32 عاماً بعد تأسيسها، افتتحت منظمة "مراسلون بلا حدود" مكتبها الأول في القارة الآسيوية في العاصمة التايوانية "تايبيه"، على مسافة قريبة من السجن الأكبر للصحافيين ــ الصين الشعبية ــ وليس بعيداً عن ديكتاتورية كوريا الشمالية. الخطوة التي تلقى دعماً كبيراً من الأمم المتحدة، ومن المكتب المركزي للمنظمة في باريس.
"في كل دول العالم، نلاحظ تراجع حرية الصحافة والحريات السياسية، لذلك فإنّ دوركم سيكون كبيراً في الدفاع عن الحريات أمام واحد من أهم قامعيها: نظام بكين..". بهذه الكلمات افتتح ممثل المنظمة في تايوان سيدريك ألفياني كلمته أمام أعضاء المكتب وممثلي الأمم المتحدة وأكثر من 200 وسيلة إعلامية وبحضور المحامية الإيرانية شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 والمبعدة إلى لندن منذ ثماني سنوات، والمناضل الصيني وواير كايكسي، الذي قاد انتفاضة الطلاب الجامعيين في ساحة تياننمان سنة 1989.
وتابع ألفياني كلمته التي تناقلتها الصحف الفرنسية، وركّز على المساحة التي ستغطيها المنظمة من خلال المكتب في تايوان "سيشمل عمل هذا المكتب سبع دول شرق آسيوية هي الصين، هون كونغ، تايوان، اليابان، الكوريتان، ومنغوليا. وسيرُفع تقرير دوري للمكتب المركزي في باريس يعطي صورة عن حال الحريات الصحافية في تلك الدول".
على مسافة من المكتبة الوطنية، أمام تمثال القائد التاريخي لجمهورية الصين (تايبيه) شيانج كاي شيك، تحوّلت الساحة التي كانت تحمل اسمه أيضا إلى "ساحة الحرية"، في رغبة واضحة من الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي وصل إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني 2016، لتحويل هذا المكان الرمزي لمئات آلاف السياح الصينيين إلى "متحف للديمقراطية". وهو ما جعل "مراسلون بلا حدود" تعجّل خطواتها في تدشين المكتب الآسيوي، لكنّ أسبابا عديدة تجعل من تايوان الوجهة المثلى للمنظمة، تحدّث عنها الأمين العام كريستوف دولوار في حوار مع الملحق الخاص بالميديا الذي تصدره الأوبسرفاتور دوريا.
ويأتي احتلال تايوان المركز الأول من بين دول الشرق الآسيوي من حيث الحريات الصحافية، والمركز 45 عالميا من أصل 180 دولة، في مقدّمة الأسباب التي تجعل "الجزيرة المتمردة" قبلة للمنظمة. ويكشف دولوار أنّ "الدولة التي كانت تتحضر لتدشين المكتب الأول هي هونغ كونغ، لكنّ تراجع منسوب الحريات منذ سنتين وانعكاسه على ترتيبها - أصبحت تحتل المركز 73 عالمياً- كانا عاملاً حاسماً في التوجّه نحو تايبيه".
ولا يخفى على أحد أنّ الصين الشعبية تأتي في سلّم أولويات المكتب الجديد، اذ يعد نظام بكين الأسوأ (176) بعد بيونغ يانغ (180 والأخير) في مجال الحريات الصحافية من حيث معايير عددة تفتقدها وسائل الإعلام في تلك الدول من التعددية والاستقلالية وصولا إلى الإطار القانوني حتى الشفافية، وتسجّل بكين العدد الأكبر من الصحافيين المعتقلين، من بينهم المدونان المعروفان لو يويو ولي تينغيو اللذان عملا لفترة طويلة على تسريب الأخبار المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وحازا سنة 2014 على جائزة منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل توقيفهما منذ حوالي سنة ونصف بتهمة "زعزعة الاستقرار العام".
