولاية، مجذوب أبو موسى، في حديث سابق إلى "العربي الجديد"، في حين نفت السلطات الصحية المركزية وقوع أيّ حالات وفاة نتيجة المرض.
الـ"شيكونغونيا"، بحسب منظمة الصحة العالمية، مرض فيروسي ينتقل إلى البشر عن طريق حشرات البعوض الحاملة لعدوى المرض ويسبّب حمى وآلاماً مبرّحة في المفاصل. ومن أعراضه الأخرى الآلام العضلية والصداع والتقيّؤ والتعب والطفح الجلدي. ظهر أولاً في تنزانيا، وأصل تسميته سواحلية، لكنّ السودانيين يطلقون عليه اسم "الكنكشة".
يسبب المرض أعراضاً حادة، تصل خلال أسبوع إلى ارتفاع كبير في درجة حرارة الجسم، وصداعاً وآلاماً في العضلات والظهر مع طفح جلدي خفيف.
تمدد المرض إلى سبع ولايات، بحسب تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا)، وذلك خلال الفترة من 31 مايو/ أيار حتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضيين. الولايات التي انتشر فيها المرض هي كسلا، والبحر الأحمر، والقضارف، ونهر النيل، والشمالية، وشمال دارفور، والخرطوم. وأوضح تقرير "أوتشا" أنّ الإصابة بالمرض لدى الأطفال دون الخامسة، بلغت 7 في المائة، فيما بلغت لدى النساء نحو 60 في المائة، من دون تسجيل أيّ حالة وفاة في المستشفيات.
ومع ازدياد المخاوف، استعانت ولاية الخرطوم، أكبر الولايات السودانية سكاناً، بخبير فرنسي لتقصي حالات الشيكونغونيا، فنصح السلطات الصحية بإنشاء مراصد عند البوابات الرئيسية للعاصمة الخرطوم. من جهته، يقول الدكتور أحمد ناجي، عضو اللجنة المركزية للجنة أطباء السودان، لـ"العربي الجديد"، إنّ معدل الأمطار في السودان هذا العام، كان أكبر بكثير من المعدل الطبيعي، وهو ما أدى إلى تدهور بيئي فظيع في كثير من الولايات، ما أدى في المقابل إلى توالد البعوض الناقل للـ"شيكونغونيا"، مشيراً إلى أنّ عدم استعداد الحكومة المحلية لفصل الخريف هو الذي ضاعف من انتشار المرض.
يقول ناجي إنّ التعامل الحكومي غير الجيد أدى إلى انتشار المرض، ووصل إلى الأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة، مبيناً أنّهم، في لجنة أطباء السودان، نبهوا في تقارير لخطورة الوضع، وأنّ المشكلة الحقيقية تمثلت في عدم التشخيص المبكر وعدم وجود جهاز "بي سي آر" الفاحص للفيروسات في الولاية، إذ لم تُرسل عينات لفحصها، كما أنّ الحكومة المحلية لم تتحرك بشكل جدي، ولم تبلغ منظمة الصحة العالمية عن المرض فور اكتشافه.
يضيف أنّ الأرقام الأخيرة مزعجة جداً، خصوصاً مع انتقال المرض إلى ولايات أخرى، مشيراً إلى أن ضعف إعداد الكوادر الطبية، وعدم توافر المراكز الطبية، فاقما الأوضاع. يتابع أنّ مهمة التخلص النهائي من المرض باتت صعبة جداً، وتحتاج إلى وقت أطول. ويطالب السلطات الصحية بتوفير المعلومات عن المرض تدريجياً، وهو ما يشمل نسبة الإصابة والانتشار الجغرافي، وكذلك توفير الكادر الصحي المطلوب في ظل الضعف الحاصل الناتج عن هجرة الأطباء التي وصلت إلى 3 آلاف طبيب سنوياً، حتى أصبح هناك 35 طبيباً لكلّ 100 ألف مواطن، بينما المعيار الدولي الأدنى هو 100 طبيب لكلّ 100 ألف نسمة. يشدد ناجي كذلك على ضرورة توفير الميزانيات الخاصة بالصحة وترتيب الأولويات.
من جهتها، أكدت وزارة الصحة السودانية، في أكثر من مناسبة، أنّها قامت بكلّ الجهود لمحاصرة المرض، وأنّها أرسلت في وقت سابق 1008 من العاملين من الفرق الطبية إلى المناطق المنكوبة، كما باشرت أعمال رش المبيدات للقضاء على البعوض الناقل للحمى، بالإضافة إلى التوعية الصحية. وأشارت إلى وجود عشرات المؤسسات الصحية التي تتعامل مع المرض، بما فيها المستشفيات العامة والمراكز الصحية والمستشفيات الخاصة.
بدوره، يقول صالح جمعة، نائب رئيس لجنة الصحة في البرلمان السوداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ جهود السلطات الصحية في البلاد ساهمت في الانحسار التدريجي للمرض، مؤكداً أنّ نسبة التردد على المستشفيات، خصوصاً في ولاية كسلا، تضاءلت إلى حدّ بعيد في الوقت الراهن، مشيراً إلى عامل آخر زاد من انتشار المرض يتمثل في عدم ذهاب المرضى إلى المستشفيات بسبب العادات في بعض الولايات، إذ يكتفي المرضى بالأدوية المحلية، خصوصاً العشبية.
لكنّ فيصل يس، النائب عن ولاية كسلا، يرى أنّ على الحكومة مضاعفة جهودها أكثر لمحاصرة البعوض الناقل للمرض، والقيام بحملات رش مستمرة، وتجفيف مصارف المياه في جميع الولايات التي انتشرت فيها حمى الـ"شيكونغونيا"، مع عدم إنكار الأرقام التي تصدر من الجهات الصحية، وتوفير الأدوية مجاناً للمصابين، محذراً من التأثيرات السلبية للمرض على حركة المواطنين.
أما الناشط الإغاثي، عضو مبادرة "عشان كسلا"، محمد الأمين، فيقول إنّ المرض في كسلا تلاشى تماماً وبقيت حالات قليلة، لكنّه يحذر في حديثه إلى "العربي الجديد"، من استمرار تدهور البيئة، ما يعرض الولاية لأمراض أخرى، داعياً إلى التهيؤ للمرض منذ الآن، من خلال الاستعداد المبكر لخريف العام المقبل بتجهيز مصارف جيدة للمياه، وتوفير الأدوية المجانية، والتوسع في إنشاء المراكز الصحية، خصوصاً في الأرياف، وإنشاء مستشفى أكبر في المدينة للتعامل مع حالات الطوارئ.