ومن سخريات القدر، أسابيع قليلة قبل افتتاح المكتب الآسيوي، أن يموت المناضل الحقوقي الصيني ليو شياوبو في سجنه الذي يقبع فيه منذ 2008 بتهمة التوقيع على بيان يدعو للتحول الديمقراطي في البلاد، نتيجة نقص الرعاية الصحية برجل ستيني مصاب بسرطان الكبد منذ سنوات. ومنذ مراسم تشييع شياوبو، أخضعت السلطات الرسمية عشرات الشخصيات الإعلامية والحقوقية للإقامة الجبرية فيما عمدت إلى توقيف ليو كسيا، زوجة شياوبو، واقتيادها إلى جهة لا تزال مجهولة حتى الآن.
والحال أنّ مهمة المكتب لن تكون بتلك السهولة في مواجهة نظام بكين وأذرعه الإعلامية من قناة CCTV إلى وكالة "الصين الجديدة" التي تقوّض أي إمكانية لخلق مساحة معارضة للنظام، وصولا إلى تمويل مدارس للإعلام والصحافة في أفريقيا، تعمد إلى تمكين نظام الدعاية الرسمية لبكين، كما هو الحال مع قناة روسيا اليوم، والتوسع الإعلامي التي تقوم به موسكو في أوروبا تحديدا".
وإذا كانت خطوة المكتب في تايوان تهدف إلى "تغيير الصين قبل أن تغيّرنا وتغيّر العالم" كما يقول دولوار، فإنّ الهدف الأساسي الآن هو "إحداث خروقات في ساحتها الإعلامية شيئا فشيئا"، وبانتظار تقدّم العمل وتطوّره فإنّ المكتب بدأ بالتنسيق مع شبكة "أصوات الحرية" (Freedom voices network) وهي مجموعة دولية للصحافيين الاستقصائيين أسّسها لوران ريتشارد (من وكالة Premières lignes) لمتابعة ونقل كل التحقيقات والتقارير المختصة بالمراسلين المحتجزين أو المخطوفين أو الذين تعرّضوا للاغتيال وتوثيقها في أرشيف المنظمة.
وتعتبر منطقة الشرق الآسيوي من أكثر المناطق غموضاً، لجهة أوضاع الحريات الصحافية فيها، وذلك بسبب الرقاية المرعبة التي تفرض على أي معلومة تدخل أو تخرج من هذه الدول، إلى جانب مراقبة كل ما ينشر في وسائل الإعلام، وفرض شروط قاسية على دخول الصحافيين إلى البلاد والخروج منها.
اقــرأ أيضاً
"في كل دول العالم، نلاحظ تراجع حرية الصحافة والحريات السياسية، لذلك فإنّ دوركم سيكون كبيراً في الدفاع عن الحريات أمام واحد من أهم قامعيها: نظام بكين..". بهذه الكلمات افتتح ممثل المنظمة في تايوان سيدريك ألفياني كلمته أمام أعضاء المكتب وممثلي الأمم المتحدة وأكثر من 200 وسيلة إعلامية وبحضور المحامية الإيرانية شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 والمبعدة إلى لندن منذ ثماني سنوات، والمناضل الصيني وواير كايكسي، الذي قاد انتفاضة الطلاب الجامعيين في ساحة تياننمان سنة 1989.
وتابع ألفياني كلمته التي تناقلتها الصحف الفرنسية، وركّز على المساحة التي ستغطيها المنظمة من خلال المكتب في تايوان "سيشمل عمل هذا المكتب سبع دول شرق آسيوية هي الصين، هون كونغ، تايوان، اليابان، الكوريتان، ومنغوليا. وسيرُفع تقرير دوري للمكتب المركزي في باريس يعطي صورة عن حال الحريات الصحافية في تلك الدول".
على مسافة من المكتبة الوطنية، أمام تمثال القائد التاريخي لجمهورية الصين (تايبيه) شيانج كاي شيك، تحوّلت الساحة التي كانت تحمل اسمه أيضا إلى "ساحة الحرية"، في رغبة واضحة من الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي وصل إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني 2016، لتحويل هذا المكان الرمزي لمئات آلاف السياح الصينيين إلى "متحف للديمقراطية". وهو ما جعل "مراسلون بلا حدود" تعجّل خطواتها في تدشين المكتب الآسيوي، لكنّ أسبابا عديدة تجعل من تايوان الوجهة المثلى للمنظمة، تحدّث عنها الأمين العام كريستوف دولوار في حوار مع الملحق الخاص بالميديا الذي تصدره الأوبسرفاتور دوريا.
ويأتي احتلال تايوان المركز الأول من بين دول الشرق الآسيوي من حيث الحريات الصحافية، والمركز 45 عالميا من أصل 180 دولة، في مقدّمة الأسباب التي تجعل "الجزيرة المتمردة" قبلة للمنظمة. ويكشف دولوار أنّ "الدولة التي كانت تتحضر لتدشين المكتب الأول هي هونغ كونغ، لكنّ تراجع منسوب الحريات منذ سنتين وانعكاسه على ترتيبها - أصبحت تحتل المركز 73 عالمياً- كانا عاملاً حاسماً في التوجّه نحو تايبيه".
ولا يخفى على أحد أنّ الصين الشعبية تأتي في سلّم أولويات المكتب الجديد، اذ يعد نظام بكين الأسوأ (176) بعد بيونغ يانغ (180 والأخير) في مجال الحريات الصحافية من حيث معايير عددة تفتقدها وسائل الإعلام في تلك الدول من التعددية والاستقلالية وصولا إلى الإطار القانوني حتى الشفافية، وتسجّل بكين العدد الأكبر من الصحافيين المعتقلين، من بينهم المدونان المعروفان لو يويو ولي تينغيو اللذان عملا لفترة طويلة على تسريب الأخبار المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وحازا سنة 2014 على جائزة منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل توقيفهما منذ حوالي سنة ونصف بتهمة "زعزعة الاستقرار العام".
ومن سخريات القدر، أسابيع قليلة قبل افتتاح المكتب الآسيوي، أن يموت المناضل الحقوقي الصيني ليو شياوبو في سجنه الذي يقبع فيه منذ 2008 بتهمة التوقيع على بيان يدعو للتحول الديمقراطي في البلاد، نتيجة نقص الرعاية الصحية برجل ستيني مصاب بسرطان الكبد منذ سنوات. ومنذ مراسم تشييع شياوبو، أخضعت السلطات الرسمية عشرات الشخصيات الإعلامية والحقوقية للإقامة الجبرية فيما عمدت إلى توقيف ليو كسيا، زوجة شياوبو، واقتيادها إلى جهة لا تزال مجهولة حتى الآن.
والحال أنّ مهمة المكتب لن تكون بتلك السهولة في مواجهة نظام بكين وأذرعه الإعلامية من قناة CCTV إلى وكالة "الصين الجديدة" التي تقوّض أي إمكانية لخلق مساحة معارضة للنظام، وصولا إلى تمويل مدارس للإعلام والصحافة في أفريقيا، تعمد إلى تمكين نظام الدعاية الرسمية لبكين، كما هو الحال مع قناة روسيا اليوم، والتوسع الإعلامي التي تقوم به موسكو في أوروبا تحديدا".
وإذا كانت خطوة المكتب في تايوان تهدف إلى "تغيير الصين قبل أن تغيّرنا وتغيّر العالم" كما يقول دولوار، فإنّ الهدف الأساسي الآن هو "إحداث خروقات في ساحتها الإعلامية شيئا فشيئا"، وبانتظار تقدّم العمل وتطوّره فإنّ المكتب بدأ بالتنسيق مع شبكة "أصوات الحرية" (Freedom voices network) وهي مجموعة دولية للصحافيين الاستقصائيين أسّسها لوران ريتشارد (من وكالة Premières lignes) لمتابعة ونقل كل التحقيقات والتقارير المختصة بالمراسلين المحتجزين أو المخطوفين أو الذين تعرّضوا للاغتيال وتوثيقها في أرشيف المنظمة.
وتعتبر منطقة الشرق الآسيوي من أكثر المناطق غموضاً، لجهة أوضاع الحريات الصحافية فيها، وذلك بسبب الرقاية المرعبة التي تفرض على أي معلومة تدخل أو تخرج من هذه الدول، إلى جانب مراقبة كل ما ينشر في وسائل الإعلام، وفرض شروط قاسية على دخول الصحافيين إلى البلاد والخروج منها.